علي محمود خاجه

بسيط

يصحو من النوم ليعمل ويتقاضى الأموال ليصرفها على احتياجات الحياة الضرورية وغير الضرورية. لا يعنيه شيء فكل أموره روتينية؛ نوم، عمل، أكل، ديوانية، سوق لا أكثر، لا يهتم بالمؤثرات حوله ولا يشاهد الأخبار ولا يقرأ الصحف، كل ما يهمه هو استمرار روتينه كما هو دون تغيير. لكن نومه بات صعباً لأنه لا يجد المسكن الذي يسعه ويتحمل تكاليفه، وأكله بات خطراً فإما أن يكون فاسداً دون أن يخبره أحد وإما مكلفاً دون أن ينصف سعره أحد، وعمل سيفصله لأنه يحتاج أن يستغني عن موظفيه لشح السوق، والديوانية أصبحت مزعجة لأن بعض روادها بات يخشى من صفويته أو ازدواجيته. يضطر مرغماً إلى أن يشترك في المجتمع ليغير هذا الواقع، ليعيد روتينه اليومي فقط لنصابه الطبيعي لا أكثر، لا لمصلحة ولا جاه أو منصب، روتينه هو كل ما يطلب. فيكتشف الغابة ويدخلها مضطراً، فهذا يسرق وهذا يكفّر وهذا يكذب وهذا ينافق، يبحث عن العقل فيراه وحيداً منزوياً إن تكلم يشتم، فنحن بين معسكرين يرفضان وجود ثالث، فإما الرضا بالأمر الواقع وإما الشكر أو الصراخ والرفض واستبدال السيئ بمثله، أو بما هو أسوأ منه، كل أموره باتت خيارات صعبة يشارك أم يقاطع، يندد أم يبارك، يمتدح أم يذم… لا يعلم كل ما يريده هو روتينه البسيط. يستوعب الخلل ويعجز عن الحل، فمن يدير وطنه حكومة ضعيفة بلا رؤية أو إدارة، وإن كانت تدير فريق كرة قدم لحل بالمركز الأخير، قطعاً كل ما يعنيها هو أن تعين شيوخاً وقبائل وطوائف في إدارتها بصرف النظر عن المؤهلات والكفاءة، وتستقطب بل تشتري الولاءات من أجل استمرارها، فهي لا تملك سوى النفوذ والنقود. ومعظم من يصرخ معارضاً لها لا همّ له سوى الإقصاء والتقييد والعيش وحيداً دون غيره في هذه الأرض، لا يفهم أبسط قواعد التعايش، ويعامل الوطن كأنه ملكه الخاص، يقبل من يشاء وينبذ من يشاء. مجدداً لا يريد سوى روتينه البسيط دون أن يقيده أو يخونه أحد، يريد أن يحضر حفلاً موسيقياً دون تكفير، يود أن يكون المنزل حلماً يستطيع تحقيقه، يريد أن يزور المستشفى ويتلقى العلاج لا المرض، يريد تعليماً يمنحه أفقاً أوسع يجعله يبدع، يريد أن يعيش فقط، يريد أن يشاهد مباراة بالتلفاز وليس حضور الشيوخ للمباراة، يريد أن يقطع مسافة ١٠ كيلومترات من مسكنه لعمله بعشر دقائق، تلك هي طموحاته لا أكثر ولا يعرف إليها سبيلاً. خارج نطاق التغطية: هل سيقاطع "الإخوان المسلمون" الانتخابات الرئاسية المصرية أم سيشاركون؟ وإن شاركوا… هل يعتبر ذلك انبطاحاً؟

احمد الصراف

روزفلت ومرسي

يختار شعب أميركا رئيسا كل 4 سنوات، وله أن يترشح مرة ثانية فقط، الاستثناء الوحيد في تاريخها ربما كان في اختيار فرانكلين روزفلت، أعظم رؤسائها، لولاية ثالثة، بعد أن نجح في إخراجها من الكساد العظيم، وقاد التحالف في معركته ضد المحور في الحرب العالمية الثانية. كما أن مؤسسة الحكم فيها، لم تتردد في الطلب من الرئيس ريتشارد نيكسون التخلي عن الحكم قبل انتهاء ولايته، بالرغم من أنه منتخب شرعيا لأربع سنوات. وكاد الكونغرس فيها أن يخلع الرئيس كلينتون قبل انتهاء ولايته «الشرعية»، وبالتالي فإن التخلص من رئيس، سلميا أو عسكريا، بقوى داخلية أو خارجية، ليس بالأمر المستغرب او غير المسبوق في عالم السياسة، والأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى من صدام العراق إلى نوريجا بناما، إلى بينوتشه شيلي وفرانكو في اسبانيا وعسكر الارجنتين واليونان وتركيا، وغيرهم. وبالتالي فإن ما حدث اخيرا في مصر من «انقلاب» على حكم الإخوان المسلمين كان أمرا لا مفر منه، والجيش كان الجهة الوحيدة التي كان بإمكانها إزالة حكمهم ووقف سيطرتهم، غير الشرعية ولا الديموقراطية، على مفاصل الدولة وضعضعة نظامها المدني وتحويله الى ديني يخدم بقاءهم في الحكم إلى الأبد، كما حصل مع نظام المرشد الآخر في إيران، التي يحكمها رئيس ديني بصورة مطلقة وهو المرجع الأعلى ومصدر كل السلطات والموحي لكل القوانين والمانع والمانح الأوحد، وله أن ينهي حياة اي سياسي بكلمة منه، ولا يخضع لمساءلة أي جهة ولا تجوز إزاحته، وبالتالي لا يمكن وصف حكمه بالديموقراطي! وكان مرشد الإخوان المصري يود الاقتداء بالنظام الإيراني، لولا أنه وبطانته كانوا أقل دهاء وحصافة من الخميني، مؤسس النظام الإيراني، الذي ضمن الحكم في إيران لمرشد معمم، وما لم يتحرك الجيش فيها لإنهاء حكمه او تتدخل قوى خارجية، فإنه سيبقى لسلطة الدكتاتورية الدينية على مذهب محدد، إلى الأبد!! المهم أن حظ مصر والمصريين كان أفضل من حظ الإيرانيين، فقد أفقد تعطش إخوان مصر للسلطة صوابهم، ودفعهم للاستعجال في توطيد ركائز حكمهم بقرارات عشوائية وغير شرعية أو شعبية، بدءا من عض يد قائد الجيش الذي سلمهم الحكم، واصطدامهم بالقضاء الذي سبق ان سكت عن إزاحتهم للنائب العام، وعادوا للاستعانة به لحل مجلس الشعب، ولم يطل بهم الوقت طويلا قبل أن يصطدموا بالقضاء نفسه وبعدها بمؤسسة الأزهر، التي من المفتر ض أن تكون معهم، كما عادوا الكنيسة بشراسة أكبر، وضيقوا على الإعلام، ثم كانت النهاية في ما اصدره مرسي التعبان من «قوانين» الإعلان الدستوري، الذي صاغوا مواده على عجالة، وبغباء، لكي يكون مفصلا على مقاسهم، وأخيرا لم يتركوا جهة غيرهم لم يكسبوا عداوتها، هذا غير الذين انشقوا عنهم وفضحوا مخططاتهم التآمرية. كما أطلقوا العنان لكل قليلي الأدب من دعاتهم لتكفير كل من عاداهم أو حاول التخفيف من غلوائهم، وبالتالي لم يكن امام الجيش، في ظل تخبطهم وفشلهم الذريع، وفي ظل غياب أي آلية إزالة أخرى، للتدخل للتخلص من حكمهم الثيولوجي الدكتاتوري الغريب!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الحقد الأعمى

من اكثر الامور غرابة ان يكذب الانسان امام الناس والاعلام وهو يعلم انه يكذب! بل ويكرر كذبته في كل مناسبة إعلامية! هذا النوع احياناً يكذب بقصد تضليل الآخرين وتشويه الخصوم، واحيانا هو يكرر كلاماً سمعه من غيره وصدقه من دون التثبت من صحته! ومن امثلة ذلك ما ذكره احد المحاضرين بالامس في ندوة مركز دراسات الخليج والجزيرة عندما قال منتقداً الحركة الدستورية الاسلامية انها كانت مسيطرة على وزارة التربية في الكويت طوال العقود الماضية! ومما يؤسف له ان بعض المثقفين يكرر هذه المقولة في كتاباته رغم اننا اثبتنا بطلان هذا الافتراء واكدنا ان كل المسؤولين الذين تناوبوا على وزارة التربية من وزراء ووكلاء لا ينتمون الى الحركة الدستورية بصلة، لا من قريب ولا من بعيد! بل واثبتنا ان معظم الوزراء والوكلاء هم من التيار الليبرالي والذي نعتقد انه سبب تخلف مهنة التعليم والتربية. ومع هذا تجد من يكرر هذا الافتراء الى اليوم، ومن بعض مثقفينا!
ما حدث عندنا يحدث منذ فترة في مصر ام الدنيا، فمنذ اليوم الاول لتسلم محمد مرسي الحكم فيها اتهموه بأخونة الدولة! ومرت هذه الاكذوبة على كثير من الناس، بل وعلى المثقفين منهم، وكان آخرهم الزميل د. محمد المقاطع في مقالته امس في القبس! وأي منصف يعلم جيداً ان مرسي لم يمارس هذا الاسلوب – ولعل هذا كان خطأه الذي قتله – لانه أراد منذ اليوم الاول مشاركة الجميع في بناء الدولة، لذلك عرض المشاركة في مجلس الوزراء على المعارضة التي رفضت، ثم شكل اول مجلس وزراء مكون من ثلاثين وزيراً منهم ثلاثة من الاخوان المسلمين، واعاد تعيين المحافظين السبعة عشر وكان منهم ثلاثة فقط من «الاخوان»، وجاء مجلس الشورى وشكل رؤساء تحرير الصحف الأربع عشرة وليس بينهم واحد من «الاخوان»، حتى انني قرأت «الأهرام» ووجدت فيها عشر مقالات، تسعة منها تشتم الرئيس مرسي! ويكفي للتدليل على ما اقول ان وزارات السيادة تركها للآخرين مثل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية!
والحقيقة ان هذا التجرد من الانتماء بدعوى ان رئيس مصر لكل المصريين هو الذي ضيّع الرئيس وجعله عارياً أمام خصومه وفي مرمى نيرانهم! بينما المعلوم في الديموقراطيات الحديثة ان اي حزب يفوز بالحكم هو الذي يشكل الحكومة منفردا ما لم يضطر الى تشكيل ائتلاف مع الآخرين في حالة عدم حصوله على اغلبية كافية، وذلك حتى يدير الدولة بانسجام واريحية من دون عرقلة من الآخرين، لكن ما حدث ان خصوم الرئيس اتهموه بهذه التهمة منذ اليوم الاول الى ان تم الانقلاب عليه من العسكر!
الغريب ان التيارات الليبرالية والعلمانية في العالم العربي كشفت عن سوءتها عندما هللت للانقلاب على الشرعية، ويبدو ان الحقد الدفين للاخوان اخرجهم عن اتزانهم وانساهم مبادئهم التي كانوا يخدعون الناس بها، بل وصل بهم العمى السياسي الى ان برروا للعسكر انقلابه وأخذوا يمارسون الكذب السياسي بكل وقاحة، حتى قال قائلهم ان الجيش اعاد الثورة الى اهلها! وتحججوا بالملايين التي أُخرجت للميادين يوم الثلاثين من يونيو والتي فضحهم صاحبهم عكاشة عندما قال ان ستة مليارات من الدولارات صرفت في ذلك اليوم! والدليل على صدقه، وهو كذوب، ان الدعوة الثانية للمليونية للمحافظة على الثورة يوم الاحد الماضي احرجتهم وبينت ان الناس الذين خرجوا بالملايين في ذلك اليوم لن يخرجوا مرة ثانية!
وحتى تزداد جراح التيار الليبرالي عندنا طالبت حركة تمرد الرئيس المؤقت بحل حزب الحرية والعدالة ومنع منتسبيه من ممارسة العمل السياسي مستقبلا! ومع هذا لم ينكر عليهم احد، بالضبط كما حدث عندما اغلق الحاكم العسكري محطات القنوات الفضائية للاسلاميين وزج بالقيادات الاسلامية في السجون منذ اليوم الاول للانقلاب! ولعل ما احرج اتباع بني علمان ان سنة كاملة هي فترة الرئيس مرسي بالحكم لم يتم سجن واحد من خصومه ولم تغلق محطة تلفزيونية واحدة!
***
• بمناسبة شهر رمضان المبارك نتقدم بالتهنئة الى القراء الكرام وعموم الشعب الكويتي والمقيمين بان يجعل الله هذا الشهر شهر خير وبركة ونصرة للامة على اعدائها، وحقن دماء الشعب السوري واعادة كرامته له.. وكل عام وانتم بخير.

محمد الوشيحي

مقلّم بحدود…

"الكاذبون في الأرض"، كان هذا عنوان المقالة قبل أن أستبدله بالعنوان المرزوع أعلاه، والكاذبون في الأرض للأسف هم بعض الزملاء من أبناء الإعلام في الصحافة والتلفزيون والإذاعة.
ليس المطلوب منك ككاتب أو مذيع أو حتى مالك وسيلة إعلامية أن تكون مخلوقاً من خشب، لا تستقبل الكهرباء ولا ترسلها، ولا المطلوب منك أن تكون حيادياً لا تميل مع رأي معين، ولا أن تكون بلا لون ولا رائحة ولا نكهة، سادة… لا، لا تكن "سادة" يا سيد، بل لك أن ترتدي القمصان الملونة، ترتدي قميص الفريق الذي تفضله، أو الذي تُشكله، أو أي قميص مقلّم، وبالألوان التي تفضلها، لكن ليكن قميصك مقلماً بخطوط وحدود.
آنساتي سيداتي سادتي الإعلاميين العرب، أو بعض إعلاميينا العرب، أغرقتمونا بالكذب البراق اللماع، وخنقتمونا بالغباء وعدم احترام عقول الناس، ومازلت أضحك بكاءً وأنا أسترجع، على سبيل المثال، ما قاله أحد المذيعين العرب: "القبض على خيرت الشاطر (نائب مرشد الإخوان المسلمين في مصر) مختبئاً في بيته"! مختبئاً فين يا أستاذ؟ في بيته؟ يا سلام!… كان يمكن أن يقول: "القبض على خيرت الشاطر هانئاً في بيته بين أولاده وزوجته، بينما كوادر الإخوان المسلمين وشبان الجماعة يتلقون الغازات المسيلة للدموع والرصاص في الشوارع"، كنا سنتفهم ذلك، بل وقد نتأثر بذلك، أما حكاية "مختبئاً في بيته" فكفيلة بدفع الناس للتعاطف مع خيرت الشاطر نكاية في الإعلامي الكذاب الغبي.
والله يحفظ توفيق عكاشة، المذيع المصري، الذي تحاربه الولايات المتحدة (ما غيرها الأميركية)! ليش يا بو عكشة؟ لأنني كشفت مخططاتهم وفككت شفراتهم… معلش يا بو عكشة، أنت الكبير، كبّر دماغك ولا تضع رأسك برأس الأميركان.
وبمناسبة الحديث عن الأميركان، تذكرت كلام الكاتب الأميركي الذي قال قبل عقود، عند اختراع الفيديو، ما معناه: "أصبح موقف السياسيين الذين اعتادوا الكذب صعباً للغاية في وجود هذا الجهاز (يقصد الفيديو) الذي يوثق الحدث بالصوت والصورة فيتداوله الناس" ولا أدري كيف سيعلق صاحبنا الأميركي على كذب بعض الإعلاميين ووسائل إعلامهم في أيامنا هذه، وفي ظل انتشار كل وسائل الاتصال الحالية.
* * *
أقول قولي هذا وأستأذنكم وإدارة التحرير لقضاء إجازتي السنوية، على أن أعود إلى الكتابة بعد العيد إن كنت حياً… وكل عام وأنتم بخير.

سامي النصف

تهتك الأستار وسقوط الأقنعة!

كم هو محزن أن نقرأ أن الشيخ الجليل د.خالد المذكور قد دعا لبدء العمل في نظام الحكومة الشعبية وقيام الأحزاب وهي مطالب جماعة الإخوان المسلمين التي بها خروج مطلق على نصوص الدستور الكويتي والعقد الاجتماعي المتفق عليه بين الحاكم والمحكوم، مما يمهد الأرض لخلق فوضى عارمة وقد يكون الأمر مفهوما ـ او غير مفهوم ـ لو ان ذلك الطلب قد تم قبل أشهر عندما خدع بعض البسطاء به، اما الآن فهو بالقطع حج لأمر انصرف عنه الناس ولم يعد احد غير المتحزبين يقول به.

***

ودعوة خطيرة ذات مغزى ومعنى وجهها الشيخ د.عجيل النشمي للإخوان في مصر طالبا منهم ان يتغلغلوا في الجيش وسلك القضاء للتمكن والسيطرة على الشعب والمجتمع المصري بأسره، البداهة والمنطق يفرضان فهم تلك الدعوة على انها قابلة للتطبيق في جميع البلدان، لذا على الكويت ودولنا الخليجية الانتباه واليقظة والتمحيص والتدقيق فيمن يدخل الجيش والسلك القضائي وحتى وسائل الإعلام وهو أمر معمول به في أرقى وأعرق دول العالم كي لا نصحو ذات صباح في دولنا الخليجية على مارشات عسكرية وصدور.. البيان رقم (1).

***

الشيخ المصري أبو إسلام ظهر بدشداشته البيضاء ولحيته البيضاء التي تظهر الهدوء والوقار قبل أشهر قليلة على قناة الأمة شاتما بأقبح الألفاظ وأقدح الكلمات الدكتور محمد البرادعي ومن معه من قيادات وطنية معارضة، ومع سقوط حكم الإخوان ظهر الشيخ قبل ايام بنفس اللباس واللحية البيضاء ليقدم الاعتذار تلو الاعتذار وبشكل مذل جدا لمن شتمهم بالأمس وليعلن انه مستعد لتقبيل رؤوس من أسماهم بالعملاء والخونة كي يعفوا عنه.

***

الدكتور الإخواني الشهير وجدي غنيم الذي بدلا من ان ينصر الشعب الكويتي المظلوم في محنته الكبرى عام 1990 قال إن الله جعل عذابهم آية لباقي خلقه على حسب قوله مما تسبب بطرده لاحقا من البحرين الشقيقة بأمر من الملك حمد حفظه الله، د.الغنيم وجه هذه الأيام رسالة شديدة البذاءة لحزب النور السلفي ومثلها لشيخ الأزهر وكل الزعامات الوطنية المصرية، حيث اتهمهم بالعمالة والخيانة وغيرها من تهم معلبة جاهزة للتصدير.. من هذا ممثله لا يحتاج للأعداء أبدا.

حسن العيسى

بينوشيهات بني يعرب

أذكر أنه قبل خمس سنوات أو أكثر، عندما زار رئيس وزراء سنغافورة الأسبق "لي كوان هو" الكويت بدعوة من بنك الكويت الوطني وألقى محاضرة عن التجربة السنغافورية، سأله أحد الحاضرين عن الديمقراطية وعلاقتها بالتنمية في مثل الحالة الكويتية، كان رد "هو" بما معناه (إن لم أنس) بأنه ليس المهم وجود المجلس البرلماني من عدمه، بل المهم أن تكون لديك إدارة "فعالة" يمكنها أن تضع الدولة على سلم التنمية الاقتصادية.
تذكرت هذا اللقاء بعد قراءة مقال توني بلير في "الأوبزرفر"، الذي علق فيه على الوضع المحزن في مصر، ويستعرض "مستشارنا المالي السابق" بمقاله مجمل الأوضاع الملتهبة في الشرق الأوسط، ولا يخفي مساندته لحركة تمرد أو الانقلاب العسكري في مصر، ويستشهد مدللاً على فشل إدارة الرئيس مرسي بأنه حدث وأن التقى قبل أيام وزير السياحة المصري الذي كانت له أحلامه الكبيرة لعودة النشاط السياحي لمصر، بعد أن هبط المدخول السياحي لمعدلات قياسية بعد ثورة يناير، وأنه (الوزير المصري) بعدها قدم استقالته احتجاحاً حين عين الرئيس المصري أحد كبار الجماعة الإسلامية كمسؤول السياحة بالأقصر، وهي الجماعة التي ارتكبت مجزرة السياح هناك في النصف الثاني من التسعينيات.
ويستطرد مستشارنا "المالي" بلير ليؤكد حاجة مصر الثورة إلى الإدارة "الفعالة"، فالديمقراطية هي الطريق لاختيار أصحاب القرار السياسي، ولكنها ليست عوضاً عن "القرار السياسي" ذاته…!
كلام جميل لمستشار الدولة الكويتية المالي، ويصعب مجادلته… لكن أيضاً في الجريدة الشقيقة لـ"الأوبزرفر" وهي "الغارديان" يسخر الكاتب مارتن بنغلي بمرأة من مقال لجريدة "وول ستريت" تقول فيه إن مصر بحاجة اليوم إلى بينوشيه، وهو الدكتاتور الذي قتل آلاف التشيليين بانقلاب 73 ضد سلفادور أليندي الرئيس المنتخب، وسجن وشرد مئات الألوف، حتى يضع تشيلي على قطار التنمية الصحيح، كما تريده الولايات المتحدة وجهاز مخابراتها الذي احتضن الدكتاتور ذلك الوقت…!
هنا نسأل هل صحيح أن مصر أو أي من الدول العربية بحاجة إلى الجنرال بينوشيه حتى يضع "الجمل" العربي -وليس القطار الاتيني- على دربه الصحيح! في تشيلي كان هناك بينوشيه واحد دفع بتشيلي إلى مسار التنمية مع بعض الفساد، ليعمل "كزيت" يدير محركات التنمية وبعون كبير من الولايات المتحدة، لكن في عالمنا عندنا بينوشيهات عدة وليس واحداً، استطاعوا تحقيق بعض التنمية المختلة حين أثروا جماعة العسكر والمقربين منهم من الطبقة الوسطى، بينما بقيت الأغلبية مسحوقة ومهمشة تدور في حلقات مغلقة في عوالم الإهمال والاستغلال، ولنا في حسني مبارك وقبله أنور السادات بمصر، وفي سورية الأسدان الأب والابن، وعراق صدام، خير أمثلة على بينوشيهات الشرق العربي، كلهم حققوا تنمية محدودة لمجتمعاتهم إلا أنها تنمية لم تصل إلى مرحلة "الإقلاع" Take off، وتصبح تنمية مستدامة، مثل الصين ودول جنوب شرق آسيا، وسرعان ما تنعكس تلك التنمية القهرية في ما بعد لأي سبب بعد تغير شخص بينوشيه العربي، ليحل مكانه بينوشيه آخر بطموح مختلف وبفساد بلون آخر.
مستشار الدولة الكويتية (السابق وهي، بالمناسبة، دولة تزخر بالمستشارين الذين يقدمون استشارات بمقابل مادي جزيل تدخل في الأذن اليمنى للسلطة لتخرج من اليسرى) لم يختلف في رأيه عن مقال "وول ستريت" وحاجة مصر لبينوشيه جديد، مع أن بينوشيه مصر حاضر الآن ويتكلم بلسان عربي، ولم يقل العم بلير كلمة واحدة في مقاله عن "مؤسسات الفساد" الضاربة بأعماق الدولة المصرية تحت ظلال حكم "بينوشيهات" بلاد النيل، ولم يسأل مستشارنا السابق ما إذا كان بينوشيهات مصر لهم القدرة والإرادة لخلق "حكومة فعالة" تنقذ مصر من واقعها الاقتصادي، وهل يستطيع شخص محترم مثل محمد البرادعي أو غيره أن يرتدي بدلة "لي كوان هو" سنغافورة أو مهاتير محمد ماليزيا، ويشرع أبواب الإصلاح المالي، ويقطع دابر الفساد صاحب السيادة، لتضع مصر قدميها على الدرب الصحيح، وتظل المؤسسة العسكرية تتأمله متفرجة…! يا ليت لكني أشك كثيراً.

احمد الصراف

التفكير خارج الصندوق

عنوان المقال ترجمة للتعبير الإنكليزي Thinking outside of the box، أي أن نفكر بطريقة غير تقليدية وألا نحصر تفكيرنا ضمن حدود معينة سبق أن اعتدنا عليها، بل نحاول قلب الأمور والنظر إليها من زوايا غير عادية. ففي سؤال قدم لــ200 شخص تقدموا لشغل وظيفة مهمة، طلبوا من كل ممتحن التفكير خارج الصندوق، وكان السؤال يتعلق بما سيقدم عليه أي منهم إن وجد نفسه فجأة، وفي ليلة ممطرة وشديدة البرود، أمام موقف حافلات غير مغطى، وثلاثة أشخاص ينتظرون، أحدهم صديق قديم سبق أن كان له دور مهم في إنقاذ حياته، وسيدة طاعنة في السن تبدو في حالة صحية سيئة، وهي ترتجف من البرد، وامرأة طالما حلم بأن يقضي بقية حياته برفقتها! فمن سيختار منهم إن كانت السيارة التي يقودها لا تتسع لغير شخص واحد؟ من الواضح أن السؤال يتضمن جانبا أخلاقيا يصعب تجاهله، فتقديم يد العون لسيدة كبيرة على وشك الموت بردا أمر غاية في الأهمية ولكن ماذا عن ذلك الرجل الذي سبق أن أنقذ حياته، ولم يتمكن يوما من رد المعروف له؟ أو تلك السيدة الحلم التي تقف بانتظاره.. وهكذا. وهنا بدا التحدي بين المتقدمين للوظيفة وفاز بها من فكر خارج الصندوق، وقال إنه سيتخلى عن سيارته ويعطي مفاتيحها للصديق الذي سبق أن أنقذ حياته، ويطلب منه إيصال السيدة العجوز لبيتها أو لأقرب مستشفى، ويقوم هو بانتظار الحافلة برفقة من حلم طوال حياته بأن يكون بجانبها.
السؤال الثاني، موجه لمجموعة من الفتيات اللاتي تقدمن لشغل وظيفة عالية الأجر: ما الذي ستفعله أي واحدة إن أفاقت من النوم في صباح أحد الأيام واكتشفت أنها «حامل»؟ وهنا فازت بالوظيفة من كانت إجابتها إيجابية أكثر من غيرها، والتي قالت: سأتصل برئيسي وأعلمه بالخبر السار، وأطلب السماح لي بالتغيب عن العمل في ذلك اليوم لكي اتمكن من الاحتفال بالمناسبة الرائعة مع زوجي! الإيجابية في جوابها أن جميع المتقدمات كن «عازبات» والفائزة اختارت أن تكون أكثر إيجابية من غيرها، وتفكر بطريقة غير كلاسيكية و«خارج الصندوق».
وفي التجربة الثالثة، قال المدير لآخر المتقدمين للوظيفة، بعد أن فشل البقية في التجربة: هذا آخر سؤال أوجهه لك: أين هو مركز هذه الطاولة التي أمامنا؟ فأشار المتقدم، وبكل ثقة، لنقطة محددة على أحد أطراف الطاولة ووضع اصبعه عليها. فسأله المدير الممتحن عما يجعله يشعر بكل تلك الثقة بأن إجابته صحيحة: فجاءه الجواب سريعا: معذرة يا سيدي، لقد قلت في البداية إن هذا آخر سؤال توجهه! وبالتالي لا أعتقد أنه يحق لك توجيه سؤال ثان! وهكذا حصل المتقدم على الوظيفة، بتلك الإجابة الحادة والسريعة، لأنه فكر خارج الصندوق!
وقد يسأل البعض عن الكيفية التي يمكن بها التفكير خارج الصندوق، وأن نكون غير تقليديين في تفكيرنا! والجواب ليس بتلك السهولة، ويتعلق غالبا بالموروث الثقافي والتحصيل العلمي والتربية المنزلية لأي إنسان، إضافة لقراءات هذا الفرد وتعدد مهاراته وعلاقاته الاجتماعية ونسبة معقولة من الخبرة العملية والذكاء. ويزخر الإنترنت بالكثير عن هذا الموضوع، ولكن التطبيق ليس سهلا، فنحن غالبا ما نعارض كل جديد ولا نميل للتغيير، وخاصة إن تعلق الأمر بالموروث الثقافي والديني.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجموعة نقاط (2 – 2)

نستكمل النقاط التي بدأناها في المقال السابق:
سادساً: إن استمرار الدولة الدينية في إيران مثلا لأكثر من 30 عاما، وهي تجربة الحكم الإسلامية الأولى والوحيدة حتى الآن، لا يعني صحة الفكرة بقدر ما يعني أن من وصل للحكم هناك، عرف منذ اليوم الأول أن استمراره مرتبط باستمرار استخدامه للحديد والنار، والقتل والسجن والنفي لمناوئيه، ومتى ما توقفت أو انتهت دكتاتورية المرشد والملالي في إيران، فإن الدولة الدينية ستنهار خلال ساعات، وليس في هذا أي مبالغة، خاصة أن الحكم الديني فشل في تحقيق الرخاء الذي وعد شعبه به، واستبدل السافاك بالمخابرات التي أصبح لها وزير متفرغ!
سابعاً: ما الذي سيقوله الآن من «ادعوا» بأن حكم محمد مرسي كان مدعوما بشرعية إلهية ونبوية؟ وما الذي سيقوله ذلك التافه الذي ادعى أن «جبريل» نزل على أحد مساجد القاهرة، ليطلب من المصريين تأييد حكم مرسي؟ أو رجل الدين الذي حلم بأن النبي طلب من محمد مرسي، وهو جالس بين جماعة في مسجد، أن يكون إماما عليهم؟!
ثامناً: إن على كل من كتب وادعى بأن مبارك انتقل من القصر إلى السجن بمؤامرة أميركية، وأن الثورة في مصر كانت مؤامرة أميركية وأن خطف «الإخوان» لها وحكمهم لمصر كان بناء على خطة أميركية، فإن على هؤلاء مراجعة سابق كلامهم، فالشارع المصري قبل سنة فقط كان مهيأً لوصول «الإخوان»، لكونهم الجهة الوحيدة التي كانت وقتها منظمة لتسلم الحكم، بعد انهيار عهد مبارك! وعندما اكتشف الجميع تقريبا أن «الإخوان» ليسوا فقط مثلهم مثل غيرهم من سياسيين متحذلقين وصوليين، بل وأصحاب فكر خاوٍ خالٍ من أي محتوى مفيد، سقطت دولتهم! ولا ننفي هنا وجود خطط غربية، وليس بالضرورة مؤامرات، تستفيد من ضعف أوضاعنا وتفرقنا وتشرذمنا، بحيث أصبح الخطر الشيعي فجأة أشد وأكثر خطرا على الأمة الإسلامية، كما روّج القرضاوي وغيره من مثيري النعرات، ومؤججي الصراعات الطائفية، من بقية الأخطار الأخرى!
تاسعاً: ليس من طبعنا الاستهزاء أو الشماتة بأحد، حتى لو كان صاحب مكتب هندسي ربى لحم كتفه من الحكومة، فلما اشتد ساعده رماها، ولكن من الغريب حقا أن يستمر هذا الجهل ومعه الإيمان بأن هؤلاء قادة ومنظرون، وليسوا انتهازيين! ولعل في انهيار حكم «الإخوان» بارقة أمل في أن يعي الموهومون حقيقة هؤلاء «القادة»!
عاشراً: وقوف حزب النور السلفي ضد «الإخوان» خير دليل على أن المسألة لا علاقة لها بالدين، بل سياسة في سياسة، وسيفعل «الإخوان» بهم الشيء ذاته يوما، إن عادوا للحكم!
وأخيرا، قد لا تهدأ الأوضاع في مصر، وقد تتحول إلى باكستان أخرى. وقد يكون المخرج الوحيد اعتراف «الإخوان» بأن الدولة الدينية، بالمفهوم العصري، لم توجد أبدا، ولا يمكن أن توجد، وإن وجدت فلن تستمر! ولكن هل بإمكانهم معرفة هذه البديهيات، وهم الذين لم يجدوا أفضل من مرسي رئيساً يمثلهم؟

أحمد الصراف

سامي النصف

إخوان مصر.. أخطاء على الطريق!

هل يعقل أن إخوان مصر لم يجدوا أفضل من د.محمد مرسي ورهطه لحكم بلد بعراقة مصر؟! ألم ننصحهم في مقالات منشورة في الكويت ومصر ونصحهم معنا آخرون بضرورة إشراك الآخرين معهم في الحكم كي لا يصبحوا «حزب وطني» آخر واقتداء منهم بالحالة التونسية التي اشتركت بها القوى المختلفة بالحكم والغنم والغرم، لقد أخذت الإخوان بمصر العزة بالاثم وانتشوا بالنصر فعادوا الشعب وقواه الوطنية والقضاة والجيش والداخلية حتى لم يبق معهم أحد فسقطوا سريعا ولم تكن تلك الزلة الوحيدة في تاريخهم الممتد لثمانية عقود.

***

مع بدء حكم الملك فاروق وصدامه مع القوى الوطنية وعلى رأسها زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس باشا، انحاز الاخوان للملك وألبسوا شبابهم لبس الكشافة، ولبسها مثلهم قائدهم حسن البنا ليكونوا في استقبال الملك عند زيارته لسيدي جابر، هاتفين «الله مع الملك» ليرد عليهم شباب الوفد بقمصانهم الزرقاء «الشعب مع النحاس»، إلا أنهم سرعان ما انقلبوا على الملك المؤيد من الله حسب قولهم بشكل دموي، فقتلوا رؤساء وزرائه أحمد ماهر والنقراشي باشا، وحاولوا قتل ثالثهم في قيادة حزب السعديين القريب من القصر ابراهيم عبدالهادي باشا الذي كان رئيسا للوزراء، فأمر بقتل حسن البنا انتقاما لمقتل رفيقيه ومحاولة قتله.

***

أتى انقلاب يوليو 1952 فحل جميع الاحزاب وترك الاخوان وحدهم ليقودوا الساحة السياسية بعد أن أشركهم معه بالحكم، وعوضت أرملة حسن البنا وأطلق سراح قتلة القاضي أحمد الخزندار من شباب الاخوان، وبدأت في نوفمبر 1953 محاكمة قتلة البنا وعلى رأسهم المتهم ابراهيم عبدالهادي باشا الذي حكم عليه بالاعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ بعد أن انقلب الاخوان بشكل دموي على عبدالناصر وحاولوا قتله في منشية البكري عام 1954 فسجن الآلاف منهم وأعدم قيادات التنظيم الخاص، وفي عام 1960 أطلق عبدالناصر سراح جميع معتقلي الاخوان بمصر ارضاء لاخوان سورية الذين توحد معهم ليقفوا معه ضد حزب البعث، فانقلبوا عليه وحاولوا قتله في صيف 1965 عبر محاولة نسف القطار الذي كان سيقله للاسكندرية، فأعدم سيد قطب وسجن من معه.

***

أخرج الرئيس السادات الاخوان من السجن ودعمهم ومكنهم من قيادة الشارع مناكفة بالناصريين والقوميين واليساريين، إلا أنهم انقلبوا عليه مما جعله يودعهم ومرشدهم السجون حتى انتهى الأمر بقتله من قبل جهاديين منشقين عن الاخوان، وما ان وصل مبارك للحكم حتى أطلق سراح معتقليهم ووصل الى تفاهمات معهم داخلية وخارجية (دعم الجهاد في أفغانستان) ومكنهم من دخول مجلس الشعب بما يقارب 90 كرسيا، إلا أنهم انقلبوا عليه كذلك، وتعرض لمحاولة اغتيال في الحبشة ثم حركوا الشارع ضده حتى سقط نظام حكمه ونسبوا الفضل في ذلك لأنفسهم دون غيرهم، وكان ذلك بداية الاشكال الذي انتهى بخلع د.مرسي ومجاورته ـ مجازا ـ لمبارك في المعتقل.

***

آخر محطة: (1) التسمية الصحيحة للجناح الانقلابي المتشدد من الاخوان الذي أضر بهم عبر تاريخهم ومازال، والتي تمنع مظلمة التعميم على باقي الاخوان، هي «القطبيون»، أي اتباع المتشدد سيد قطب الذي كتب كتاب «معالم في الطريق» الذي يعتبر مرجع ومنبع فكر التطرف والتشدد القائم في المنطقة، وكان الأصح أن يسمى الكتاب «أخطاء في الطريق».

(2) لو جاز لي مرة أخرى نصح الاخوان المسلمين في مصر لطلبت منهم أن يتركوا الميادين سريعا، وألا يلطخوا أيديهم بالدم ـ دمهم أو دم خصومهم لا فرق ـ وأن يكونوا سباقين لمصالحة الآخرين بعيدا عن العند والمكارة، وأن يتجهوا بنفوس راضية الى صناديق الاقتراع ويقبلوا بنتائجها، وألا يجعلوها حجة للطغيان والجبروت، فقد أوصلت الصناديق هتلر وموسليني وكثيرا من الطغاة للحكم.

(3) لدي يقين انهم لن يقبلوا بمثل هذا النصح العاقل وسيستمرون على تشددهم وتطرفهم وقيادة القطبيين لهم حتى يوصلولهم وبلدهم العزيز مصر الى الخراب التام.

حسن العيسى

خياراتنا محدودة

التقدميون من يساريين وليبراليين اليوم في محنة فرز مواقف، وهم بصدد قراءة المشهد المصري بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، بعضهم يقف دون تردد مع حلم إنهاء مشروع حكم الإخوان في مصر الذي سيقود بالزمن القريب (بتحليلهم) إلى قيام الدولة الدينية الثيوقراطية التي ستقهر حريات الأفراد وحقوق الأقليات، وتفرض المنهج الديني الأحادي في التشريع مع صياغة الحياة العامة والخاصة وفق نموذج الخلافة الحاكمة، ولهذا الفريق حجته في تجربة الثورة الإيرانية، لذلك لا يتردد هذا الفريق في نعت حركة ٣٠ يونيو بأنها "ثورة شعبية" لها مشروعيتها، وهي عندهم ثورة فرضت هيبتها بعدد المشاركين في ميدان التحرير، ولا بأس عندهم أن يتم تجاوز "الشرعية" القانونية، قليلاً أو كثيراً، ويتحالف مع العسكر من باب "أهون الشرين"، فهم يعلمون أنه لا جدوى من الحراك الشعبي للتغيير لمواجهة النظام الإخواني الحاكم، ما لم يبارك من دولة المؤسسة العسكرية المصرية، وهذه المؤسسة "دولة" ذات سيادة واقعية على الأرض بميزانية مستقلة ودخل خاص من دروب مشروعة وغير مشروعة لا يمكن تحديها أو الحد منها، ولم يستطع الرئيس مرسي الاقتراب منها.
الفريق الآخر من الرافضين للدولة الإخوانية، وإن كانوا لا يتجرعون حكم المرشد العام، إلا أن إيمانهم بالشرعية يفرض عليهم أن يقولوا "لا" كبيرة للعسكر، والشرعية لا تعني هنا، الرضوخ لحكم الدستور، وما أخرجته صناديق الانتخابات، بل هي طريق الوقاية الوحيد من مزاجية التفرد بالسلطة من أي جماعة كانت، وإذا كان مرسي قد استغل هذه الشرعية، وكرس ما يسمى "استبداد الأغلبية" التي فازت بالأكثرية في انتخابات الهيئات التمثيلية، فلا تكون مواجهتها بالانقلاب عليها والاستعانة بالدبابة والطيران، وإنما بالعمل من خلال المؤسسات القائمة، وعبر خلق الوعي العام لرفض وصايات الأغلبية وتحريرها من عبودية التبعية لنظام الحكم، هذا التحرير لابد أن يكون عبر القنوات القانونية وعبر الرفض السلمي لأي انحراف للسلطة الحاكمة حين تميل لاستبعاد الآخرين المخالفين وتهميشهم.
أيضاً هناك حجة أخرى يضيفها هذا الفريق، وهي حجة عملية، فهم يرون أن الإخوان اليوم يشكلون المصدات الواقية من أمواج التطرف الديني التي تموج بها بحار المنطقة العربية، وقد أثبت التاريخ المعاصر أن قمع تلك الجماعات المتطرفة، عبر الأنظمة البوليسية، لم ينتج غير المزيد من التطرف والمزيد من التعاطف معها، ولنأخذ مثالاً تاريخياً، عن السيد قطب الذي كان متطرفاً بقلمه وفكره، وكان يمثل ردة فعل طبيعية لأضواء الحداثة، كما شهدها في فترة إقامته البسيطة بالولايات المتحدة، وطفق يبحث عن الحضن الدافئ للهوية والذات، إلا أنه حين علق على حبل المشنقة بعهد عبدالناصر تفجرت في ما بعد الحركات التكفيرية المرعبة التي تدفع المجتمعات العربية ثمنها غالياً اليوم، وما يحدث الآن هو إعادة إنتاج مشاهد شنق سيد قطب وحفر بركة واسعة يتوالد بها أمراء الإرهاب من جديد، وعلمنا التاريخ الحديث أن السجون والملاحقات لم تنفع في استئصال تلك الجماعات، بل زادتها قوة ونفخت على نار كراهيتها للدولة والمجتمع، فهل هذا ما نريد في النهاية؟! فشواهد ما يجري الآن في مصر يطلق صافرات الإنذار عن الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي، ولنؤكد أن مصر غير الجزائر، فهي مركز الثقل للعالم العربي ومحوره الأساسي، وأي تغير فيها سيطالنا إن لم يكن اليوم فغداً… فلنواجه الفكر الديني المتعصب بفكر ديني معتدل "نسبياً" يمثله الإخوان في هذه المرحلة التاريخية عل وعسى أن تتغير نظرتهم للعالم المعاصر حين يجلسون بقلق على كراسي الحكم ويخضعون، في آخر الأمر، للواقع الدولي، فلم لا نعطي الإخوان فرصة لاحتواء المتشددين فليس لدينا رهان آخر، أما الحديث عن القوى الليبرالية والتقدمية لمواجهة الغليان الأصولي في المجتمعات العربية فهذا وهم كبير.