عدم إمكانية استمرار "دولة الرفاه" هو العنوان الأبرز الذي تداوله الرأي العام من برنامج الحكومة المقدم للمجلس، كما صاحب هذا العنوان ضرورة فرض الضرائب على المواطنين من أجل المساهمة في تقديم الخدمات والاحتياجات الأساسية للبلد. وقبل الخوض بمسألة "الرفاه" لا بد من الإشارة إلى أن فرض الضرائب على المواطنين باعتقادي من أهم الواجبات التي يجب أن يؤديها المواطنون تجاه بلدهم؛ لما في ذلك من شعور ملموس بالمسؤولية لدى الجميع، وقد يخرج الشعب من حالة اللامبالاة التي تنتاب الأغلبية العظمى اليوم للأسف، بل قد يجعل رقابتهم على أداء مؤسسات الدولة أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، وهو أمر كان يتوجب فرضه من بداية مسيرة الديمقراطية كي يتحول إلى ثقافة عامة بالمشاركة الفاعلة في بناء الوطن. عودة إلى موضوع انتهاء "دولة الرفاه" وهو ما يتوجب مناقشته بشكل موضوعي كي نتمكن من تقييم ما حدث، فبعد ما يقارب السبعين عاما من الشروع بتصدير الثروة الوحيدة وهي البترول مصدر الرزق الوحيد للكويت، دعونا نفحص ما تحقق خلالها من "رفاه": على الصعيد الصحي فخلال سبعين عاما من "الرفاه" الذي سينتهي قريبا تم إنشاء ما لا يتجاوز الـ15 مستشفى حكومياً، وفي القطاع التعليمي تم إنشاء جامعة حكومية واحدة بكليات موزعة على بعض مناطق الكويت وهيئة تعليم تطبيقي واحدة بكليات موزعة أيضا على بعض مناطق الكويت، أما بالنسبة إلى البنية التحتية فتم إنشاء محطات للكهرباء والماء لم تعد قادرة على استيعاب ما نستهلكه منذ عام 2006، أما بالنسبة إلى الطرق فعدد الخطوط السريعة التي تربط مناطق الكويت ببعضها لا يتجاوز عشرة طرق ومطارا واحدا وثلاثة موانئ بحرية، أما القطاع الرياضي فمحصلته 15 نادياً رياضياً لخدمة 3 ملايين مقيم على هذه الأرض، أما بالنسبة إلى السياحة والترويح فلا تتجاوز عدد مشاريع هذا القطاع الـ20 مشروعاً حكومياً طوال الأعوام السبعين، أما الإسكان فقد تمت تلبية طلب 100 ألف أسرة كويتية طوال هذه المدة. كمحصلة نهائية فإن ما تحقق من إنشاءات وبناء معماري للكويت وهي أحد أغنى بلدان العالم، وطوال 70 عاما من الثراء الفاحش، لا يلبي طموح حتى الدول الفقيرة، أما على الصعيد البشري فلا إنجاز دولياً كبيراً يذكر كي نبرر أن "الرفاه" المنتهي انصرف عن التنمية العمرانية، واستعاض بذلك بالتنمية البشرية فقط. كل ما سبق يثبت الفشل الذريع لحكومات الكويت بدءاً برئيس الوزراء المغفور له صباح السالم وانتهاء بسمو الرئيس جابر المبارك، وهو ما يجعلنا أمام واقع غير قابل للتزييف أو التجميل، وهو أن أسلوب تلك الحكومات سيئ بل سيئ للغاية، وهو الذي لم يتمكن من الإدارة الحصيفة في زمن "الرفاه والبحبوحة"، ولن يستطيع قطعا إدارتها بزمن التقشف. وبما أن المحصلة فشل، مما يعني ضرورة محاسبة الفاشل على إنهائه لـ"الرفاه" دون استغلال جيد له. لقد بات التغيير واقعاً ضرورياً غير قابل للتأجيل، وأنا هنا لا أتحدث عن التغيير في الأشخاص بل في النمط والأسلوب، وهو ما لن يتحقق ما دامت الأمور تدار بأسلوب عائلي يتنافس فيه أبناء أسرة واحدة للوصول إلى مراكز الحكم مستقبلاً. ضمن نطاق التغطية: قمت بحصر المنجزات التنموية دون مناقشة تردي أحوال معظمها وبقائها دون تطوير، وهي علة أكبر وأعظم بلا أدنى شك.