ليس هناك مثال أفضل من مصر، وقبلها إيران، لما يمكن أن يتسبب به الحكم الديني من خراب، ليس فقط لافتقاد قيادته التقليدية لعلوم ومبادئ الحكم وأصوله وألاعيبه، بل وأيضا لما يحمله الحكم الديني من عوامل ضعف في أساس بنيته، هذا غير ميله الشديد لتفضيل من ينتمون لعقيدته على غيرهم، ولو كانت مصلحة الدولة العليا في مصلحة الأخيرين! وقد رأينا ذلك في مصر عندما فصل أو اقال الرئيس «الإخواني» محمد مرسي جميع الكفاءات الإدارية وعين بدلا عنهم من ينتمي للإخوان المسلمين، بصرف النظر عن كفاءتهم. كما رأينا، قبل أكثر من 30 عاما، كيف أصر الزعيم الإيراني «الخميني» على تضمين الدستور الإيراني مادة لا تسمح لغير المسلم الشيعي الاثنى عشري تولي منصب رئاسة الجمهورية، في دولة يدين اكثر من %70 من شعبها بالمذهب نفسه! وهذا يتناقض مع أبسط حقوق الإنسان، ويتعارض مع تجارب دول أقل أهمية وتعقيدا من إيران، كالسنغال، ذات الأغلبية المسلمة الطاغية، التي لم يتردد شعبها في اختيار المسيحي ليبولد سنغور، ليكون رئيسا للجمهورية لأكثر من دورة، لكفاءته وليس لديانته أو مذهبه!
تعتبر إيران من الدول النادرة في العالم، إضافة للولايات المتحدة ودولة أو اثنتين أخريين، التي تمتلك كل شيء تقريبا. فلديها فائض كبير من المياه، ومساحتها كبيرة، واشتهر شعبها بمثابرته وجلده على العمل والانتاجية. كما لدى إيران مخزون نفطي هائل فوق ما تمتلكه من غاز ومعادن ثمينة أخرى. وأرضها خصبة، وطبيعتها رائعة، وصحاريها غنية بثرواتها الطبيعية وجبالها شاهقة ودرجات حرارتها متعددة، وتنمو فيها افضل أنواع الفواكه والنباتات، وتشتهر بالفستق والزعفران والرز واللوز، المر منه بالذات، والذي يصدر كامل محصوله منذ أكثر من نصف قرن إلى إيطاليا ليصنع منه شراب «الأمريتو» الشهير، ولم يمنع طبعا «تدين» قيادة طهران من استمرار تصديرها للوز بالرغم من علمها بما يستخدم فيه. وكان لإيران شأن تاريخي وحضور دولي، ولكن بعد 34 عاما من «الثورة المباركة» أصبحت إيران، بقيادتها الدينية المتزمتة مصدر قلق ليس لجيرانها والمجتمع الدولي بل وايضا للشعب الإيراني نفسه، والذي طالما اشتهر بعلمائه «الحقيقيين» وأطبائه الحاذقين ومهندسيه العالميين، ولكن كل ذلك اختفى مع اختفاء تنوع الدولة الثقافي والاثني، بعد أن تولى الإمام الخميني الحكم عام 1979، ونجاحه في بث عدم الاطمئنان في قلوب كل الليبراليين والزرادشتيين والأرمن واليهود والبهائيين، وحتى المسلمين السنة، فهرب وهاجر أفضل هؤلاء وغيرهم من الإيرانيين التواقين لحب الحياة والحرية، والمعارضين التاريخيين للحكم الديني، إلى خارج إيران حاملين معهم عقولهم وخبراتهم، تاركين وراءهم كل قبيح! وقد رأينا، من خلال وصول، أو شبه تعيين، أحمدي نجاد ومحمد مرسي النوعية المتواضعة الإمكانات التي تصل عادة للحكم في الأنظمة الدينية، وإلا كيف يمكن أن نصدق أن الشعبين، الإيراني والمصري، بملايينهم المائة والخمسين، لم يجدوا بينهم أفضل من مرسي ونجاد، ليحكماهم، بكل ما مثلاه من فراغ في المعرفة والحنكة، وهما ليسا إلا نتاج حكم ديني متخلف؟
أحمد الصراف