استكمالاً للمقالة السابقة التي قلت فيها إنني سأضع علامة أو علامات على ظهور وعاظ السلاطين ليسهل كشفهم، ها هي بعض العلامات…
– لو قتل الحاكم جزءاً من شعبه، أو قام بسجن مجاميع من رجال شعبه، وامتهن كرامات نسائهم، ويتّم أطفالهم، وفي الوقت نفسه جاءت مغنية إلى البلد الذي هم فيه، فإن وعاظ السلاطين سيتحدثون لياليَ طوالاً عن المغنية والفساد الذي ستجلبه، وسيتباكون على الفضيلة والأخلاق التي ستُهدم بسبب هذه المغنية، في حين لن ينبسوا ببنت شفة، ولا ابن شفة، عن الأسر التي ظلمها الحاكم وجلاوزته، وكأن هذا الأمر لا علاقة له بالفضيلة ولا الأخلاق! وإذا تحدثوا عن هؤلاء المظلومين فباعتبارهم خارجين عن الدين (خوارج)، مزعزعي أمن، يتصفون بصفات الغرب واليهود، وجبت عقوبتهم ووجب تعزيرهم.
– وعاظ السلاطين، في مجملهم، يحملون من العنصرية ما يُخجل جويهل وأمثاله. وبنظرة سريعة على المناصب الدينية وأسماء شاغليها في بعض البلدان يكتشف المراقب ذلك بسهولة.
– وعاظ السلاطين لهم تلاميذ ومريدون، جلهم من حسني النوايا، وبعضهم من الطامعين في المناصب، وعادة ما يكون هؤلاء التلاميذ والمريدون سليطي الألسنة، شتامين ببذاءة، أول ما يبدأون به إخراجك عن الملة، ثم يتدرجون إلى الأسفل، ويتكرمون عليك بأوصاف كالديوث والعاهر والطامع في السلطة… ولا تنسَ أن غضبتك كانت بسبب سرقة كبرى قام بها أحد كبار المسؤولين، فاعترضت أنت، فحصلتَ مباشرة على لقب ديوث! وإن سألتني عن الرابط بين هذه وتلك، قلت لك: ليشغلوك بنفسك أولاً، ثم ليحشدوا خلفهم قليلي التعليم الذين تغرهم المظاهر الخارجية وتنطلي عليهم مثل هذه الافتراءات.
– وعاظ السلاطين لا يتحدثون عن أفضلية اختيار الحاكم، كي يقل الفساد، وتصان الدماء، كما في الدول الديمقراطية، بل يميلون إلى "تأليه" الحاكم الفرد المتغلب، الذي يمتلك الدولة بما فيها ومن فيها، ويغفلون الآية "وأمرهم شورى بينهم".
– يتحاشى وعاظ السلاطين عادة الإجابة عن أحد أهم الأسئلة: "من هو ولي الأمر؟… هل هو الحاكم وحده؟ أم الحاكم وولي عهده فقط؟ أم الحاكم وولي عهده وذريتاهما؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة بشرط أن يحمل حقيبة وزارية أو يشغل منصباً؟ طيب وماذا عن بقية الوزراء من خارج الأسرة الحاكمة؟ وماذا عن ذريات هؤلاء الوزراء؟ وماذا عن أبناء الأسرة الحاكمة الذين يشغلون مناصب ليست عليا، كوكيل وزارة أو مدير عام أو رئيس قسم أو أو أو…؟ لذلك يتركون كلمة "ولاة الأمر" حائرة معلقة في الهواء، فيشعر المتلقي البسيط بدوخة ويسقط مغشياً عليه، دون أن يعلم أن "ولي الأمر" المقصود عند هؤلاء الوعاظ هو كل من في يده سلطة ومال، والدليل أنهم لا يستنكرون سرقات كبار اللصوص من خارج أبناء الأسرة الحاكمة.
وللحديث بقية…