هيئة مفوضي المحكمة الإدارية العليا في مصر أوصت، الخميس الماضي، بإيقاف برنامج باسم يوسف، وقالت في تقريرها: "إنه لا تجوز الإساءة إلى منصب رئيس الدولة، لأنه رمز الدولة الذي تجب حمايته ومراعاة الاحترام والتوقير لهيبة هذا المنصب في وجدان الشعب المصري، أياً كان شخص رئيس الجمهورية…" (أخبار اليوم). وأوصت الهيئة أيضاً بإلغاء حكم المحكمة الإدارية، التي قررت في قضاء سابق عدم قبول الدعوى المقامة من "أبو العينين"، المحسوب على "الإخوان"، ضد باسم، لوقف برنامج الأخير المسيء لرئيس الجمهورية لانعدام صفته، فهو (أبو العينين) ليس من الذين سخر منهم أو انتقدهم باسم يوسف.
وتمضي توصية الهيئة في دفاعها عن "منصب الرئيس" وليس شخصه، وهو محمد مرسي، الذي أسقط في انقلاب 30 يونيو، لتكرس مفهوم الدولة الأبوية بحجج قانونية عقلية، كما تسوق في تبريراتها، رغم أن هذه الدولة وما تمثله من قيم تعد كارثة الفكر العربي وثقافته التي تعني هيمنة الأب الرئيس على الدولة ومقاديرها، يتصرف بها وبالمواطن "الابن" كما يشاء هذا الأب، الولي، الوصي، القيم على الأبناء الرعايا، وقال في الدولة البطركية الأبوية الراحل هشام شرابي ما لم يقله مالك في الخمر، إلا أن لجنة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا أعادت في توصيتها الاعتبار ضمناً للرئيس الأب، إذ إن الطاعن (أبو العينين) في رأي اللجنة "… من جموع المصريين الذين يحق لهم، بل يتعين عليهم أن يهبوا للدفاع عن النيل من قيم المجتمع، سواء الأسرة المصرية أو الحفاظ على هيبة وصورة رمز المتقلد لمنصب رئيس الجمهورية…"! هكذا يصبح منصب الرئيس "رمزاً"، و"هيبة"، ذلك الرمز الأبوي يصبح من قيم الأسرة المصرية، التي يتعين حمايتها وتوقيرها برأي مستشاري اللجنة.
لتقل هيئة المفوضين في المحكمة ما تريد لتكريس منصب الرئيس وتحصينه من النقد وإسباغ القداسة عليه، فهي وشأنها في تبريرها تلك التوصية حين أسست مشروعية الدولة الأبوية، وكأن هذا ما ينقص مصر أو شقيقاتها العربيات، لكن التساؤل الذي يثار هنا: ما إذا كانت تلك التوصية جاءت في وقتها، لتمتد إلى الماضي من أجل الرئيس المطاح به، أو من أجل المواطن أبو العينين الذي طعن بالحكم، أو من أجل القادم من الأيام أو القادم من الرؤساء الذين "لا يجوز انتقادهم" أو السخرية منهم، فهم رموز الدولة ورموز القيم الأسرية…؟
الرئيس مرسي لم يتقدم بشكوى ضد باسم يوسف الذي جعل محور "الشو" شخص الرئيس ومنصبه، ولم يمارس مرسي سلطاته العليا على ما جرت به العادة المتأصلة والمستقرة في الدول الأبوية البطركية لإسباغ القداسة على منصب الرئيس أو الملك أو الحاكم بصفة عامة. لعل صناديق الاقتراع الشعبية أزاحت جانباً تلك القداسة الأبوية المفترضة عن منصب الرئيس، والتي يستحيل فهمها أو تقبلها في أبسط أبجديات الديمقراطية. فالرئيس المخلوع الذي كان محبوساً بقرار عسكري أصبح أساس حبسه الآن قرارات "قانونية" من النيابة بحبسه احتياطياً لمدد لا يبدو أنها ستنتهي… إذاً ما جدوى توصية المفوضين بالمحكمة، إذا لم تكن "إعادة الاعتبار" للحالة "المباركية" وبأكثر منها بالنسبة إلى الرئيس القادم، فما كان يصح في نقد مرسي، لا يعد صالحاً للحاضرين من الرؤساء أو القادمين منهم، فهل وصلت الرسالة إلى باسم يوسف؟!