وزير الصحة الشيخ محمد العبدالله حتى الآن ثابت في مكانه، فحاله من حال الوزراء "الشيوخ"، هم جبال "ويا جبل ما يهزك ريح"، والريح هو النقد المر والطويل من الصحافة والمغردين والأطباء لقرار الوزير المتعسف بنقل د. كفاية من قسم العناية المركزة بالمستشفى الأميري إلى مكان ما يعتقد معاليه أنه أفضل للعمل، هذا طبيعي فهو شيخ، والشيوخ، كما نقول ونكرر بكل ملل دائماً ابخص. الوزير "الجبلي" لم يعلِّق على ردود الفعل على قراره الجائر بغير عبارة أن ما فعله مجرد إجراء عادي روتيني يخضع له الكثيرون كفاية وغير كفاية، وانتهى معاليه، وأغلق ملف القضية عنده وعند حكومته التي تحاضرنا وتعظنا عن الإصلاح وتنبهنا أن الأيام الحلوة في الدولة قد ولَّت، وشعار الحكومة في القادم سيكون "يا شعب شد الحزام" والشعب المتحزّم هو أنتم، لا "الناس اللي فوق"، ويا كافية كفاية علينا وعليك وتقبلي القدر والمقسوم في دولة الوزراء الجبليين!
المثل يقول مَن أَمِن العقوبة أساء الأدب، ومع أن الوزير الشيخ محمد العبدالله لا يستحق أن نصفه بأنه أساء الأدب إلا أنه أساء استعمال السلطة، وانحرف عن الغرض المطلوب بتحقيق المصلحة العامة في قرار النقل وابتغى المصلحة الخاصة بإرضاء أحد النواب العاملين في الإدارة الحكومية واسمها اليوم مجلس الأمة! ومع ذلك يصح القياس على المثل السابق ونقول إن هذا الوزير ومن معه من الوزراء الجبليين يصنعون ما يريدون ولا يكترثون لأي حساب برلماني مزعوم أو صحوة رفض شعبية يمكن أن تهز أركانهم، فالوزارة (والدولة بمعنى أكبر) هي مزرعة خاصة، ولهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون، فمهما كثر النقد أو التذمر من عمل هذا المسؤول أو ذاك الوزير، ومهما ساءت أحوال "الرعية" من ممارسة استبداد الأقلية "الأولغارشية" المهيمنة على مقادير الدولة والمجتمع فلن يكون هناك مساءلة حقيقية تضع الأمور في نصابها الصحيح كما يُفترَض في دولة حكم القانون لا في دولة حكم الأمزجة.
للتذكير فقط، أقول إنها ليست قضية الوزير الشيخ محمد العبدالله، وليست هي كذلك حكاية نقل طبيبة لا حول لها ولا قوة من مكان عملها، بل هي قضية غياب روح المسؤولية عند أصحاب البشوت السوداء ومَن في حكمهم من الدائمين على الكراسي العالية، فلا أحد يحاسبهم ولا أحد يجرؤ على تحريك شعرة من مقاماتهم السامية، والقضية أيضاً هي غياب الحراك الشعبي الفاعل، فكل ما حدث ويحدث ليس أكثر من زوبعة في فنجان، هو رفض لاستبداد سلطوي قصير النفس، وهو ردود فعل متواضعة، تنفعل في لحظات، ثم تنسى بعدها في لحظات أخرى، وهذه هي المصيبة الحقيقية.