يقول ماكس بورن، عالم الفيزياء الحائز جائزة نوبل، إن اعتقاد البعض بوجود حقيقة وحيدة وأنهم يمتلكونها، هو السبب الأكثر تجذرا لكل ما هو شرير في العالم.. انتهى.
من سمات تخلف أي مجتمع جهله بحقيقة حجمه، وما يشكله من أهمية بالنسبة لغيره، اقتصاديا أو عسكريا. فغالبية شعوب الدول المتخلفة تعتقد بصواب طرق معيشتها، وصلاح عاداتها ومعتقداتها، ورضاها عن أسلوب حياتها، ليس لأنها بالفعل صحيحة بل لأنها اعتادت عليها ولجهلها بما يتبعه الغير من عادات واسلوب معيشة! فقد عاش غالبية البشر وهم يكتفون مثلا بالمضمضة طريقة لتنظيف اسنانهم، ثم تبين أن شعوبا أخرى بدأت باستخدام فراشي ومعاجين أسنان يمكن أن تعطي الفم رائحة أزكى وتطيل عمر اللثة والأسنان بالتالي! وهنا قامت الغالبية بالتخلي عن المسواك والمضمضة لمصلحة الفرشاة، وبقي غيرهم على عاداتهم، وسيهجرونها عاجلا أم آجلا لغيرها!
تقول القارئة «إ. حلو» انهم في لبنان كانوا يقدّمون لضيوفهم مختلف أنواع السجائر، ولكنهم هجروا تلك العادة لأسباب عديدة، وهي عادة لم تعرفها الكويت ربما لرخص ثمن السجائر فيها، وتوافرها لدى الجميع، ولجفاف الطقس الذي لم يكن يسمح لسجائر العلب المفتوحة أن تبقى طرية لأكثر من يوم. ولكن أفراد الشعبين بالغوا في عادات جديدة أخرى في مناسبات زيارات المرضى وغيرها مثل المبالغة في مباركة المولود الجديد، والذي اصبح قدومه يشكل هاجسا ماديا وقلقا للكثير من الأسر! كما أصبحت الأعراس مناسبات لخلق مدينين جدد، بسبب الإسراف في الصرف عليها من غير المقتدرين، لكي لا يكونوا «أقل» من غيرهم! كما اصبح العزاء في الكثير من الدول يشكل كابوسا بسبب ما يترتب عليه من مصاريف لم تكن تعرفها مجتمعات عربية عدة! ومن الأمور التي لا يعرفها غالبيتنا، والتي تجعلنا أكثر جهلا بأوضاعنا و«مكانتنا» هو أن عدد الذين يعانون زيادة الوزن في العالم يبلغ مليارا و600 مليون شخص، ولكن العالم سجل في الوقت نفسه وفاة أكثر من 26 ألف إنسان هذا العام فقط نتيجة الجوع. ويبلغ عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على ماء صحي للشرب ما يقارب المليارين، ومع هذا فإن حنفيات المياه في بيوتنا ومزارعنا ودور عبادتنا لا تتوقف عن الهدر ليل نهار! وبالرغم من أن الوفيات نتيجة حوادث السيارات تقارب في هذا العام المليون، وهو رقم مخيف لا يقارن بوفيات حوادث الطائرات مثلا، إلا أن الكثيرين لا يودون تصديق ان الطائرة أكثر وسائل السفر أمانا. ولو نظرنا لعدد من توفي نتيجة أمراض السرطان والتدخين، والذي يبلغ 9 ملايين حالة، وقارنا بعدد وفيات مدمني الكحول البالغ مليونا ونصف المليون فقط، لهالنا أن نعرف بأن ما يصرف على «محاربة» ومكافحة الكحول أكثر مما يصرف على «مكافحة» التدخين والوقاية من السرطان!
أحمد الصراف
[email protected]