لم تمر البشرية بقرن اكثر صخبا ودموية وتطورا وتقدما وازدهارا، اقتصاديا وصحيا وثقافيا، وانهيارا وموتا كالقرن العشرين. ففيه خاض العالم حربين عالميتين حصدتا ارواح عشرات الملايين، غير اضعافهم من الجرحى والمشردين، هذا عدا الحروب الثنائية الدامية، وآخرها حرب العراق وإيران التي حصدت أرواح أكثر من مليون «بريء»، بسبب جهل زعامات دموية فاشلة. وفي القرن الــ 20 نجح الأطباء في التوصل لأدوية وطرق علاج لعشرات الأمراض التي كان العالم يعتقد باستحالة شفاء المصاب منها. كما شهد القرن أكبر عدد من الانقلابات العسكرية، إضافة للانقلابات البشرية على قيم قديمة ومسلمات وأعراف لم تمس منذ قرون، وذلك بسبب انتشار الثقافة والعلم الذي بين الأسباب المناخية والطبيعية والعلمية وراء الكثير من الظواهر التي كان الإنسان يعتقد ان تفسيرها في علم الغيب، ولا يعرفه غيرعلام الغيوب.
وقد ارتفع دخل الفرد في ذلك القرن لمستويات قياسية مقارنة بما قبله، وشمل الرخاء أجزاء كبيرة من العالم، قابله صرف كبير على التعليم والسكن والسيارة والترفيه. كما زاد فيه عدد من يمتلكون مساكنهم، وزاد معدل عمرالإنسان بنسبة %30 وحتى %50 في بعض المناطق. كما زاد عدد سكان الأرض بشكل كبير نتيجة توقف الحروب وزيادة العناية الطبية. كما اصبح الجميع تقريبا يتذوق طعام الآخر، وأصبح أي مطبخ نادرا ما يخلو من مواد طبخ أو «بهارات» لم تكن معروفة لديه.
وأخذت الموسيقى، والعالمية بالذات، تأخذ دورها في التثقيف والترفيه، وهي التي كانت في القرن السابق له مقتصرة على صالونات استماع قليلة. كما شهد القرن انتشارا هائلا لاستخدام اللغة الإنكليزية التي اكتسحت اللغات الرئيسية الحية الأخرى، وكل ذلك بفضل ما قدمته اميركا للعالم في مجال الكمبيوتر والطب والفضاء. كما شهد القرن تغيرا في مفهوم الغنى والثراء، فبعد أن كان مرتبطا بتملك العقار ثم بالمصانع وغيرها، اصبح الثراء يتمثل في ما لدى الفرد من أوراق مالية، كأسهم وسندات. كما اصبحت الأسهم الأكثر قيمة والأعلى دخلا، تلك التي لا تمتلك شركاتها أي أصول محسوسة كالأراضي والسلع، بل شركات ورقية كالالكترونية أوالاتصالات وبرامج الكمبيوتر، وأصبح بيل غيتس، على سبيل المثال، مثال الغنى والثراء والكرم، وهو الذي لا يملك ربما عقارا غير بيته الذي يسكن فيه.
كما يمكن وصف القرن بأنه قرن المرأة لما حققت فيه من طفرات غير مسبوقة عبر نيلها كامل حقوقها كإنسانة لا تقل عن الرجل، إن لم تكن أفضل منه. ومن المحزن أن نجد أن وضعها في دولنا، وحتى في القرن 21، ليس سيئا فقط بل أصبح يميل في العقود الأخيرة للتردي عن بقية نساء الأرض، وما أصبح عليه وضع المرأة في افغانستان وإيران ومصروليبيا وتونس وغيرها خير مثال!
أحمد الصراف