المطالب السياسية ليست حقوقا ثابتة ومطلقة- ما نطلبه اليوم قد يكون مطلبا ساذجا بعد عدة أشهر أو ربما يتحول إلى مستحيل
بدأ الحراك بمطلب عودة الأصوات الـ 4 للناخب الكويتي ومن ثم ازدادت الحشود الجماهيرية لتزداد معها المطالب – لتقفز الحكومة المنتخبة والأحزاب إلى سلم الأولويات الشعبية.
كذلك كان تعامل السلطة، حيث تحول من الاستجابة السريعة مع الحراك ومطالبه، عندما أرادوا رحيل رئيس مجلس الوزراء السابق، إلى التعامل بحزم مع الحراك وفق الشعار الذي رفعه الحراك نفسه «اما نكون أو لا نكون»، ونجحت السلطة في تثبيت آليات العمل السياسي المعمول بها بكل الوسائل المتاحة قانونيا عن طريق اللجوء إلى المحكمة الدستورية وكذلك سياسيا وإعلاميا بحيث أصبح من شبه المستحيل العودة مرة أخرى إلى المطالب الإصلاحية الكبرى أوعلى الأقل في المستقبل المنظور.
يؤكد علماء علم النفس الاجتماعي بما لايدع مجالا للشك أن (سيكولوجية الجماعة ليست بالضرورة هي محصلة لمجموع نفسيات أفرادها) – بمعنى أن الحشود الجماهيرية الكبيرة ربما تتبنى سلوكا وإدراكا موحدا لا يمثل رأي قادتها ولا أفرادها لو أخذنا كل فرد على حدة.
والواقع الكويتي خير دليل على ذلك – فبعد أن هدأت النفوس وانقشع غبار الحراك، تبين أن شعارات الحراك السياسي وبالرغم من كونها مطالب مقبولة من الشارع الكويتي، إلا أنها ولدت انقساما حولها بين صفوف الحراك، فهناك من يرى أنها ضرورية، وآخرون وبالرغم من إيمانهم بها إلا أنهم لا يريدون المغامرة بأوضاعنا المعيشية والسياسية من أجلها.
وفي نهاية الأمر، يبدو أن كلا الفريقين في الحراك، انتهوا للعودة إلى السلوك العقلاني والتدرج بالمطالب والاقتناع بما يتوافر من آليات للعمل السياسي.
ربما نجحت الحشود الجماهيرية وما صاحبها من حماس في أن تفرض ولبعض الوقت مطالب سياسية طموحة جدا وخيالية أيضا، وربما نجحت في استثارة النواب السابقين، كما يفعل جمهور كرة القدم للاعبين أو كما يحلو لجماهير الطرب أن يفعلوا مع مطربهم المفضل
ومن المؤكد أن النواب السابقين قد ثملوا من شدة التشجيع الجماهيري والحماسي لهم – لدرجة أنهم رفعوا سقف المطالب والخطاب عاليا، أما الآن وبعد أن استفاقوا من أثار «حفلة الحراك» وبعد أن انفضت الجماهير من حولهم، يجب أن يعودوا إلى مجاراة الواقع السياسي وان لم يعجبهم.