“>لا شك أن الفوارق بيننا وبين اليابان تشمل كل مجال، ولا يوجد استثناء واحد، فهي أفضل منا بصناعاتها ونظافتها، وحتى بخلق شعبها وأدبهم! وقد يكون سبب ذلك أن اليابان تقوم بالتركيز الشديد على تضمين مناهج مدارسها من المراحل الأولى مادة الأخلاق. أما تدريس الدين، فمسؤولية ذلك تقع على عاتق الأبوين، ولم يتبين، خلال المائة عام الماضية على الأقل، وهو ما يعادل تاريخ التعليم المنتظم في الكويت، أن تقاعس اليابان عن تدريس الدين قد نتج عنه شعب همجي كاذب، يتّصف بسوء الخلق ونقص التربية! وبالتالي، استعاضتهم بمادة «الطريق إلى الأخلاق» هي التي خلقت الإنسان الياباني الحديث، المجدّ والدقيق والصادق في تعامله، على الأقل أكثر منا!
ما وعته اليابان لم يكن مصادفة، فقد وعته قبلها شعوب أوروبا المتقدمة، بعد أن تبين لها أن جميع ما مرت به من تجارب مأساوية رهيبة وحروب طاحنة قتلت الملايين على مدى مئات السنين كان سببها زج الدين في التعليم، ومن بعدها في السياسة. ولم تهدأ أمورهم وتستقر أحوالهم وتزدهر اقتصاداتهم إلا بعد التخلّص من ذلك الضغط. كما لم يحدث ذلك التطور نحو «الأنسنة» سهلاً، فقد كان أن مهّدت له تجارب عصر النهضة في القرنين 15 و16 وما تبعهما من تطورات في القرن الـ18، والتي كانت نتيجتها سيادة العلم على الحياة، وهذا ما نتج عنه تقدّم الدول الغربية في كل مجال. ونجد بالتالي أن تجارب هذه الدول الكبيرة ماثلة أمامنا ولسنا بحاجة إلى أن نمر بكل ما مرت به من مآسٍ، وما علينا سوى الأخذ بها، وسنرى العجب. ولكن، المؤسف أن نلاحظ أن ما يحدث عندنا هو العكس تماماً، أكرر العكس تماماً! فبدلاً من أن تتطور مفاهمينا، على ضوء ما حدث في مصر أخيراً، والفساد والخراب اللذين تسبب فيهما الحكم الديني فيها، وما تسبب فيه ملالي إيران والسودان وسيتسبب به إخوان تونس وليبيا، في وقف تطور أوطانهم، لا يزال هناك من يعتقد بأن زيادة الجرعة الدينية في مناهجنا هي الحل لأطنان مشاكلنا وتخلّفنا الشامل. فقد قامت مريم الوتيد، التي لم يجد الوزير نايف الحجرف أفضل منها في الكويت كلها وكيلة لوزارة التربية، بالطلب من اللجنة المشكّلة لتحديث مناهج التعليم، وهي اللجنة التي وضعنا كل آمالنا فيها للتخلّص من إرث الإخوان والسلف، الذين عاثوا في مناهج التربية فساداً على مدى أكثر من ثلاثة عقود، طلبت منهم إدخال آيات وأحاديث دينية في منهج علوم الرياضيات! وهذا يعني، بمفهومها، أن دمج جدول الضرب بالدين سينتج عنه تلميذ أكثر فهماً!
لا ألوم السيدة الوكيلة على قرارها، بقدر ما ألوم الوزير الساكت، والحكومة التي لم تبين يوماً «فلسفتها في الحياة»! فهل وجودنا في هذه الدنيا مؤقت، لكي نتعبّد فقط، وبالتالي يمكن اعتبار قرار الوكيلة صائباً، أم أننا وُجدنا على هذه الأرض لنعمرها ونصلحها وننشر الحياة والخير فيها؟ وفي هذه الحالة على الوكيلة أن تستقيل أو تقال لتذهب إلى بيتها.
سؤال قد لا نسمع أو نقرأ إجابة عنه، وبالتالي ستبقى الوكيلة في منصبها لتزيد تخلفنا تخلفاً!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com