دواوين العرب مليئةٌ بما قيل ويقال وسيقال عن اللصوص والحرامية وأهل الحرام والعياذ بالله، لكن في قصة بني نهشل ما يستحق أن نتأمله اليوم، وبإمكاننا إسقاطه إن شئنا على نوعية «اللصوص».
فورد في الأثر، أن أبا الأغر، وهو شيخ أعرابي من بني نهشل، نزل ضيفاً على ابنة أختٍ له تسكن البصرة، وذلك في شهر رمضان المبارك، فخرج الناس إلى ضياعهم، وخرج النساء يصلِّين في المسجد، ولم يبقى في الدار غير الإماء وأبي الأغرّ. ودخل كلبٌ من الطريق إلى الدار، ثم إلى حجرة فيها، فانصفق باب الحجرة ولم يتمكن من الخروج، وسمع الإماءُ الحركة في الحجرة فَظَنَنَّ لصّاً دخلها، فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فأخذ عصا ووقف على باب الحجرة وقال: «يا هذا إنك بي لعارف… أنت من لصوص بني مازن، وشربتَ نبيذاً حامضاً خبيئاً حتى إذا دارت الأقداح في رأسك مَنَّتْكَ نفسُك الأماني، فقلتَ: أَطْرُقُ دُورَ بني عمرو والرجال في ضياعهم والنساء يصلين في المسجد فأسرِقهن… سوْأةً لك! والله ما يفعل هذا رجلٌ حر! وبِئْسَمَا مَنَّتْك نفسُك! فاخرج بالتي هي أحسن وأنا أعفو عنك وأسامحك وإلا دخلتُ بالعقوبة عليك…! وأيم الله لتخرجنّ أو لأهتفن هَتْفَةً فيجيء بنو عمرو بعدد الحصى، وتسأل عليك الرجال من ها هنا، وها هنا ولئن فعلتُ لتكوننَّ أشأم مولود في بني مازن».
فلما رأى أنه لا يجيبه أخذ باللين قائلاً: «اخرج بأبي أنت منصوراً مستوراً… إني والله ما أراك تعرفني، ولئن عرفتني لوثقت بقولي، واطمأننت إليّ… أنا أبو الأغر النهشلي، وأنا خالُ القوم وقُرّة أعينهم، لا يعصون لي رأياً، وأنا كفيلٌ بأن أحميك منهم وأن أدافع عنك. فاخرج وأنت في ذمتي، وعندي فطيرتان أهداهما إليّ ابن أختي البار، فخذ إحداهما حلالاً من الله ورسوله، بل وأعطيك بعض الدراهم تستعين بها على قضاء حوائجك».
وكان الكلبُ إذا سمع الكلام أطرق، فإذا سكت أبو الأغرّ وثب الكلب وتحرّك يريد الخروج. فلما لم يسمع أبو الأغرّ ردّاً قال: «األأم الناس! أراني في وادٍ وأنت في آخر، والله لتخرجن أو لأدخلن عليك!»، فلما طال وقوفه جاءت جاريةٌ وقالت لأبي الأغرّ: أعرابي جبان! والله لأدخلنَّ أنا عليه! ودفعت الباب، فوقع أبو الأغر على الأرض من فرط خوفه، وخرج الكلبُ مبادراً فهرب من الدار، واجتمعت الجواري حول أبي الأغرّ فقُلْن له: «ويحك! فإنه كلب!»، فقام وهو يقول: «الحمد لله الذي مسخه كلباً وكفى العربَ شرَّ القتال!».
ومن نوادر اللصوص، ذهبت ثياب رجل في الحمام، فجعل يقول: «أنا أعلم، أنا أعلم»، واللص يسمعه؛ ففزع وظن أنه قد فطن به؛ فردها. وقال له: «إني سمعتك تقول: أنا أعلم، فما الذي تعلم؟»، قال: «أعلم أنه إن عدمت ثيابي مت من البرد».
ومع التحفظ على التعميم والجمع وعدم التبعيض، لكن دون شك، يدخل كلام الشاعر الكبير أحمد مطر، ضمن دواوين العرب عن أجمل ما قيل في اللص الكبير:
تكتب الشعر لمن، والناس ما بين أصم وضرير؟
تكتب الشعر لمن، والناس مازالوا مطايا للحمير؟
وجياعاً ما لهم أيدٍ، يبوسون يد اللص الكبير؟