احمد الصراف

«كوداك» والكويت

“>
أسس جورج إيستمان شركة كوداك في ولاية نيويورك عام 1888، وهي الفترة التي تقارب بدايات الكويت ككيان شبه مستقل! وكما ارتبط اسم الكويت بالنفط، عرف العالم التصوير الفوتوغرافي من «كوداك»، التي بلغ نجاحها أوجه خلال كامل القرن العشرين، عندما بلغت حصتها %89 من السوق الأميركية فقط في مجال أفلام التصوير والتحميض والطبع وغيرها من صناعة مختلف أنواع الكاميرات والأفلام الحساسة. وبدأت متاعب «كوداك» مع بداية انخفاض مبيعاتها وبطئها التقني في التحول للديجتال، أو النظام الرقمي أو الإلكتروني، وغيرها من التطورات الأخرى ككاميرات الهواتف النقالة، ودفعها عجزها عن التطوير وتنويع دخلها، وفشلها في مواكبة متطلبات السوق والتخلص من فائض العمالة ونفقاتها الهائلة، لأن تطلب من الحكومة في عام 2012، وبعد 124 سنة من تأسيسها، حمايتها من دائنيها! واضطرت مؤخرا لبيع حقوق مجموعة من اختراعاتها بمبلغ 525 مليون دولار لمجموعة من الشركات، وهذا زاد من ضعفها. وقد تستمر «كوداك» كشركة، ولكن لا يمكن أن تعود لسابق وضعها، فقد تآكلت أصولها وأصبحت عاجزة عن مواكبة متطلبات العصر!
ولو نظرنا لوضع الكويت الاقتصادي، التي تعتمد في الحصول على كل احتياجاتها، من ماء وغذاء وكساء، على مورد واحد قابل للفناء، لوجدنا أن وضعها يشبه وضع «كوداك». فالعجز عن تطوير الدولة وتحديثها، والاعتماد الكلي على التقنيات القديمة، والفشل في استثمار الفوائض النقدية بصورة سليمة، ستكون له عواقب وخيمة، ويجب تلافي ذلك والتعلم من دروس كوداك ونوكيا وغيرهما من قصص الاعتماد على مورد واحد!
• • •
• تقول القارئة «م» إنها ترى يوميا عمال النظافة وهم يجمعون القمامة من أمام بيتها وبيوت الآخرين، ويكنسون الشوارع، وعلامات الإرهاق بادية على وجوههم المتعبة وظهورهم المحنية من ظلم الزمن، فهم محرومون من كل شيء تقريبا، وفي الوقت نفسه يروننا ونحن نرتدي أفخر الثياب ونقود أفضل المركبات، ونتناول أحسن الطعام ونتسوّق من أكبر المتاجر، ونتزاور ونضحك ونمتلك كل وسائل الراحة، وننام على أسرّة وثيرة ونجلس على أرائك مريحة ونعيش حياة ترف ورخاء، وأصوات المكيفات تسرّ خواطرنا وهي تبث الهواء المنعش علينا في كل زاوية! وتستطرد «م» قائلة إنها ترى أن نظرات العاملين في الشارع لنا تنمّ، ربما، عن حقد وربما عن كره قاس! فالبعض منا يبخل عليهم حتى بكلمة حلوة، وآخرون لا يفكرون بإعطائهم شيئا من فائض طعامهم، وغيرهم يأكل حتى رواتبهم، وآخرون يلفقون التهم لهم لكي يرحلوهم لبلادهم من دون إعطائهم كامل حقوقهم. وقالت إن منظرهم يذكّرها بقطة كانت تربيها، وأن القطة لم تكن تجرؤ على تخطي عتبة البيت، وفي يوم خرجت من عندهم من دون أن يحس بها أحد، وبعد فترة عادت وهي تئن من آلام الجروح تملأ وجهها، ويبدو أنها دخلت في «صراع» غير متكافئ مع قطط الشارع، التي شفت غليلها منها وانتقمت لنفسها، لأنها كانت دائمة الإطلالة عليها، من وراء شبابيك البيت، ساخرة من شقاء عيشها، ونعيم حياتها! وتتساءل «م»: هل يا ترى لو سنحت الفرصة لهؤلاء العمال لينتقموا منا، مثل ما فعلت قطط الحي بقطتها، سيفعلون ذلك، أم أن «آدميتهم» ستمنعهم من ذلك، خاصة أن أوضاعنا متخلخلة واقتصادنا غير مستقر ولا نعرف ما ينتظر أحفادنا من مستقبل؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سامي النصف

ميدان رابعة ليس بوابة الجنة!

ولدت رابعة إسماعيل العدوي على بُعد كيلومترات قليلة شمال الكويت وتحديدا جنوب البصرة لأسرة فقيرة وقد سميت برابعة لأنها رابعة شقيقاتها، وقد توفي والدها وهي صغيرة، ثم خطفت وبيعت لأسرة ثرية بـ 6 دراهم، وقد اختلف المؤرخون فيما حدث بعد ذلك، فهناك من يرى انها انحرفت ثم تابت، وهناك من يرى انها بقيت شديدة الايمان حتى وصلت الى مرحلة «العشق الإلهي» وأسست مذهبا صوفيا سمي بذلك الاسم يقوم على حب وعشق الخالق لذاته.

***

في عام 1993 اقيم في مدينة نصر على ضواحي القاهرة مسجد سمي بمسجد رابعة العدوية، في عام 2012 اصبح د.محمد مرسي رئيسا لمصر لا عبر الدعوة بمشروع اسلامي او رفع شعار «الإسلام هو الحل» بل عبر مشروع تنموي سمي بمشروع «النهضة»، ولم يتم اختيار مرسي من قبل أهل الحل والعقد أو لأنه اكثر أهل مصر إيمانا وتقوى، بل وصل للحكم عبر نظام ديمقراطي ـ علماني صوت فيه لصالحه يساريون وناصريون وليبراليون وماركسيون، اضافة الى الاسلاميين نكاية بنظام مبارك ومرشحه الفريق أحمد شفيق وهو أمر معلوم بالضرورة نظرا لعلنية الدعم والمناصرة.

***

ومعروف ان نظام الحكم في الإسلام لا يقوم على حكم الأغلبية الذي هو نظام غربي بحت حيث أتى في الآيات البينات وفي أكثر من مكان خطأ اختيار الأغلبية مثل (وأكثرهم لا يعقلون).. و(أكثرهم يجهلون) و(أكثرهم للحق كارهون) و(أكثرهم لا يعلمون)، وصحة رأي الأقلية (وما آمن معه إلا قليل) و(قليل من عبادي الشكور) فكيف صح ان يسوّق القطبيون المتشددون للأبرياء والسذج من الاتباع بأن من يموت في ميدان رابعة لإرجاع رئيس الأكثرية مرسي للكرسي هو شهيد عند رب العباد علما بأن الرئيس المعزول لم يحكم بحكم الإسلام طوال عام من قيادته لأرض الكنانة، بل ظلت البارات وصالات القمار مفتوحة ليلا ونهارا؟!

***

آخر محطة: من شعر رابعة العدوية المسماة أم الخير وشهيدة الحب الإلهي:

عرفت الهوى منذ عرفت هواك

وأغلقت قلبي عمن سواك

أحبك حبين حب الهوى

وحب لأنك أهل لذاك

فأما الذي هو حب الهوى

فشغلي بذكرك عمن سواك

واما الذي انت أهل له

فكشفك للحجب حتى أراك

احمد الصراف

جيل طيب الأعراق

“>

ربما لم يكرر شعب، كالعرب، ما قاله الشاعر المصري حافظ إبراهيم في بيت شعره، أو ما يشابه ذلك في اللغات الأخرى:
«الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق»!
ولم نكتف بترداد البيت في كل مدرسة ومناسبة، بل سعينا لأن نجعل من المرأة كيانا مسحوقا وشخصية قليلة المعرفة بحرمانها من تنسم الحرية ومن تلقي المعرفة، وبالتالي افقدناها الكرامة عنوة، والنتيجة ما نشاهده اليوم من تخلف ودمار وحرق وقتل وتنكيل على أيدي من ربتهم، أولئك النسوة العاجزات! فالمرأة لم تكن يوما، لدى الغالبية الساحقة من شعوبنا، العربية والإسلامية غير عورة، حتى أن الكثير من الشعوب الإسلامية تطلق عليها «أورت»، المشتقة من العورة! كما أن ما نواجهه يوميا من مظاهر التخلف في كل مجال، وما نراه من حروب أهلية، وما نكتوي به من حرائق طائفية وجرائم إرهابية في العشرات من دولنا ما هو، وإن بطريقة غير مباشرة، إلا نتيجة لسوء إعدادنا للمرأة الأم، وعدم اهتمامنا بحاجاتها الإنسانية وحقوقها البشرية، وغلق الأبواب عليها، ومطالبتها بعد كل ذلك بأن تعد شعبا طيب الأعراق! فلو بحثنا في خلفيات أسر كل هذه الجيوش الصغيرة من الإرهابيين، وآلاف الشباب المستعدين لتفجير أنفسهم في مساجد غيرهم، والموت في سبيل أوهامهم، لما وجدنا غير أسر بأم غائبة أو مغيبة، لا تفقه من الدنيا شيئا بعد أن حرمها الزوج أو الأب أو الأخ من أبسط حقوقها، انسجاما مع خائب مفاهيمهم! وبالتالي ما نراه اليوم هو حصاد التربية الغائبة، والقدوة البائسة ونظم التعليم المتخلفة. فمجتمع يرفض حتى خروج المرأة من البيت، لغير بيت زوجها أو القبر، مجتمع لا يمكن أن يخرج غير الإرهاب والخراب. فأبو قتادة وأبو سلام وأبو حمزة وقادة جبهة النصرة ومن على شاكلتهم هم نتاج التربية الفاشلة، بغياب الأم أو بحضورها، تلك المحرومة من أبسط حقوقها، والعاجزة بالتالي عن أن تعطي لغيرها ما تفتقده.
تسرد الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في سيرتها الذاتية «رحلة جبلية رحلة صعبة»، ما عانته، وهي في مقتبل العمر، من ظلم الأب وعجز الأم وقسوة الأخ، وكيف فرضت عليها الإقامة الجبرية، وهي في سن المراهقة، وكيف منعت من الخروج من البيت، وحرمت من المدرسة، أو لقاء أحد واقتصر عملها، وهي بنت العائلة المعروفة، المملوءة أملا وشغفا بالحياة، على خدمة إخوتها الذكور والعمل شبه خادمة في البيت، مجبرة على تناسي أحلامها كإنسانة، وأن هذا الحظر وتلك العزلة حطماها ودفعاها مرات للتفكير في التخلص من حياتها، بعد ان اصبحت تخجل من نفسها وتسير مطأطأة الرأس من الذل، فقد كانت تعامل من ابيها وكأنها غير موجودة، فهو لا يخاطبها بل يطلب من امها أن تطلب من «البنت» أن تفعل كذا وكذا! ولولا أن انتبه لها أخوها الشاعر إبراهيم طوقان ورعاها في مرحلة شبه متأخرة، لما سمع العالم بها، وكل ذلك لأنها تجرأت يوما، وهي مراهقة صغيرة ان تحادث صبيا في مثل عمرها، فكان الشك والحرمان والحبس! حدث هذا في نابلس الفلسطينية في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي، فكيف كان حال غيرها من مدننا وقرانا العربية الغارقة في الظلام منذ قرون وقرون؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

محمد الوشيحي

وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (٢)

استكمالاً للمقالة السابقة التي قلت فيها إنني سأضع علامة أو علامات على ظهور وعاظ السلاطين ليسهل كشفهم، ها هي بعض العلامات…
– لو قتل الحاكم جزءاً من شعبه، أو قام بسجن مجاميع من رجال شعبه، وامتهن كرامات نسائهم، ويتّم أطفالهم، وفي الوقت نفسه جاءت مغنية إلى البلد الذي هم فيه، فإن وعاظ السلاطين سيتحدثون لياليَ طوالاً عن المغنية والفساد الذي ستجلبه، وسيتباكون على الفضيلة والأخلاق التي ستُهدم بسبب هذه المغنية، في حين لن ينبسوا ببنت شفة، ولا ابن شفة، عن الأسر التي ظلمها الحاكم وجلاوزته، وكأن هذا الأمر لا علاقة له بالفضيلة ولا الأخلاق! وإذا تحدثوا عن هؤلاء المظلومين فباعتبارهم خارجين عن الدين (خوارج)، مزعزعي أمن، يتصفون بصفات الغرب واليهود، وجبت عقوبتهم ووجب تعزيرهم.
– وعاظ السلاطين، في مجملهم، يحملون من العنصرية ما يُخجل جويهل وأمثاله. وبنظرة سريعة على المناصب الدينية وأسماء شاغليها في بعض البلدان يكتشف المراقب ذلك بسهولة.
– وعاظ السلاطين لهم تلاميذ ومريدون، جلهم من حسني النوايا، وبعضهم من الطامعين في المناصب، وعادة ما يكون هؤلاء التلاميذ والمريدون سليطي الألسنة، شتامين ببذاءة، أول ما يبدأون به إخراجك عن الملة، ثم يتدرجون إلى الأسفل، ويتكرمون عليك بأوصاف كالديوث والعاهر والطامع في السلطة… ولا تنسَ أن غضبتك كانت بسبب سرقة كبرى قام بها أحد كبار المسؤولين، فاعترضت أنت، فحصلتَ مباشرة على لقب ديوث! وإن سألتني عن الرابط بين هذه وتلك، قلت لك: ليشغلوك بنفسك أولاً، ثم ليحشدوا خلفهم قليلي التعليم الذين تغرهم المظاهر الخارجية وتنطلي عليهم مثل هذه الافتراءات.
– وعاظ السلاطين لا يتحدثون عن أفضلية اختيار الحاكم، كي يقل الفساد، وتصان الدماء، كما في الدول الديمقراطية، بل يميلون إلى "تأليه" الحاكم الفرد المتغلب، الذي يمتلك الدولة بما فيها ومن فيها، ويغفلون الآية "وأمرهم شورى بينهم".
– يتحاشى وعاظ السلاطين عادة الإجابة عن أحد أهم الأسئلة: "من هو ولي الأمر؟… هل هو الحاكم وحده؟ أم الحاكم وولي عهده فقط؟ أم الحاكم وولي عهده وذريتاهما؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة بشرط أن يحمل حقيبة وزارية أو يشغل منصباً؟ طيب وماذا عن بقية الوزراء من خارج الأسرة الحاكمة؟ وماذا عن ذريات هؤلاء الوزراء؟ وماذا عن أبناء الأسرة الحاكمة الذين يشغلون مناصب ليست عليا، كوكيل وزارة أو مدير عام أو رئيس قسم أو أو أو…؟ لذلك يتركون كلمة "ولاة الأمر" حائرة معلقة في الهواء، فيشعر المتلقي البسيط بدوخة ويسقط مغشياً عليه، دون أن يعلم أن "ولي الأمر" المقصود عند هؤلاء الوعاظ هو كل من في يده سلطة ومال، والدليل أنهم لا يستنكرون سرقات كبار اللصوص من خارج أبناء الأسرة الحاكمة.
وللحديث بقية… 
حسن العيسى

محاكم الغاصبين

نعرف من التاريخ أن المحاكمات الشعبية، ومثلها الثورية أي محاكم الثورة، أو محاكم المنتصرين أو المحاكمات العسكرية تشكل في مجملها أشد خروقات للشرعية القانونية ومبادئ حقوق الإنسان، وأن حكم القانون فيها يصبح مطاطاً يتمدد حسب رغبات المنتصر، فيها يغيب العقل "كومن سنس" وتنتصر غرائز الانتقام أو قد تصبح المحاكم امتداداً شكلياً للسلطة الحاكمة، وفيها تضرب السلطة المنتصرة المغتصِبة للشرعية عرض الحائط بمعايير الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء.
 وقوالب المحاكمات الشعبية أو العسكرية لا تختلف في مضمونها عن واقع الممارسات القضائية في دول الطغيان، فالحديث مثلاً عن "استقلالية القضاء" في سورية يصبح نكتة وكلمة هزل لا معنى لها، وفي غير سورية وفي معظم دول "دساتير من ورق" (عنوان كتاب لنيثان براون) العربية يعد الكلام عن القضاء واستقلال القضاء من الطرائف ورياءً سياسياً تحاول أن تغطي به الأنظمة المستبدة عوراتها.
 مصر هي أعرق دولنا العربية في مفهوم استقلال القضاء وتكريس المبادئ القانونية العميقة والتي يرجع الفضل فيها إلى عصر القضاء المختلط في ثلاثينيات القرن الماضي، حين أغنت الثقافة القانونية الفرنسية والإيطالية للقضاة الطليان والفرنسيين أسس ومبادئ القضاء المصري وأسست عصراً تقدمياً لمبادئ الشرعية وحكم القانون مثلما أنتجها عصر التنوير، واستمر القضاء المصري في تقدمه الفكري حتى ثورة يوليو ٥٢، حين شرع عسكر الثورة في الانتقاص من "القضاء البرجوازي" حسب مفاهيم الثورة، ثم حدثت "مجزرة القضاء" عام ٦٩ وفيها طرد أفضل القضاة والمستشارين من سلك القضاء لأنهم لم يكونوا على هوى النظام.
 أمامي الآن موقع جريدة "الشروق" المصرية، وفي مانشيت كبير يأتي خبر "إحالة مرسي و١٤ آخرين إلى محكمة الجنايات بتهمة قتل متظاهري الاتحادية"، فالنيابة تتهم الرئيس الشرعي الذي أطيح به في انقلاب يونيو الماضي وتتهم معه عدداً من قيادات "الإخوان" بالشروع في قتل متظاهري أحداث قصر الاتحادية التي تمت قبل سنة! ما حقيقة هذه الاتهامات؟ وما الغرض منها؟ وأين كانت مدة عام كامل، وهل كانت مخبأة في الأدراج في انتظار الفرصة المناسبة لتصفية حسابات قضائية وسياسية بين الرئيس المخلوع والسلطة العسكرية الحاكمة وامتداداتها لأعمق مفاصل الدولة المصرية؟! لننتظر حكم القضاء في تلك التهم، والتي ستجرى في محاكمة سياسية واضحة، وكم يتمنى الإنسان ألا ينتهي الحال في مصر "بمجازر للشرعية"، يكفينا ذكرى مجزرة ٦٩ ومجزرة الانقلاب في حد ذاته.
احمد الصراف

ريادة القبس في الجديد

“>
اللغة، كأي كائن، تُولَد وتتطور وتكبر وتشيخ، وأحيانا تموت، وهذا ما أصاب الكثير من اللغات التي اندثرت كالآرامية والنبطية وغيرها. ولو نظرنا للمخطوطات العربية القديمة، وما تبقى من رسائل النبي لملوك فارس والروم، لصعبت علينا قراءتها! والأمر يسري على النصوص القرآنية السابقة للتنقيط، ويمكن القول إن اللغة العربية القديمة لا تشبه لغة اليوم، كما أن اللغة السائدة بين بدو صحراء الجزيرة والعراق تختلف عن العربية السائدة في المدن. ولو راجعنا علم اللغات Philology، لوجدنا أن الروايات تتعدد في ما يتعلق بنشأة العربية، أو أية لغة أخرى، ولكن ليس من الصعب اكتشاف أوجه التشابه بينها وبين لغات سامية أخرى. ويعتبر السويسري فرديناند دي سوسور Ferdinand de Saussure المرجع الأقدم في مجال اللغات، وواضع قواعدها. وبالرغم مما يدّعيه بعضهم من صمود اللغة العربية في وجه التغيير، فإن من المعروف أن كتابة الأحرف العربية وطريقة نطقها قد خضعت لتعديلات عدة على مر العصور، وخضعت في مرحلة ما لعملية تنقيط «ثورية». وقد أدى دخول المزيد من غير العرب في الإسلام ومحاولتهم تعلم العربية وقراءتها لخلق المزيد من غموض اللغة لعدم وجود حركات علة فيها، وكمثال كلمة «كتب» فهي تعني كَتَبَ وكُت.بَ وكُتُب، وكان لأبي الأسود الدؤلي دوره هنا. وجاء بعده من أضاف علامة للتنوين. وزاد أهل المدينة علامة التشديد، فجعلوها قوسين، ووضعوا نقطة الفتحة داخل القوس، وغير ذلك من إضافات. وزاد أهل البصرة السكون، فجعلوه شرطة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه. ثم قام الفراهيدي في العهد العباسي بتغيير رسم الحركات، ليتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام. كما نشأت بعض علامات اللغة العربية بسبب اختلاف قراءة القرآن بين نطق لهجة أهل مكة، حيث وجد القرآن، والعربية التقليدية، وتلك العلامات تتضمن التاء المربوطة والألف المقصورة أو الياء المهمَلة (ى) وغيرها. كما يفرق بعض الفقهاء بين الهمزة والألف، وهم يعتبرون عدد الحروف 29 حرفاً وليس 28! من كل ذلك نجد أن تطور العربية لم يتوقف يوما. ومع دخولنا العولمة واستخدامنا مئات الكلمات غير العربية، التي أصبحت جزءا من ثقافتنا ولغتنا اليومية، وبما أن الكثير من هذه الكلمات التي نستخدمها بكثافة، خاصة أسماء المدن والأشخاص تتضمن حروفاً لا توجد في لغتنا، فإن هذا يدفع الكثيرين لنطق تلك الكلمات بطريقة غير دقيقة، ومضحكة أحيانا. كما أن عدم وجود حرف صحيح يمكن به كتابة اسم مدينة كـ Agra الهندية مثلا، فإننا نجد بعضهم يكتبها «أجرا» وآخرون «أكرا» وغيرهم «أغرا»، وهكذا، وجميعها لا تعطي اللفظ الصحيح، وبالتالي يتطلب الأمر إدخال بضعة حروف على المطبعة العربية، لكي يمكن كتابة مثل هذه الكلمات بطريقة سليمة، وهذا سيزيد من ثقافتنا ومن فهم الآخرين لما نريد قوله! وهنا نطالب القبس، بما عُرف عنها من ريادة، أخذ زمام المبادرة، والبدء باستخدام بعض الحروف الجديدة خاصة مثل: الـ«پ» والـ«گ» والـ«» والـ«چ». علما بأن بعض صحف لبنان وشمال أفريقيا تستخدمها في مقالاتها. كما أن مطابع القبس مزوَّدة بها، فقد استخدمتها في كتاب القبس الأخير «80 يوماً حول العالم»! للإشارة لبعض الأسماء والمدن.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سامي النصف

(وجعلنا من الماء كل شيء حي)

أهم دروس غزو الكويت عام 90 هو أننا إذا ما تعاملنا مع بلدنا على انه «وطن مؤقت» كما حدث حتى ذلك العام فإنه سيتحول بالفعل إلى وطن مؤقت أقرب لمحطة وقود يتم التزود منها بالنقود قبل الرحيل النهائي، أما إذا تعاملنا معه على انه «وطن دائم» فسيبقى وطنا دائما باقيا بقاء الدهر.

***

في بريطانيا بلد الأنهار والأمطار طوال العام، ما ان يعلن عن تفعيل «قانون الجفاف» حال قلة الأمطار وانخفاض منسوب الأنهار حتى يلتزم الجميع بقواعد ذلك القانون الصارم الذي ينص على غرامة 5 آلاف جنيه استرليني على من يغسل سيارته او يسقي زرعه بخرطوم المياه وفي حال التكرار تضاف عقوبة السجن.

***

في الكويت التي لا أمطار ولا انهار فيها أي أنها في حالة «جفاف شديد دائم» يصل معدل استهلاك الفرد للمياه للأعلى في العالم اجمع دون داع أو مبرر ودون حساب أو عقاب وكأننا وطن مؤقت لا تضر عملية الإضرار به، وحتى صدور تشريعات رادعة وواجبة تحدّ من الإسراف الشديد لتلك السلعة الاستراتيجية نقترح بعض الخطوات العملية التالية والتي جربناها دون خسارة تذكر بل كسب للفرد وللوطن الذي يحرق أهم ثرواته ونقصد النفط للحصول على تلك المياه المهددة:

٭ أوقف عمليات غسل السيارات والأحواش يومين في الأسبوع والأسهل يوما الجمعة والسبت.

٭ في باقي أيام الأسبوع تستبدل عملية غسيل السيارات بالفوط ذات اليد المتوافرة في الجمعيات التعاونية والأسواق، والمختصة بإزالة الغبار بأسرع وافضل الطرق وعند الحاجة للغسيل يستخدم الجردل لا خرطوم المياه ويمتد الأمر لتنظيف الأحواش لا غسلها إلا ما ندر.

٭ تقليل الاستهلاك غير المبرر للمياه العذبة في الصباح عن طريق عدم فتح الدوش على أقوى دفع للمياه عندما لا تكون تحته والحال كذلك عند تنظيف الأسنان وضرورة غلق الحنفية حتى الانتهاء من التنظيف او التمضمض من كأس ماء.

***

آخر محطة: سيبقى الإسراف قائما ما دام المواطن والمقيم لا يدفعان ثمن استهلاكهما، والواجب بالسرعة القصوى أن تقوم وزارة الكهرباء والماء بإلزام المواطن بوضع عدادات كهرباء وان أمكن ماء على كل شقة سواء في العمارات التجارية أو الاستثمارية أو حتى البيوت السكنية ذات الشقق.

احمد الصراف

سيد درويش الفنان المنسي

“>

يمكن القول إن الموسيقار المصري سيد درويش هو الأب الشرعي للموسيقى الكلاسيكية العربية، إن كان التعبير صحيحا. ويقول الباحث المصري أسامة عفيفي إن معظم ما كتب ونشر عنه اهتم بتفاصيل حياته والأحداث التي مر بها أكثر من الاهتمام بموسيقاه، وسبب ذلك أن من كتبوا عنه كانوا من غير الموسيقيين. ومما يدعو للدهشة أنه رغم اعتراف الجميع بفضل الشيخ سيد، فإننا لا نرى أيا من أعماله تدرس أو تبحث في معاهد الموسيقى، وما زالت المناهج الموسيقية الشرقية في مصر، رائدة الفنون، تعتمد على التراث التركي في معظمها. ويقول بعضهم ان السبب أن سيد لم يترك ثروة أكاديمية يمكن أن تعين في صياغة مناهج التعليم والتدريب، ولكن الصحيح أنه ترك ثروة فنية هي الأكبر في تاريخ الموسيقى العربية من ناحية الكيف، إذ إن كل لحن وقطعة وضعها تستحق الدراسة والتأمل، كما نجد في رواياته الموسيقية أكثر من 200 لحن لم تتكرر فيها جملة واحدة، وفيها من اختلاف المواقف ما يكفي لعرض كل حالات الشعور الإنساني وكيفية التعبير عنها، كما أنه أضاف مقاما موسيقيا جديدا إلى الموسيقى الشرقية أسماه «الزنجران»، ولحن منها أساتذة كبار تاليا، وكانت له اهتمامات بتأريخ أعماله، وكتب مقالات في الثقافة الموسيقية للصحف والمجلات، ولكن القدر لم يمهله لأكثر من ست سنوات، هي كل عمره الفني، فقد بدأ في سن 25 ورحل في سن 31، ولم يكن ليتسنى له التفرغ لعملية أكاديمية، وهو بكل انشغاله بإنتاج أعظم ما أنتجته مصر من فن في تاريخها الطويل، ويمكن القول ان ما قام به سيد درويش في مصر يعادل، مع الفارق، ما قام به بيتهوفن في ألمانيا، حيث صعد الاثنان، كل بموسيقاه، إلى القمة. وفي حين مهد لظهور بيتهوفن عمالقة من أمثال باخ وهايدن وموتسارت، فقد ظهر سيد من دون أن يسبقه تمهيد يذكر، وامتد تأثيره إلى كامل المنطقة العربية عن طريق من ساروا على نهجه بعد رحيله، وقد عاصر سيد أواخر العصر الرومانسي الأوروبي، وترامت إلى مسامعه أعمال رواد الفن الموسيقي الأوروبي مثل فيردي، مؤلف أوبرا عايدة. وكان رغم إعجابه بأعمالهم لا يقلدهم، وإنما كانت موسيقاه معبرة تماما عن إحساس الشعب المصري ومزاجه الذي حرم طويلا من ممارسة الفنون الراقية من قبل العثمانيين، وقد تشابه دوره هذا مع دور بيتهوفن، حيث وصف كل منهما بأنه أزال من موسيقى شعبه الآثار الأجنبية، وانتمى إلى موسيقى أمته مباشرة.
وليس أدل على محاولة طمس أعمال سيد درويش إلا جهل كثيرين بألحانه بالرغم من تغنيهم بها، من دون معرفة صاحبها، الذي ظلم في حياته وبعد مماته! ومن ألحانه الشهيرة التي لا تزال حية أغنيته التي يقول فيها:«طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة»، أو «الصنايعية» والتي كانت أول أغنية عربية تخرج من نطاق الصالونات، وتتغنى بالإنسان الكادح، ثم لحن «زوروني كل سنة مرة»، الأكثر روعة وشهرة. وأغنية «الشيالين»، ولحن الوصوليين، وآهات «أنا هويت وانتهيت»، وأوبريت شهرزاد، واستهلال «أنا عشقت»، ولحن الجرسونات، كما أنه واضع موسيقى كثيرا من الأناشيد، ومنها نشيد «بلادي بلادي» القومي المصري، وغيرها كثير. فهل تقوم جهة في مصر، في فجرها الجديد، بإعادة الاعتبار له؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

محمد الوشيحي

وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (١)

لستُ شيخ دين كي أفسر الآيات والأحاديث، لكنني مسلم يعلم يقيناً، ويجزم جزماً راسخاً، أن الإسلام ليس دين مهانة، ولا ذلة، ولا توسل، ولا يقبل أن يعتدي الحكام وأقرباؤهم على أموال الناس، ثم يؤمر الناس أن يسكتوا ويصبروا، ولا يرضى دينُنا أن يصطف الفقراء في طوابير، وفي يد كل منهم "عريضة" يستجدي بها الحكام وأبناءهم وأقرباءهم، على مرأى ومسمع من شعوب الأرض عبر الفضائيات، ليبصق كل من يشاهد هذا المنظر على الأرض ازدراءً.
يحدث هذا بمساعدة وعاظ السلاطين، الذين يُستخدمون لتركيع الناس، وإذلالهم، ويحضُّونهم على قبول الظلم والسكوت عنه، ويفسرون الدين بما يخدم أهواء السلاطين، وبما يذل المسلمين. لكن الناس بدأوا، شيئاً فشيئاً، يكتشفون هؤلاء الوعاظ المشعوذين… وهنا سأضع علامات محددة على ظهور وعاظ السلاطين كي يسهل اكتشافهم بسرعة أكبر:
– وعاظ السلاطين هم الذين يركّزون على آية قرآنية وحديث نبوي بما يخدم الحكام الظالمين ويرخي لهم حبال البطش والجور، ويمعن في استضعاف الشعوب المسلمة، أما الآية فـ"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وهي آية فسرها المرحوم الشعراوي بطريقة تُغضب الحكام ووعاظهم، فـ"اتهموه" بالتصوف، وفسّروا الآية بطريقة تمنح الحاكم وكالة عامة للبطش والظلم ونهب الأموال ووو…، خصوصاً إن أضفنا إليها الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان "… تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع"…
– يتغاضى وعاظ السلاطين عن كل آية أو حديث يدعو إلى العزة، ويحض على رفض ظلم الحكام، ويمتدح شجاعة رافض الجور، ويرفع فعله إلى أعلى مراتب الجهاد، كالحديث: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر".
– يسارع وعاظ السلاطين إلى التشكيك في عقائد كل شيخ دين يُنكر على الحكام ظلمهم وبطشهم، ويطالب بإقامة العدل بين الناس! والتهم جاهزة، وليس عليهم إلا اختيار إحداها "متصوف، خارجي، متحزب (هذه دائماً يطلقونها على سلمان العودة وكل مَن يرون أنه من الإخوان المسلمين)، مرجف، مبتدع، ضال مضل، ووو…".
– يتجاهل وعاظ السلاطين الحديث عن القيم الأساسية، كالعدل، وحرمة اعتداء القوي على الضعيف، وحرمة الاعتداء على المال العام الذي هو سرقة تستوجب الحد الشرعي، وغير ذلك من القيم الرئيسية، ويسلطون الأضواء على شكليات، مثل قيادة المرأة للسيارة، وظيفة المرأة، الاختلاط، ووو… بعيداً عن آرائهم وآرائنا في مثل هذه الأمور، إلا أنها أصغر بكثير من القيم الأساسية، وأولها العدل، وليس آخرها حرمة دماء المسلمين وكراماتهم.
وللمقالة بقية، بل بقايا…

سامي النصف

رقصة التانغو تدمر الأوطان!

يقال إن رقصة التانغو الشهيرة تحتاج إلى طرفين حتى تكتمل، ويقال كذلك ان أردت أن تحصل على نتيجة إيجابية من ضحية فعلى الجناة ان يوزعوا الأدوار فيما بينهم فبعضهم يلعب دور الخيّر وبعضهم دور الشرير وبين حانا ومانا كما يقول المثل الشامي تضيع لحانا!

***

صدر بالأمس القرار الظني اللبناني في جريمة تفجير مسجدين في مدينة طرابلس الشمالية والذي راح ضحيته عشرات المصلين الأبرياء، وقد اتضح من القرار ان شيخي دين سنة هما الشيخان هشام منقارة وأحمد الغريب قد تورطا مع أجهزة المخابرات السورية في تلك الجريمة الشنيعة، ومن يتصور ذلك؟!

***

مثل هذا يجري في العراق بشكل مستمر منذ عشر سنوات حتى الآن حيث لم يتوقف الأشباح عن التفجير بالشيعة وحسينياتهم وبالسنة ومساجدهم وينسى كثيرون ان البعثيين الصداميين كانوا من كل الملل والمذاهب وبذا نجحوا في اختراق أكثر الأماكن أمنا وتحصينا كونهم يظهرون خلاف ما يبطنون بل على الأرجح يزايدون في إظهار العداء والكراهية لمن يحركهم من خلف الستار كي لا يثيروا الشبهة والظنون حولهم، وبذا يتمكن البعثي الشيعي المخترق من ان يفجر بالحسينيات والبعثي السني المخترق من ان يفجر بالمساجد وتستمر الفتنة مشتعلة بين أبناء الوطن الواحد وتبقى الأمة العربية ضحية.. رقصة التانغو المخابراتية!

***

آخر محطة: استكمالا لمقال «أسرار» المنشور امس معلومة من الطيار العراقي الصديق تكشف سرا آخر هو ان الطائرة الإيرانية بوينغ 727 التي اختطفت عام 85 وصلت إلى بغداد، حيث حولت الى طائرة تجسس وتنصت على القيادات الخليجية عبر الطيران بمحاذاة حدود دولهم وتسجيل مكالماتهم وهذا سر قيام إذاعة صدام بإذاعة نص مكالمة اشتهرت في حينها بين قيادتين خليجيتين ضمن برنامج «السراب واليقين» تطرقا خلالها للأوضاع في المنطقة.