نقل عن ونستون تشرشل، السياسي البريطاني الشهير، أنه قال: «لن تصل الى غايتك ان توقفت لترمي الحجارة على كل كلب يعوي عليك».
تذكرت تلك المقولة، وانا استمع الى تساؤل صديق عن سبب دعوة شخص يكرهه الى حفل أقمته أخيرا في بيتي، وقال إنني «طحت من عينه»! وقد تركت الرد عليه لمناسبة أخرى، ولكن سؤاله لفت نظري، وأنا في هذا العمر، عن السبب الذي يدفع البعض الى أن يعطي من يكره كل هذه الأهمية! ولماذا يكرهون – أصلا – والحياة قصيرة، ولا تحتمل كل هذا البغض؟! ألا يعلمون أن أحسن علاج للبغض أو الكراهية هو أن ننسى من نبغض ولا نتذكره، وكأن لا وجود لهم؟! فتذكرنا لهم في كل مناسبة دليل سيطرتهم على مشاعرنا، وتحكمهم في عواطفنا، وتسببهم في إيذائنا، على الرغم من عدم علمهم بذلك.
وقد قرأت قبل فترة طرفة تتعلق بقصة الكراهية عن والتر بارنس، لاعب «الغولف» الشهير الذي عمّر طويلا، والذي كان يتواجد في الكنيسة فقط،عندما يكون الطقس غير مناسب لممارسة لعبته المفضلة. وفي نهاية عظة أحد تصادف وجوده فيها، وتعلق موضوعها بالمحبة والغفران، سأل القس رعيته عن الذين تمكنوا من أن يغفروا لأعدائهم. وهنا رفع %80 من الحضور، من رجال ونساء أيديهم. واعاد القس السؤال عن أولئك الذين يودون بالفعل أن يغفروا لمن أساء اليهم، فرفع الجميع اياديهم، إلا والتر بارنس، الذي اكتفى بالجلوس صامتا. فنظر القس باتجاهه، وقال: من الواضح يا سيد بارنس ان الطقس ليس جيدا اليوم للعب، ومن الجميل ان نجدك بيننا، ولكن ألست راغبا في ان تغفر لأعدائك الذين لا شك تكرههم؟ فرد بارنس بخشونة قائلا: ليس لدي عدو واحد!
فقال القس: يا سيد بارنس، هذا امر غير عادي أبدا! ما هو عمرك يا سيدي؟ فرد بارنس: ثمانية وتسعون عاما! فكرر القس وراءه متعجبا: ثمانية وتسعون عاما؟! وهنا وقف كل الحضور في الكنيسة تحية لإنجاز السيد بارنس. وهنا طلب القس منه ان يتقدم ويخبر الجميع كيف استطاع شخص بعمره المديد أن يعيش وليس له أعداء في هذا العالم، ولا أشخاص يكرههم. فقام السيد بارنس من مكانه ومشي متثاقلا في الممر، ووقف أمام المنبر واستدار للحضور، وقال ببساطة متناهية: «لقد مات جميع الأوغاد الذين كنت أكن لهم العداوة، فقد عشت أطول منهم جميعاً، وأصبحت بلا أعداء!».
قال جملته تلك وعاد بصمت إلى كرسيه.
أحمد الصراف