ماشي، دع كل هذه الأمور على الرف، وتعال معي نبحث عن مصدر "قوة الوجه" لبعض هذه العينات من البشر. وقوة الوجه، لمن لا يتحدث حديثنا ولا يكذب كذبنا، هي البجاحة بلغة المصريين، وهي الصفاقة بلغة العدنانيين، وهي "أن تكذب عمداً، وتعلم أن الناس يعلمون أنك تكذب ولا تبالي".
ولم أرَ "قوة وجه" في طول الأرض وعرضها، كما رأيتها في بعض السياسيين في الكويت، ممن نسميهم هنا "بتوع الباشا"، ويسميهم عباس الشعبي "الانبطاحيين".
أعضاء هذا الفريق كانوا يرفعون شعار "نبيها هيبة"، كلما أراد نائب استجواب وزير من أسرة الصباح الحاكمة، قبل أن يرفعوا السقف لخيالهم، ويتهموه بما هو أبعد من ذلك وأشد وأنكى، فيستيقظ النائب من نومه ليجد نفسه متهماً بالتخابر مع قطر وإسرائيل وبوركينا فاسو، بهدف قلب نظام الحكم على جانبه الأيسر… واليوم، يطالب أعضاء هذا الفريق، بكل "قوة وجه"، باستجواب أقرب وزير، ويركزون على استجواب الوزراء الشيوخ المنتمين إلى أسرة الحكم!
وكانوا يتهمون كل من تسول له نفسه تقديم استجواب لأحد من أعضاء الحكومة بأنه "مؤزم"، يضع العصا في العجلة، ويستخدم الخازوق في أماكن أخرى في جسم التنمية، واليوم، لا تكاد تمضي دقيقة في حال سبيلها، إلا وفيها استجواب هنا، وتهديد باستجواب هناك.
كان أعضاء فريق "قوة الوجه" يمسكون بالاستجواب، ثم يلوحون به، كما يفعل أطفال الحجارة، ويلوحون ويلوحون ويلوحون، ثم يرمونه إلى أبعد مدى، فيصطدم بالجدار فيتفتت، وقد يشطبونه، ويغسلون المكان من بعده بالديتول… واليوم، وبكل قوة وجه، يتباكون على شطب "محاور" استجواب! وهو أمر نوافقهم عليه، لولا تاريخهم وأرشيفهم.
هو فريق يضم، فيمن يضم، نواباً، وشيوخ قبائل، وعمداء عوائل، وديوانيات يجتمع فيها ذاك وذياك، وكانت "بياناتهم" تنهمر على رؤوس الناس، قبل أن تتجمع قطراتها وتشكل سيلاً عرمرماً عظمظماً يقتلع الاستجوابات والأشجار والأحجار والوطنية وصفاء النية… واليوم، ورغم كل هذه الاستجوابات، جفت غيومهم، وأمحلت أراضيهم، فلا بيان، ولا إعلان، ولا قطرة، ولا مطرة. والحمد لله أنهم لم يصدروا بيانات تنادي باستجواب الوزراء، والوزراء الشيوخ تحديداً.
كانوا يندبون ويلطمون ويحثون التراب على وجوههم حزناً عقب كل مسيرة قامت لأهداف وطنية، واليوم ينظمون مسيرة لأسباب طائفية قحة، دون أن تسقط من وجوههم قطرة عرق واحدة! وكانوا يمزقون هدومهم إذا خرجت مسيرة لنا أثناء وجود ضيوف لسمو الأمير، واليوم يرتبون صفوف المسيرات، وكأن ضيوف المؤتمر الحالي أتوا لشراء سيارات مستعملة من "سوق الحراج"! ويا للهول وأبي الهول.