وصفت الأديبة السورية غادة السمان حب حبيبها بـ"الطرق القروية في العالم الثالث نصفها مسدود، والنصف الآخر يقودنا للهاوية"، فهل مصير سورية الجريحة اليوم أصبح كوصف ابنتها غادة لحب حبيبها، فلا حلول معقولة يمكن تصورها، فهي إما أن تكون مسدودة أو تقود سورية وربما معها الشرق العربي إلى الهاوية؟
للصراع في سورية أكثر من وجه، فهو صراع من أجل الديمقراطية والحرية حين ابتدأ بتظاهرات سلمية واجهها بشار بالعنف وإرهاب الدولة، ليتحول إلى صراع طائفي بين السنة والعلوية، وحُشِرت الأقليات المسيحية فيه كقرابين مفضلة لتحرير أرض الخلافة القادمة، وليس هذا بجديد، فلنا سوابق قريبة قبيحة في الحرب الأهلية العراقية، وفي الوقت ذاته، وبهذا الوجه القبيح، أضحت معارك الطائفية دوامة عاصفة رهيبة تمتص قوى التطرف والإرهاب من بلاد السنة وبلاد الشيعة لجوفها المظلم، وهي حرب دولية بالوكالة تقف دول الخليج مع أهل السنة من ناحية، وإيران مع النظام العلوي الحاكم من ناحية أخرى، وهناك الدول الكبرى التي وقفت متفرجة في البداية، ثم أخيراً تحركت بقيادة الولايات المتحدة إلى جانب "الثوار" بتحفظ، فالثوار المستبسلون في القتال والأكثر كفاءة هم رفاق "القاعدة"، بينما وقفت روسيا كمساند للنظام، ولكل من الدولتين الكبيرتين أسبابها الخاصة التي تنطلق من أرضية المصالح.
معروف أن هناك أكثر من مئة ألف قتيل لهذه الحرب، وأكثر من مليوني لاجئ في الخارج، وأربعة ملايين مهجر في الداخل، وأضحت أجمل البلدان العربية تاريخياً أبشع مكان اليوم لمشاهد قطع الرؤوس ونهش الأكباد والقتل والتعذيب بالجملة وعلى الهوية، فماذا ستصنع "الضربة الجراحية الأميركية shot across tbe bows للخبيصة الدموية السورية؟! مؤكد أنها ليست إلا درساً لبشار لجريمة استعماله الكيماوي ضد العزل والأبرياء من أبناء شعبه، وهي، أيضاً، تأكيد لهيبة الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة، تلك الهيبة أو الرهبة التي تآكلت كثيراً في عهد أوباما، وهي ضمان لمخاوف إسرائيل من وقوع الكيماوي بأيدي رفاق "القاعدة"، وفي آخر الأمر هي مساندة لدول الخليج السنية المحافظة التي تدور حول المحور الأميركي وتابعيه، وفي أحسن الأحوال، مراهنة الولايات المتحدة على أن الضربة ستجبر النظام السوري للجلوس على طاولة المفاوضات السلمية، مع أن النظام الدموي السوري أعلن استعداده، منذ زمن، للذهاب إلى جنيف إلا أن المعارضة السورية المتفتتة لم تتفق على شروط التفاوض… أين الحل في النهاية؟… وبعد الضربة القادمة!
كثرت وصفات الحلول من الغرب والشرق، ويظهر أن أقربها للمعقول قد يكون أصعبها على القبول، ويزيد من صعوبة الحل أنه لا يوجد "رأس" أو جبهة واحدة للمعارضة السورية، وهنا تظهر رزانة منطق مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد كارتر "زبينو برجينسكي" بالدعوة إلى مؤتمر عام يضم كل أطراف الصراع في الداخل والخارج السوري، من بينها إيران ودول الخليج… ولن يكون من المستبعد في ذلك المؤتمر تقسيم سورية "قانوناً" كما هي "واقعاً" مقسمة، حالها كحال شقيقها العراق، أرض السواد والسيارات المفخخة القاتلة.
ختاماً لِنقُل إن الفتنة الكبرى لم تنتهِ بمعركة الجمل ولا بصفين ولا بمجزرة كربلاء، بل مازالت مستمرة منذ ذلك التاريخ وتنبض بالحياة في سورية والعراق ولبنان، وهي مرشحة للتجسد في جل أقطارنا العربية والإسلامية مادامت الرؤوس البشرية ظلت تحمل فكراً دينياً متطرفاً متخلفاً وأنظمة حكم طاغية تستمد قوتها وديمومتها من واقع التخلف الثقافي والتطرف الديني.