ارتدى عدد من دعاة الجنون بدلة الجنرال جوزيف "هوكر" الأميركي، ودعوا بنات المسلمين إلى الذهاب إلى سورية والمساهمة بمعارك النضال ضد النظام السوري بسلاح الجنس تحت مسمى جهاد النكاح.
مفردة "هوكر" تعني مومس بالإنكليزية، وارتبطت تلك التسمية بالمومسات اللواتي كن يتبعن جنود الجنرال "هوكر" في معسكر الزهور في الحرب الأهلية الأميركية، ورغم أن مفردة "هوكر" سبقت الجنرال فإنها أضحت منذ بداية تاريخ تلك الحرب الأهلية، كما جاء في موسوعة ويكيبيديا مرادفة لبائعات الهوى.
كان للمومسات ظروفهن الاقتصادية التي قد تكون فرضت عليهن ممارسة مهنة البغاء في تلك الأيام كحاجاتهن لمعيل بعد أن ترك أزواجهن العمل وانخرطوا في الحرب، وانتشرت في الحرب أمراض الزهري والسيلان بين الجنود، ووصلت إلى أكثر من ثلاثة وسبعين ألف حالة زهري، وحوالي مئة ألف حالة "سيلان" في مدن مثل ناشفيل وتنسي ونيواورلينز.
بعد مضي أكثر من مئة عام، ينبت لنا كالحنظل في صحارى الجفاف العربية شيخ دين أو داعية يفتي بالمساهمة في المجهود الحربي من خلال جسد الأنثى، وكأن المقاتلين الجهاديين لا يقاتلون بالأسلحة النارية التي يحتاجون إليها فقط، وإنما هم، أيضاً، بحاجة إلى ذخيرة جنسية تملأ سلاحهم الرجولي كي يكملوا مشوار النضال.
تونس دفعت هذا الثمن، وكشفت وزارة الداخلية التونسية عن عدد من الفتيات التونسيات اللواتي رجعن من أرض الجحيم في سورية وهن حوامل، وذكرت فتاة لم يتجاوز عمرها 19 ربيعاً أنه قد تناوب عليها في أحد المعسكرات مقاتلون من الصومال واليمن وباكستان والسعودية وليبيا وغيرها من دول أمة لا إله إلا الله، المنكوبة في فكرها وثقافتها. عادت الضحية إلى وطنها تحمل طفلاً في بطنها وجرثومة الإيدز في دمها ودم جنينها، كان هذا ما جاء في صحيفة "شروق" ونقلته صحيفة الراي الكويتية.
الدولة التونسية التي أطلقت شرارة الربيع العربي، والتي لم يتهاو نظامها الجديد من محاولات الثورة المضادة كما حدث في مصر، وتحارب السلفية المتزمتة التي تريد جر الدولة إلى كهوفها المغلقة تحدث وزير داخليتها بوضوح عن هذه المأساة، ونبه لهذه الكارثة الإنسانية حين أحيت فتاوى التخلف الإجرامية حكايات السبي والتسري رغم أن التونسيات المغرر بهن لسن سبايا ولا جواري، لكنهن بالتأكيد "سبايا" العقل الإجرامي المغلق لمن أصدر فتوى الجهاد الجنسي.
معظم قوانين العالم تجرم أعمال السمسرة تحت مسمى "التحريض على الفجور والدعارة"، ودولنا ليست استثناء، لكن حين تلبس مثل تلك الجريمة الجبة الدينية كذباً وزوراً فهل يعني هذا أن تشل يد القانون، وتسكت الأنظمة الداعمة للمقاتلين عنها، كما هي ساكتة اليوم عن تجاوزات كبيرة لعدد من العصابات الدينية التي ترتكب خروقات خطيرة ضد المدنيين وحقوق الإنسان في الأراضي التي يستولون عليها، هي تلك العصابات "الزرقاوية" (نسبة للزرقاوي بطل جرائم الذبح في العراق) التي أقحمت نفسها في حرب سورية، لا من أجل تحرير تلك الدولة من نظامها القمعي، وإنما من أجل دولة الخلافة كما تزعم تلك العصابات، والتي أضرت المقاومة السورية أكثر بكثير مما صنعه نظام بشار، وكانت سبباً لتردد الدول الغربية في دعم المقاومة أو ضرب نظام بشار.
لا يظهر أن جهاد النكاح أصبح ظاهرة كارثية. الظاهرة المحزنة الآن، تتمثل في تشرد نساء سورية وأطفالها، وتقديم صغيرات سورية للبيع في سوق نخاسة شرعي، تتم به عقود زواج مهينة من كهول بني نفط، حين تستغل حاجات المهاجرين للحياة الكريمة فيتم عرض بنات المخيمات في الأردن بأسواق الجواري للباحثين عن عمل الخير عبر الأجساد الغضة الطرية. والظاهرة الكارثية الأكبر منها، هو المناخ الفكري السائد الذي أنتج لنا فتاوى السمسرة المرتدية للباس الديني، ورافقها صمت الكثيرين.