كان الله في عون اللواء عبدالفتاح العلي، المسؤول الأول عن المرور في الكويت، الذي استيقظ فجأة فوجد نفسه "جمال عبدالناصر الكويت"، منقذ الأمة ومخلّصها ورمز شموخها وكبريائها، فملأ الدنيا ضجيجاً وصخباً، وأتعب الأكتاف التي تحمله، وألهب الحناجر بصيحات الإعجاب، وأنهك الأذرع المرفوعة انبهاراً بحضوره وكاريزماه، ووو، وعندما جاء الاختبار الحقيقي في عام 1967 تبين أنه "نكسة" وفي أهون الأحوال "نكبة".
وكانت الكويت، وما زالت، تغرق في قيعان محيطات الفساد، وكان الناس، وما زالوا، يتذمرون و"يتحلطمون" ويبكون على حال البلد، فجاءت السلطة بضابط برتبة لواء، وسخّرت له وسائل إعلامها، وراحت تعظّم صورته، وتلمّعها، وتزركشها، فأصبح "ليونيل ميسي" الذي سيسجل هدف الفوز بعد قليل، ويمنحنا كأس العالم، وصار "مهند" في أعين البنات الرومانسيات، الذي سيأتي بعد قليل بشعره الذي تلاعبه نسمات الهواء، وعيونه الخضراء، ليحتضن معشوقته على ضوء الشموع، وصار "لميس" في أعين الشباب الحالمين… ولمّعوه ولمعوه ولمعوه حتى أصبح "صرحاً من خيالٍ".
هي، لا شك، فكرة ذكية من السلطة، بعد أن أدركت أن الناس كفرت بأدائها وبكفاءات مسؤوليها فـ"صنعت" لهم عبدالفتاح العلي، فكان هو "القشة التي ظن الغريق أنها ستنقذه"، لكن القشة سرعان ما احترقت، وما أسرع احتراق القش.
هو صدّق نفسه، وهو رجل محدود الإمكانيات كما اتضح من نهجه ومن أحاديثه، وما أكثرها، إذ توهم أنه بمفرده، ومن دون دراسات ولا خطط واضحة المعالم، ومن دون برنامج حكومي متكامل للقضاء على الزحمة الخانقة في شوارعنا، سيقضي على الزحمة المزمنة بطريقة "عصا الساحر" فسلّم نفسه للإعلام بكل سعادة وبراءة! لكنه ويا للحزن انطبقت عليه مقولة أحد الأصدقاء: "دوي انفجار بالونة عبدالفتاح العلي الوهمية سيصم الآذان"، وهذا ما حدث، مع انطلاقة العام الدراسي وعودة الناس من المصيف في الدول السياحية.
لا تقتلوا عبدالفتاح، ولا تبنوا له نصباً تذكارياً، فقط رشوا وجهه بالماء ليستيقظ من حلمه، واطلبوا له فنجان نسكافيه ورحبوا به في "الأمر الواقع"، ليعرف أن حدود إمكانياته، والإمكانيات المحيطة به، لا تتجاوز "الحد من المشفّطين"، وهذا إنجاز يليق بحكومات الكويت المتعاقبة… والأهم قبل ذلك أن يدرك الشعب الغريق أن القشة لا تنقذ من الغرق.
وفي انتظار عبدالفتاح علي آخر، تعالوا نسلي أنفسنا بالبكاء ونحن نتفرج على تطور الدول وتنافسها وتسابقها.