عنونة أوضاع "البدون" القانونية لم تعد مهمة، وسواء اسمتهم الدولة "بالبدون" أو المقيمين بصورة غير قانونية أو غير ذلك من تسميات أرادت بها الدولة تلطيف وتزويق واقعهم اللاإنساني، فإن وضع هؤلاء الكويتيين المحرومين من حق الجنسية في جوهره لا يختلف عن المهاجرين غير المعترف بهم في الدول الأوروبية، في فرنسا يطلق عليهم sans papiers أي الأقليات التي لا تحمل أوراقا ثبوتية، فهم كما يتحدث عنهم الفيلسوف آلان بادو جماعات لا يتم اعتبارهم كـ "أشخاص" في الإدارات القانونية، وبهذا الوصف ليس لهم حقوق الانتخابات ولا الضمانات الاجتماعية، ولا يتم احتسابهم في أي مكان بإدارات الدولة، فهم مجرد أرقام لا ترتب أي آثار قانونية منتجة.
تكرمت الدولة "بحاتميتها" الورقية في الكويت على هؤلاء بتصنيفهم حسب البطاقات الملونة التي تمنحها إدارة صالح الفضالة، حسب موقعهم في الإقامة بالدولة وفي التأهل للجنسية الموعودة في تاريخ هو بعلم الغيب، "فكل حسب لون بطاقته، وكل حسب حلمه بالجنسية"، ويتم أحياناً صرف جوازات سفر خاصة أو وثائق لمغادرة الدولة بصفة وقتية لحالات معينة. لا أعرف على أي أساس يتم صرف مثل هذه الجوازات أو أذونات السفر للعمرة أو الحج مادامت الإدارة بحسب مزاجها الاستبدادي لها أن تنحي جانباً أي أثر ناتج عن منح ذلك الإذن بالسفر أو تلك الوثيقة المتصدق بها على البدون الكويتيين.
هذه الأيام تتجدد قضايا محزنة إنسانيا ومخجلة في الوقت ذاته لاسم الدولة –هذا إذا كانت غطرسة المسؤول الكبير تعرف معنى الخجل بدولة مشايخ البشوت السوداء- ففي أكثر من حالة سافر بعض البدون بتلك الوثائق للسعودية، وحين عودتهم منعوا من الدخول للكويت بحجة أن وثيقة سفرهم منتهية التاريخ! وبالتالي يتم احتجاز هؤلاء في فراغ ما بين الحدود، ويتم تعليقهم إلى أن تصل مسؤول الجوازات تعليمات من وزير الداخلية بمنزلة "صدقة جارية" من سعادته تسمح لهم بالدخول، كي يعودوا من جديد لوضع sans papiers، أو عالم بطاقات الأعراس الحزينة الملونة. السماح بدخول هؤلاء البدون الكويتيين الذين انتهت صلاحية وثائقهم في أيام العمرة للدولة لا يخضع لحكم القانون أو لتريب مؤسساتي، إنما هي سلطة تقديرية للوزير، هي سلطة استثناء من جملة سلطات استثنائية للجهاز التنفيذي، أي سلطة خاصة بالشيوخ، ولا أحد قبلهم ولا أحد بعدهم.
أعرف أنه قبل أربعة أيام، تم منع مواطنين بدون هما الشقيقان فيصل ومنصور العنزي من الدخول للدولة، ولم يشفع لهما نشر صورة والدهما على ظهر دبابة في حرب تحرير الكويت، فالمسألة حسب الفقه العنصري، يحكمها مزاج تقديري وسلطة استثناء لها أن تملأ الأوراق الرسمية كما تشاء، ولها أن ترميها في سلة القمامة كما تشاء، ومن سيحاسب من، وأين القانون العادل في دنيا الأشخاص الرقميين…؟ هذه الكويت صل على النبي.