أشقاؤنا السوريون وجيراننا الإيرانيون هددوا، بصريح العبارة وصحيح الإشارة، دول الخليج في حال تعرض بشار الأسد لضربة دولية… وأنا أموت وأعرف ما الذي دار في اجتماع حكومتنا حول "استعدادات الكويت لضرب سورية"، أموت وأعرف فحوى الحديث الذي دار بين الوزراء، وهل دار حديث فعلاً أم أن "الحر تكفيه الإشارة"؟
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الصحة عن استعدادات وزارته، وعن "مخزون الدم" في بنك الدم، وعن "العزل الكيميائي" في المستشفيات والملاجئ، وعن السعة الاستيعابية الاحتياطية للمستشفيات، وعن "الأطقم الطبية" من الأطباء والممرضين الموضوعين على لائحة الاستدعاء الفوري من الخارج في اللحظات الحرجة، وعن "الأدوية والمعقمات والمستلزمات الطبية" المحفوظة للاستخدام على وجه السرعة في مثل هذه الحالات…
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الداخلية عن أساليب تدريب الضباط وضباط الصف والأفراد على التعامل مع الناس في الأزمات والكوارث، وما هو نوع التدريب، وهل يعرف هؤلاء العساكر كيفية حماية الملاجئ والسيطرة عليها؟ أو هل يعرف هؤلاء العساكر من الأساس أماكن الملاجئ؟ وهل تحدث الوزراء مع زميلهم وزير المواصلات عن "خطة الربط الداخلي والخارجي" وعن الخطوط الساخنة، وعن استعدادات الطيران المدني، ووو…
أموت وأعرف هل أطلع وزير الدفاع زملاءه الوزراء على خطة تأمين المنشآت النفطية ومحطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء ببطاريات الصواريخ، وأماكن توزيع هذه البطاريات، ووو… وهل أطلع وزير التربية زملاءه على خطة تحويل المدارس إلى ملاجئ، وأماكن تخزين وتوزيع احتياجات الملاجئ، وهل تم تدريب التلاميذ الصغار على مثل هذه الأوضاع، وعن خطة التنسيق مع وزارتي الداخلية والصحة، ووو…
أموت وأعرف نوع الحوار الذي دار على حل شعره بين الوزراء أثناء حديثهم عن الاستعدادات للطوارئ والأزمات والكوارث، وإذا كان النائب رياض العدساني يقول: "الحكومة غير جاهزة"، فأنا أقول: "الحكومة غير جاهزة وغير جادة وغير قادرة أساساً على إدارة البلد في مثل تلك الظروف القاسية"، واسألوا الناس عن الكهرباء، لا في حالة السلم فقط، بل في حالة الرفاه والفوائض المالية.
الجميل في الموضوع أن الناس تعرف أن الحكومة غير صادقة في جاهزيتها، والحكومة تعلم أن الناس يعلمون أنها غير صادقة، ومفيش مشاكل.
الأمر الوحيد الذي لست على استعداد للموت في سبيل معرفته، هو: كيف سيتم صرف الأربعمئة مليون دينار التي خصصت للأزمة، فهذه نعرفها كلنا ونحفظها ونسمّعها عن ظهر غيب.
اليوم: 8 سبتمبر، 2013
الفتنة الكبرى لم تنته
وصفت الأديبة السورية غادة السمان حب حبيبها بـ"الطرق القروية في العالم الثالث نصفها مسدود، والنصف الآخر يقودنا للهاوية"، فهل مصير سورية الجريحة اليوم أصبح كوصف ابنتها غادة لحب حبيبها، فلا حلول معقولة يمكن تصورها، فهي إما أن تكون مسدودة أو تقود سورية وربما معها الشرق العربي إلى الهاوية؟
للصراع في سورية أكثر من وجه، فهو صراع من أجل الديمقراطية والحرية حين ابتدأ بتظاهرات سلمية واجهها بشار بالعنف وإرهاب الدولة، ليتحول إلى صراع طائفي بين السنة والعلوية، وحُشِرت الأقليات المسيحية فيه كقرابين مفضلة لتحرير أرض الخلافة القادمة، وليس هذا بجديد، فلنا سوابق قريبة قبيحة في الحرب الأهلية العراقية، وفي الوقت ذاته، وبهذا الوجه القبيح، أضحت معارك الطائفية دوامة عاصفة رهيبة تمتص قوى التطرف والإرهاب من بلاد السنة وبلاد الشيعة لجوفها المظلم، وهي حرب دولية بالوكالة تقف دول الخليج مع أهل السنة من ناحية، وإيران مع النظام العلوي الحاكم من ناحية أخرى، وهناك الدول الكبرى التي وقفت متفرجة في البداية، ثم أخيراً تحركت بقيادة الولايات المتحدة إلى جانب "الثوار" بتحفظ، فالثوار المستبسلون في القتال والأكثر كفاءة هم رفاق "القاعدة"، بينما وقفت روسيا كمساند للنظام، ولكل من الدولتين الكبيرتين أسبابها الخاصة التي تنطلق من أرضية المصالح.
معروف أن هناك أكثر من مئة ألف قتيل لهذه الحرب، وأكثر من مليوني لاجئ في الخارج، وأربعة ملايين مهجر في الداخل، وأضحت أجمل البلدان العربية تاريخياً أبشع مكان اليوم لمشاهد قطع الرؤوس ونهش الأكباد والقتل والتعذيب بالجملة وعلى الهوية، فماذا ستصنع "الضربة الجراحية الأميركية shot across tbe bows للخبيصة الدموية السورية؟! مؤكد أنها ليست إلا درساً لبشار لجريمة استعماله الكيماوي ضد العزل والأبرياء من أبناء شعبه، وهي، أيضاً، تأكيد لهيبة الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة، تلك الهيبة أو الرهبة التي تآكلت كثيراً في عهد أوباما، وهي ضمان لمخاوف إسرائيل من وقوع الكيماوي بأيدي رفاق "القاعدة"، وفي آخر الأمر هي مساندة لدول الخليج السنية المحافظة التي تدور حول المحور الأميركي وتابعيه، وفي أحسن الأحوال، مراهنة الولايات المتحدة على أن الضربة ستجبر النظام السوري للجلوس على طاولة المفاوضات السلمية، مع أن النظام الدموي السوري أعلن استعداده، منذ زمن، للذهاب إلى جنيف إلا أن المعارضة السورية المتفتتة لم تتفق على شروط التفاوض… أين الحل في النهاية؟… وبعد الضربة القادمة!
كثرت وصفات الحلول من الغرب والشرق، ويظهر أن أقربها للمعقول قد يكون أصعبها على القبول، ويزيد من صعوبة الحل أنه لا يوجد "رأس" أو جبهة واحدة للمعارضة السورية، وهنا تظهر رزانة منطق مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد كارتر "زبينو برجينسكي" بالدعوة إلى مؤتمر عام يضم كل أطراف الصراع في الداخل والخارج السوري، من بينها إيران ودول الخليج… ولن يكون من المستبعد في ذلك المؤتمر تقسيم سورية "قانوناً" كما هي "واقعاً" مقسمة، حالها كحال شقيقها العراق، أرض السواد والسيارات المفخخة القاتلة.
ختاماً لِنقُل إن الفتنة الكبرى لم تنتهِ بمعركة الجمل ولا بصفين ولا بمجزرة كربلاء، بل مازالت مستمرة منذ ذلك التاريخ وتنبض بالحياة في سورية والعراق ولبنان، وهي مرشحة للتجسد في جل أقطارنا العربية والإسلامية مادامت الرؤوس البشرية ظلت تحمل فكراً دينياً متطرفاً متخلفاً وأنظمة حكم طاغية تستمد قوتها وديمومتها من واقع التخلف الثقافي والتطرف الديني.
معذرة يا معلولا
معلولا مدينة سورية تقع على بعد 50 كلم من دمشق، ومرتفعة 1500 متر عن سطح البحر، واسمها بالسريانية، التي لا يزال أهاليها يتحدثون بها، يعني «المكان العالي»، وتكثر فيها معالم مسيحية مقدسة وقديمة مهمة يعود تاريخها لأكثر من الف عام، وغيرها لأكثر من ثلاثة آلاف. كما أن مسيحيي ومسلمي المدينة ما زالوا يتكلمون الآرامية، السريانية، التي يُعتقد أنها اللغة التي تحدث بها المسيح، عليه السلام. وتنفرد معلولا بمعالمها التاريخية، وأهمها الاديرة والكنائس والممرات الصخرية وآثار مسيحية قديمة، منها كنيسة بيزنطية قديمة وأضرحة منحوتة في الصخر في قلب الجبل، كما يوجد فيها دير مار تقلا البطريركي. كما تتميز بيوت البلدة بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتصبح سطوح المنازل اروقة ومعابر لما فوقها من بيوت مشكّلة طابعا متميزا. يضم دير مار تقلا رفات القديسة تقلا ابنة أحد الامراء السلوقيين وتلميذة القديس بولس. وتعيش اليوم في الدير رهبنة نسائية ترعى شؤونه وتعتني به وبزائريه الذين يأتون إليه من كل صوب ومن أنحاء العالم كافة للتبرك وللزيارة. وإذا أمعن الزائر النظر من سطح الدير إلى الصخور المحيطة شاهد القلالي (اي غرف الانفراد المحفورة في الصخر) التي كانت خلوات للرهبان الذين ينصرفون إلى الصلاة والتأمل والتقشف والزهد، مما يدل على أن معلولا كانت مدينة رهبانية مقدسة ترتفع منها الصلوات والتضرعات ليلاً نهارا.
هذه هي معلولا، واحدة من أقدم مدن العالم واكثرها سلاما وبعدا عن امراض المدنية وشرورها، والتي عاش أهلوها، المنتمون لمختلف الأديان والطوائف، في سلام على مر العصور، ثم جاء المرضى النفسيون من جراد الصحوة والنصرة المسلحين حتى اسنانهم، جاؤوا بقنابلهم ومتفجراتهم ورشاشاتهم وكل ما بقلوبهم من حقد، واحتلوها وأهانوا حرماتها، في عمل وحشي لا يمكن تبريره بأي حال، فهذه البلدة لم تعتد على أحد، وليست قاعدة عسكرية ولا معقلا علويا ولا منصة إطلاق صواريخ، وكل ذنبها انها مسالمة وغير مسلحة وغالبية سكانها من المسيحيين! وهذه تهمة، بنظر من اعتدى عليهم، يستحق صاحبها عليها القتل!
نعم ما جرى في معلولا، التي أهدت العالم رياضيين مميزين وكتابا وادباء ورجال أعمال وإداريين كبارا، أمر لا يمكن تبريره، وإن كان بالإمكان فهم دوافعه الحقيرة، فسيدة المدن بأقدميتها ستستمر وستغفر لكتائب الشواذ ما اقترفوه بحقها من غير سبب ولا جرم اقترفته! فما جرى بها يصب في مسلسل «التطهير» الديني، ومحاولة تهجير مسيحيي سوريا والعراق ومصر ولبنان وغيرها، وحرماننا من ملح ارضنا، ليخلو الجو لشذاذ الآفاق من متخلفي الحركات الدينية المتطرفة، ليطعمونا الذل والتخلف، على طريقتهم!
* * *
• ملاحظة: خسر الطب الجراحي، مؤقتاً، الاستشاري يوسف العوضي، وربحته إدارة العلاج في الخارج، مديراً جديداً ونزيهاً، نتمنى للدكتور العوضي التوفيق في عمله الجديد.. والصعب!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
<
حصاد السنين .. أخطاء الرئيس مرسي
طوال شهرين وأنا استمع إلى حجج المؤيدين لإسقاط الرئيس المصري محمد مرسي بالقوة الغاشمة عن طريق الانقلاب العسكري واستطعت ان احصرها في التالي:
– أخونة الدولة: ويقصدون ان الرئيس مرسي عيّن الاخوان المسلمين في معظم المناصب القيادية للدولة المصرية وتجاهل بقية فئات المجتمع المصري.
– الانفتاح على ايران، مما فتح المجال للتشيع في المجتمع المصري.
– التآمر مع حركة حماس لاضعاف مقدرات الشعب المصري وامكاناته.
هذه أهم الاخطاء التي يراها خصوم مرسي سبباً كافياً للعمل على اسقاطه، وقد بحثت في موضوع الاخونة، فوجدت العجب العجاب، واكتشفت حجم الافتراء على الرئيس، حيث تبين لي ما يلي: رئيس الوزراء قنديل لم يكن منتمياً إلى الاخوان المسلمين في يوم من الايام، اما اول حكومة تتشكل فكانت تحوي عدداً كبيراً من القوى السياسية المختلفة ولم تتجاوز حصة الاخوان اكثر من ثلاثة وزراء! اما الحكومة الثانية فقد تم استدعاء جبهة الانقاذ للمشاركة لكنها رفضت مع ان المنصب المقترح لها كان نائب رئيس الوزراء. والدليل على ان الاخونة لم تكن موجودة في الحكومة ان وزارات السيادة الاربع (الخارجية والداخلية والدفاع والاعلام) لم يوزر فيها أي من الاخوان، حيث ان وزراءها هم اول من انقلبوا على الرئيس مرسي!
– تم تعيين سبعة عشر محافظا في عهد مرسي منهم ثلاثة فقط من حزب الرئيس والبقية من الكفاءات المدنية المستقلة او المنتمية الى احزاب سياسية اخرى.
– اختار مجلس الشورى «المنتخب» اربعة عشر رئيسا للصحف وبعض المؤسسات الاعلامية ولم يكن فيهم أي من الاخوان عدا واحد فقط. والدليل ان هذه الصحف، وبالذات الاهرام والاخبار والجمهورية، كانت تمتلئ يوميا بالمقالات التي تعارض الاخوان وتنتقد الرئيس!
– عندما اختار مجلس الشعب المنتخب لجنة لصياغة الدستور ثارت ثائرة المعارضين وطالبوا بتغييرها وفعلا تم تغييرها واعادة تشكيلها بحيث أصبح الاخوان أقلية فيها!
وللعلم، في كل الدول الديموقراطية الرئيس الفائز بالانتخابات يختار الفريق الذي يدير العمل الحكومي من حزبه نفسه حتى يتحقق الانسجام بين الرئاسة والحكومة، ويتمكن الاثنان من تحقيق البرنامج الذي في ضوئه تم اختيار هذا الرئيس من الشعب، ومع هذا حرص مرسي على ان يكون رئيساً لكل المصريين ويضرب مثالا لمن بعده غير ان خصومه لم يمهلوه فثاروا عليه في الشهر الثاني من ولايته، وساعدهم الاعلام، الذي رفض مرسي أخونته، فكان السهم الذي أصابه في مقتل! لذلك اعتقد ان اكبر أخطاء مرسي أنه لم يُؤَخون وزارات السيادة، وحرص على مثالية لا تصلح لمجتمع كان محكوما بالدكتاتورية والبطش عقوداً طويلة.
اما موضوع الانفتاح على ايران وتسهيل حركة التشيع داخل المجتمع المصري فهذا مردود عليه بموقف الرئيس في طهران وهو موقف عجز عن مثله زعماء العرب والمسلمين. والدليل على غضب ايران من مرسي وسياسته هو موقف علماء الشيعة وايران من الانقلاب الدموي عليه! أما دعمه لـ «حماس» فقد اتضح الآن ان الانقلابيين ضد حكومة حماس في غزة بل ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، والدليل انهم هدموا كل الانفاق التي كان يتنفس منها اهل غزة المحاصرة من كل جانب، وشاهدنا كيف تحولت الحياة في غزة اليوم الى جحيم وسجن كبير لمليون فلسطيني!
ختاما، ستثبت الايام حقيقة الانقلابيين، وستتكشف اهدافهم للناس، وسيبدأ شباب الثورة بالتبرؤ منهم لكن بعد فوات الوقت، ما لم يسقط الانقلاب بثورة شعبية مضادة بدأنا نشاهد بوادرها الجمعة الماضي عندما تحركت التظاهرات في ستمائة موقع في عموم الجمهورية.
***
• انا افهم لماذا يكذب اعلام الانقلاب ويضلل الناس ويعطي صورة مخالفة للواقع، لكن الذي لا افهمه ان يمارس هذا الدور مراسل تلفزيون الكويت يوم الجمعة الماضي في اخبار منتصف الليل عندما يخرج علينا ويقول ان الشوارع اليوم هادئة! وكلنا شاهدنا بأم أعيننا الآلاف يتحركون في كل شارع وقرية ومدينة؟!
***
• شكر خاص للاخ وزير الدفاع على قراره الانساني لحل مشكلة المسرحين، وما هي غريبة على بومحمد هذه المبادرات والتي نتوقع منها المزيد لدعم امن البلد واستقراره.