وصلت بعثة الإرسالية الأميركية، التبشيرية، إلى الكويت عام 1911، وكان على رأسها القس كالفرلي. وبعدها بعام التحقت به زوجته، الدكتورة اليانور، حيث عاشا في الكويت قرابة 20 عاماً، مارست خلالها اليانور دورها كطبيبة نسائية في مستشفى الارسالية، ونجحت في تخفيف آلام آلاف النساء، وإنقاذ حياة الكثيرات غيرهن، وربما تكون اليانور أول طبيبة ممارسة في تاريخ الجزيرة العربية.
عادت أسرة كالفرلي لوطنها عام 1932، حيث دفعت اليانور كتاباً عن تجربتها كطبيبة في الكويت القديمة، وقد أوردت الصديقة رباب خاجة مقطعا منه على موقعها الإلكتروني، تعلق بما أوردته اليانور عن أحد احتفالاتهم في الكويت بعيد الكريسماس، وما كانت تضفيه المناسبة من سعادة على أسرتها الصغيرة، خاصة عندما يأتي الأصدقاء محملين بالهدايا لوضعها تحت شجرة الميلاد. وتصف، بشكل مسهب، وصول حاكم الكويت وقتها، الشيخ أحمد الجابر، والد سمو الأمير الحالي، بسيارته الليموزين إلى مكان الاحتفال مع حرسه، وتصف ما كان يرتديه من ملابس قشيبة تليق بمقامه وبالمناسبة، وكيف استقبلوا سموه بحفاوة بالغة، وما غمرهم به من فيض محبته عندما قدم لهم التهنئة بالعيد قائلا، وسط دهشة الجميع، «ميري كريسماس»!
وتصف كيف عبق المكان برائحة الطيب الذي جلبه الشيخ الكبير معه، وكيف اجتمعوا حول شجرة الميلاد بأضوائها الجميلة، ليستمعوا لأغاني العيد المجيد، وكيف انتهت المراسم الدينية البسيطة بعدها، من دون أن يشعر الضيوف غير المسلمين، بأنهم خالفوا عقيدتهم بحضوره المناسبة، فهم يؤمنون بمعجزة ميلاد المسيح من أمه مريم العذراء. ثم تستطرد اليانور في وصف الطريقة التي قدمت فيها إحدى بناتها هدية لضيف الشرف الكبير، سمو الشيخ أحمد، التي كانت عبارة عن علبه من «حلو التين»، وكيف ان سموه وضع يده في جيبه وأخرج علبة قدمها لها، وكيف حبس الجميع أنفاسهم أثناء قيام الفتاة بفتح العلبة لمعرفة ما قدمه الشيخ لها، وتبين أن العلبة احتوت على مائة من حبات اللؤلؤ الثمينة!
***
بعد هذه الحادثة الجميلة بنصف قرن، وإثر خلاف واختلاف على أمور هامشية، قامت وزارة الداخلية بالطلب من فنادق الكويت كافة ضرورة حصولها على موافقتها وموافقة وزارة الإعلام في حال رغبتهم الاتفاق مع أي كان لإقامة حفل غنائي أو حتى لعزف بيانو لساعة في ردهة الفندق. وحددت صلاحية التصريحين بشهر واحد فقط، مما يعني أن على الفندق المعني مراجعة الجهتين 24 مرة في العام، لتنفيذ عقد عازف واحد، وهكذا مع غيره وغيره! ولهذا يندر أن نجد من يقوم بالعزف على اية آلة في اي من ردهات فنادق الكويت! الطريف، أو الخبيث، في الموضوع أن ذلك الترخيص الشهري السخيف يصبح شيئا آخر في شهر ديسمبر، حيث ينتهي مفعوله في الــ23 منه، ولا يجدد إلا اليوم الثاني من السنة الجديدة، وسبب ذلك معروف، وهو نكاية بالمسيحيين بحرمانهم من سماع نغمة موسيقية واحدة في أي صالة خلال فترتي الكريسماس ورأس السنة!
فهل هناك يا معالي وزيري الداخلية والإعلام لؤم وخبث أكثر من ذلك؟ أوَلا يحتاج الأمر لالتفاتة كريمة منكما، وإلغاء هذا القرار، الذي لا يعرف أحد متى وكيف صدر، والمسيء جدا لسمعتنا، كدولة وكمواطنين؟
أحمد الصراف