خطأ في الفهم الحكومي وخطأ في لغة التعبير عن المفهوم حين تخاطب الحكومة المواطنين، محذرة من بداية النهاية لدولة الرفاه. بالتأكيد دولة الرفاه في الفهم الحكومي لا تعني أن يقبض البعض رواتب من دون التزام بالعمل ومن غير دوام، كما صرح السيد أحمد المرشد وكيل وزارة شؤون مجلس الأمة قبل أيام للصحافة، وتلك كانت عينة بسيطة، من مستنقع غزير للفساد الإداري!
ومن المؤكد أن دولة الرفاه في العقل الحكومي لا تعني أن يتكدس آلاف الموظفين في الدوائر الحكومية من غير عمل، أو أن يتم خلق آلاف الوظائف، إدارية ومسميات وظيفية عالية ومتوسطة، من أجل ترضيات سياسية عبر أقنية الواسطة والمحسوبية كي ننتهي اليوم بهذا الشكل القبيح للدولة المترهلة الغارقة في الأوراق الرسمية، حتى أضحت الكويت في أسفل السلم في الدورة المستندية، كما نشرت الصحافة أمس عن تقرير البنك الدولي! ولا أتصور أن الحكومة تقصد بدولة الرفاه تدخل السلطة الحاكمة في أكثر من مناسبة لتوزع هبات مالية وعطايا وإعفاءات من رسوم خدمة دون مناسبة، أو يتم اختلاق مصادفة مناسبة وطنية حتى ينسى المواطن حقاً سياسياً مستلباً، ويلهى عن مستقبل مجهول بعد أن أفرغت الساحة السياسية من المخلصين، لتحل مكانهم شخصيات انتهازية من صنف "أم أحمد العجافة"؟ (1)
لماذا لا تخاطبنا الحكومة عن وعد بإنهاء دولة الفساد بدلاً من الوعيد عن نهاية دولة الرفاه، فالتعليم المجاني السيئ والخدمات الصحية المتردية، والإسكان الذي ينتظر به الشباب عقوداً ممتدة حتى يأتيهم الدور لا يمكن عد ما سبق من صور دولة الرفاه، ولا يمكن تصور دولة الرفاه في أشكال المسخ للبطالة المقنعة بكل إدارات الدولة، ولا نتخيل دولة الرفاه متمثلة بغياب الإرادة والعزم عند الوزراء وكبار الموظفين بمكافأة المخلص وعقاب المهمل من المرؤوسين، وليست دولة الرفاه هي المناقصات المفصلة على مقاسات المؤلفة قلوبهم، وليست هي العقود العامة "المخصصة" للمقربين من دوائر الحكم، ولا هي رشا رسمية سياسية في داخل الدولة لتسكيت الناس، وليست هي هبات ودعماً حين تأخذ أشكال المساعدة والقروض لدول "شقيقة" تعينها على قمع شعوبها وطمس ديمقراطيات وليدة، كي نقول بأسى إن الكويت نالت شرف بطل الثورات المضادة… حدثونا عن دولة الفساد، ولا تسوقوا أوهاماً مريضة عن دولة الرفاه.
(1) شخصية انتهازية، كما صورها بيت شعر للراحل فهد بورسلي