سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن محترم (7)

 

«والله أنكم أغبى الأغبياء. المتعلم منكم والجاهل على حد سواء. من يحمل أعلى الشهادات الجامعية، ومن لم يكمل حتى المرحلة الابتدائية. كلكم أغبياء فاستحوا على وجوهكم. أليس لديكم كرامة؟ أليس لديكم ضمير؟ ثم تعالوا هنا يا من تدعون أنكم أهل إسلام وتوحيد ودين وعروبة.. وتتفاخرون بشيم العرب، هل من شيم العرب أن يجتمع عشرات العساكر من الرجال بشنباتهم العظيمة وعضلاتهم المفتولة لينهالوا بالضرب على امرأة كما شاهدنا في مصر؟ سحلوا لمره سحال.. هل من العروبة والإسلام وقيم الرجولة أن يجتمع حشد من الجنود وكلمن نافخ صدره علشان يكسرون عظام «ياهل» ما وصل خمستعش سنة… شفيكم، ما عندكم مبدأ في حياتكم. مستانسين علشان مشهد في قناة فضائية تافهة يستعرض أسلحة فتاكة وأن الحرب قادمة وتكبرون بعد؟ لا.. وكلمن يفتي من صوب.. أقول، بو يوسف.. قابلني بس خلني أشدخك جم شوط كيرم».

في ذلك المجلس، حتى مع لعب الكيرم والورق والدومينو، كان النقاش يحتدم بين بعض الحضور في شأن الأوضاع التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، ولم يكن كلام المواطن المحترم هو الأكثر هجوماً وشراسةً، بل تحدث أحد الحضور صارخاً ومستنكراً ما يفعله بعض (مشايخ الدين) المسكوت عنهم وما ينفثونه من سموم الصدام والخلاف والفرقة والتناحر الطائفي.

هنا، ترك المواطن المحترم حصانه على رقعة الشطرنج واستدار للمتحدث وخاطبه ضاحكاً: «يا بوالشباب.. إنت علبالك شيوخ الفتنة يتكلمون منهم ومن نفسهم بس.. حبيبي، هناك ريموت كونترول وفلوس تندفع… ونحن وإياكم والكثيرون غيرنا نرى ونشاهد ونسمع لكن القليل منا من يدفعه التفكير لأن يتساءل لماذا يفعل هؤلاء كل هذا؟

وعلى أية حال يا صاحبي، تأكد أنه كلما بقيت الفتنة والتناحر المذهبي في المجتمعات قائمة، كان ذلك أفضل بالنسبة لمن يعشق رؤية مجتمع المسلمين وأبناءه في تناحر مستمر ليسهل عليه تنفيذ مؤامراته، ولا تقل لي أنه لا توجد حكومات عربية وإسلامية هي من يؤجج ويستخدم شيوخ الطين والإعلام والصحافة وكل ما تصل إليه يدهم لتأجيج النار… لا حبيبي، يدفعون ونص، وليس للمغفلين من الناس إلا أن يعتقدوا ويصدقوا أن أولئك همهم حماية الدين والأوطان! حبيبي، ما يهمهم إلا جيوبهم».

«اسمعوا اسمعوا ياجماعة».. كان أحد الحاضرين يقرأ نصاً من إحدى الصحف… «يقول لكم فلان العلاني في تصريحه الصحفي الخطير، أنه يتوجب على العلماء والوجهاء والنخب المثقفة والناشطين في العمل الخيري والاجتماعي أن يتصدوا لكل ما يثير الفتنة والانقسام، وأن يحافظوا على النسيج الاجتماعي ويقدموا مصلحة الوطن العامة، مؤكداً فلان الفلاني ضرورة تجنيب السلم الأهلي من كل ما من شأنه إلحاق الضرر بالمسلمين من كل الطوائف»… ها، ما رأيكم في هذا الكلام الجميل؟

ولم يطل الوقت لتلقي الإجابة من المواطن المحترم الذي قال أن هذا الفلان الفلاني كذاب أشر! نعم، ولا تصدّقوا ما يقوله في الصحف ونحن نعلم أنه من أكثر الناس الذين يشعرون بالسعادة وهم يرون المجتمع الإسلامي في تناحر وقد تابعنا الكثير من خطبه وتصريحاته… خله يولي يبه هذا إلا واحد تفلنزي.

أما الرجل الذي كان يلعب الشطرنج مع المواطن المحترم، فقد شعر بنشوة الفوز وهو يهزم المواطن المحترم في آخر تحريكة له على الرقعة.. ومع استسلام الموطن المحترم، إلا أن ذلك الرجل خاطب الناس في المجلس قائلاً: «شوفوا ياجماعة رقعة الشطرنج… هكذا يعبث بنا الغرب والشرق والشمال والجنوب نحن أبناء الأمة الإسلامية.. هكذا انظروا.. حرك الجندي.. ارفع الفيل.. اهجم بالقلعة.. دع الوزير يفعل ما يشاء.. ثم، لتكن خطتك محكمة حتى تنعم بالنصر».

«إي والله كلامك جميل يا خوي».. تحدّث المواطن المحترم وهو يبدي إعجابه بالمثال الذي ضربه ذلك الرجل على رقعة الشطرنج، حتى أنه زاد عليه بحركة إضافية، وهي الضحك على القطع التي وقعت خارج الرقعة.. راحت عليها.. مرمية رمية الجثث».. فضحك الجميع وعم الفرح والسرور وانطلقت حفلة الزار.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *