تعتبر إذاعة البي بي سي BBC الأكثر قوة وانتشارا في العالم، بتعدد ما تبثه من لغات وبتاريخها وخبراتها الطويلة.. وحياديتها النسبية، مقارنة بغيرها، الأمر الذي ساهم في تعزيز وضعها، علما بأنها تكلف دافع الضرائب البريطاني ما يقارب المليار دولار سنويا! وقد تأسست الإذاعة البريطانية عام 1922، اي قبل 91 عاما، واختار لها مؤسسوها منذ اليوم الأول عدم الربحية، لإبعادها عن تأثير المعلن واستقلاليتها! وكانت حتى عام 1973 الإذاعة الوحيدة في بريطانيا، ولكن ما واجهته من منافسة قوية من محطات إذاعية غير قانونية ناطقة بالإنكليزية، تبث من السواحل القريبة، والتي أُسكتت تاليا، دفع الحكومة الى السماح للمحطات التجارية بالعمل بصورة قانونية، وبحرية مطلقة في الأراضي البريطانية. وقد مدت «البي بي سي» خدماتها الى خارج بريطانيا بالإنكليزية عام 1932، ثم تبعتها بالبث بلغات حية اخرى بلغت 27 لغة تغطي العالم أجمع، ومنها العربية التي بدأت عام 1936 في فلسطين في مسعى لشرح والدفاع عن وجهة نظر الحكومة البريطانية، وكرد فعل على ما كانت تبثه وقتها محطة إذاعة إيطالية من دعاية مناهضة لبريطانيا. وقد نقل مقر الإذاعة العربية إلى جزيرة قبرص، بعدها قبل فتح مكتب في القاهرة.
استمع شخصيا إلى «البي بي سي» منذ أربعين عاما، وأعتبرها واحدة من افضل مصادر الأخبار، ولم يتضح لي شخصيا انها كانت في مناسبات كثيرة غير حيادية بتعمد. كما أنني مدين لها بالفضل، فما ذكرته من خبر قيام صدام بإرسال عمر غني، السفير العراقي السابق في الكويت، والذي كانت بيني وبينه، اثناء فترة خدمته في الكويت، عداوة شديدة، دفعني خبرها الى مغادرة الكويت في بداية فترة الاحتلال الصدامي، وربما ساهم ذلك في إنقاذ حياتي، او على الأقل غير مسارها للأفضل!
ولو قارنا بين مواضيع «البي بي سي» العربية، مقارنة بما تبثه قناتها الإنكليزية، للاحظنا بسهولة مدى الفارق بين «منطق» المحطتين، فقد وجدت النسخة العربية نفسها (ربما) مجبرة للنزول بمستواها الى مستوى عقل الإنسان العربي العادي، أما النسخة الإنكليزية فواضح أن مستوى ما تقوم ببثه ونشره يتناسب والمستوى المعرفي، العالي نسبيا، لمستمعيها!
أحمد الصراف