سرعان ما انكشف الأمر، ولم يتطلب سوى جلسة واحدة لينكشف، وهي الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة وانتخاب رئيس للمجلس، فقد تحول بعض نواب "السمع والطاعة" إلى نواب للمعارضة دون أي مبرر سوى عدم فوز النائب علي الراشد برئاسة المجلس. سأفترض على مضض أن النائب علي الراشد لا علاقة له بموضوع هذه المعارضة الجديدة لا من قريب أو من بعيد، بل هم مجموعة من النواب لم تعجبهم خسارة علي الراشد لكرسي الرئاسة، فقرروا أن يصبحوا معارضة بين ليلة وضحاها، وشملت تلك المعارضة كذلك وسائل إعلامية كانت تتبنى مظاهرات لنصرة الحكومة كما شملت بعض ما يسمى بالخبراء الدستوريين كذلك. اليوم تقدم تلك المعارضة الجديدة أسلوباً كانت تدّعي قبل أشهر أنه يهدم البلد ويعطل التنمية، ويدق إسفين الفتن بين المواطنين، فأحدهم يحاول التفرقة بين مكونات المجتمع، وآخر تضخمت حساباته في فترة رئيس الحكومة السابق يتكلم عن حماية المال العام، والتهديد بأكثر من استجواب قبل بدء المجلس فعلياً. كل تلك الأمور هي ما أثارت سخط فئة كبيرة من المواطنين في الماضي القريب، وجعلتهم يؤيدون نظام "الصوت الواحد" الانتخابي على أمل تحقيق الهدوء والشروع في التنمية الفعلية، واختاروا نواب المعارضة الجديدة "السمع والطاعة" سابقاً من أجل تحقيق هذا الهدوء، وكما هو واضح أنه لم يتحقق، والقادم من الأيام سيشهد تكرار المشهد الذي حاول الناس التخلص منه ولم يتحقق لهم ذلك. ما حدث سابقاً وسيحدث قريباً من مجاذبات يبرهن على أن المسألة ليست مسألة "صوت واحد" أو "أربعة" كما ذكرنا سابقاً، بل هي مسألة سوء اختيار وقع فيها الكثير من المواطنين على مر السنوات، وهي بلا شك نتاج لسياسة دولة قتلت الثقافة والوعي وأسس الاختيار السليم طوال سنوات الدستور، ولن تتغير الحال حتى إن استبدلنا الأسماء. كما أن ما يحدث اليوم يبرهن أيضا أن ليس كل من رفع شعار المعارضة يستحق الدعم حتى إن اتفقت الأفكار أو القضايا أحياناً، فلا خلاف أن الحكومات كل الحكومات المتعاقبة سيئة ولم تقم ولو بجزء يسير من مسؤولياتها، ولكن التخلص من هذا السوء لا يكون باختيار أو دعم السيئ لينقذنا، بل يكون بنبذ الاثنين معاً. في السابق كان الأمر أسهل بكثير لأن الحكومة والمستفيدين منها كانوا يقفون في خانة واحدة مقابل معارضة حقيقية كانت ترفض استمرارهم، أما اليوم فالأمر يختلف، فنحن أمام مجاميع فساد تتعارض مصالحها مع بعضها بعضاً فتكون أكثر من جبهة معارضة وأكثر من جبهة موالاة، وهو ما يجعل المسألة أصعب مما كانت عليه وتتطلب إدراكاً للمسألة أكثر من السابق. نحتاج فعلاً إلى إصلاح مخلص غير مرتبط بأشخاص ببرنامج وطني قابل للتطبيق بعيداً عن شعارات ترفع دون وجود آليات عملية لتحقيقها. خارج نطاق التغطية: يعلم الجميع أن الكويت تعتزم شراء مقر عمدة لندن بقيمة تقدر بـ1.5 مليار جنيه إسترليني، لكن ما لم يُقرأ بشكل واضح هو أن الأرض التي أقيم عليها مقر عمدة لندن كانت أصلاً ملكاً للكويت، وقامت ببيعها وبعد أن تم بناؤها تنوي الدولة أن تشتريها بأضعاف السعر.
اليوم: 24 أكتوبر، 2013
إلا الكولاجين
لأسباب دينية بحتة، لا يتناول المسلمون لحم الخنزير، وقبلهم بألف سنة تقريباً حرمت الشريعة الموسوية اليهود من تناوله، أو حتى الاقتراب منه. كما لا يتناوله آخرون لدواعٍ إما عقائدية أو لكونهم نباتيين، ومن «أصدقاء الطبيعة أو الحيوان»! وعلى الرغم من شعبية الخنزير في الفلكلور الغربي، فإن اسمه يستخدم لإهانة الآخر والسخرية منه. وللخنزير شعبية هائلة في المجتمعات غير الإسلامية الكثيفة السكان، لرخصه وسهولة تربيته واكتنازه باللحم وكثرة نسله، كما أنه مصدر لا غنى عنه للبروتين، ويُستفاد من جلده وعظامه وشعره في أغراض أخرى! واكتشفت مؤخرا أنه ربما يكون الحيوان الوحيد الذي لا يرمى أو يضيع منه شيء، فالخنزير الذي يبلغ وزنه 100 كلغ مثلاً يحتوي على 3 كلغ جلداً، 54 كلغ لحماً، وأعضاؤه الداخلية يبلغ وزنها 14 كلغ تقريباً، ودمه 5 كلغ، وشحمه 5.5 كلغ، وأظلافه وبقية اعضائه 6.5 كلغ. وكل جزء فيه يُستفاد منه في استخدامات متعددة، ففي أي حمام خاص، أو في حمامات الفنادق الفخمة وصالونات التجميل نجد أن جميع المواد المستخدمة من صابون وشامبو وكونديشينر وكريمات ومواد تجميل ومعاجين أسنان وغيرها الكثير، تحتوي على مواد مستخلصة من شحوم ولحوم الخنزير. كما يُستخدم شعره في أنواع عديدة من عجائن الخبز والكعك. وتضاف مواد منه للزبدة قليلة الدسم. كما أن كل أنواع كيكات الجبنة والتريماسو تحتوي على جيلاتين مستخلص من الخنزير. كما له استخدامات مهمة جدا وعديدة في عمليات القلب، وفي صناعة مكابح القطارات وفي لصق حبات الرمل بورق الصنفرة، وفي فلاتر السجائر، ويضاف إلى مختلف أنواع المشروبات، كالبيرة والنبيذ وعصائر الفواكه. كما يستخدم في صناعة بعض أنواع رصاص البنادق، وله استخدامات كبيرة في صناعة الطلاء وفراشي الدهان وصقل التماثيل «الصينية»، ولا ننسى بالطبع أن المواد المستخلصة من الخنزير تشكّل العامل الأهم في حقن التخلّص من التجاعيد وعمليات التجميل، أو الكولاجين. وبالتالي من الصعب تخيّل حياة البشر اليوم، وبالذات في الدول التي تعتمد على «الرزق» السهل، والتي لا تمتلك أية مقومات صناعة نصف متقدمة، من دونه، فلا قدرة لها على أن تحمي نفسها من استخدامات المنتجات المحرّمة دينياً، وبالتالي ليس أمامها غير خيارين: إما أن تقوم بتطوير صناعات لا تحتوي على مواد «مخنزرة»، وهذا يتطلب الانتظار لـ300 سنة من العمل الجاد! أو التغاضي عن الأمر، والإقرار بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات، خاصة إن كان بين المحظورات مادة الكولاجين collagen، التي تخفي حقنها تجاعيد السنين الحاكية.
أحمد الصراف
[email protected]