يقول ج. مورتي: إنه ليس مقياساًَ سليماً لصحتك العقلية أن تكون متأقلماً بصورة جيدة مع مجتمع مريض للغاية! ويقول ستيفن واينبرغ: في عالمنا هذا يسعى الناس الطيبون دائماً للقيام بالأعمال الطيبة. ويسعى الناس السيئون للقيام بالأعمال السيئة. ولكن لو أردنا دفع الطيبين إلى القيام بأبشع الأعمال، فهنا سنحتاج إلى العصبية الدينية!
***
كآخرين كثيرين مثلي، اعترف بأن فكرة بيع الصوت الانتخابي، أو تعهد شخص بإعطاء صوته لآخر، أو التصويت لمصلحة مرشح معين مقابل حصوله على مبلغ من المال، قد حيرتني لتضارب الأمر مع الكثير من المعتقدات والمفاهيم الإنسانية والتعاليم الدينية. فلاشك في أن عملية التصويت عادة ما تكون سرية، ويصعب جداً على مشتري الصوت معرفة الجهة التي صوت لها من باع صوته له! ولكن تكرار واستمرار عملية بيع الأصوات وشرائها، منذ أن عرفت الكويت الانتخابات النيابية قبل نصف قرن، وحتى اليوم، يعني أن هناك أسساً وقواعد يمكن للمرشح، الذي دفع مقابل كل صوت، الركون إليها والاطمئنان إلى أن البائع، في الغالب الأعم، لن يخدعه، وسيعطيه صوته حتماً! وسبب هذا الاطمئنان يعود بالدرجة الأولى إلى أن المشتري يقوم بالقسم على القرآن بأن يعطي صوته للمرشح المشتري، وهنا تبدأ الحيرة! فالمشتري أو المرشح يعلم حتماً أن القانون يجرّم عملية شراء الأصوات. كما من المفترض الاعتقاد بأن أغلبية من يقومون «عادة» ببيع أصواتهم، أو أصواتهن، يعلمون أن في الأمر جريمة من نوع ما تتمثل في قبول مبلغ، تافه عادة، نظير التصويت لمن ستكون مهمته سن القوانين ومراقبة عمل الوزراء، ومع هذا يقبل الطرفان على تنفيذ هذه الجريمة النكراء بالقسم على «كتاب مقدس» لدى الطرفين، والاطمئنان إلى أن هذا القسم سوف يتم الالتزام به غالباً، مع أن المنطق ومصلحة البائع والوطن قبل ذلك يقولان بعدم الالتزام بالقسم، فلا دولة في العالم تتساهل، دع عنك تسمح، بعمليات شراء المرشح لكرسيه البرلماني! فقبول ذلك يعني أن هذا الناخب سيضطر إلى سرقة الدولة فور نجاحه في الوصول إلى الكرسي النيابي، وليس هناك أهبل واحد في العالم يمكن أن يدفع الملايين فقط ليصبح مشرّعاً، دون أن يكون له هدف آخر، خفي غالباً!
وبالتالي، كيف يمكن تفسير مثل هذه التصرفات التي يختلط فيها الوازع الديني والخوف من العقاب السماوي بجريمة يعاقب عليها القانون، والطرفان راضيان بقضاء الله وقدره والإيمان التام برسله وكتبه؟ أليس هذا التناقض الحاد داخل الشخصية الواحدة سبب ما نعانيه من تخبط وفوضى في حياتنا؟ وكيف يمكن أن نكون أصحاب أخلاق وصادقين مع الغير إن كنا نكذب على أنفسنا بالتصرف بطريقة إجرامية، والحلف على القرآن بالتمسك بالجريمة، وعدم إفشاء سرها؟ وهل يمكن أن نكون صادقين في رغبتنا في تحرير المحتل من أراضينا، أو التمسك بالخلق القويم، إن كنا نقسم على القرآن بأننا سنخالف القانون؟
***
• ملاحظة (1): مرت قبل أيام الذكرى السنوية الخامسة لغياب حسين الفضالة، فهل من خبر عنه؟ وهل بذلت الحكومة ما يكفي لسؤال السلطات الإيرانية عنه؟
• ملاحظة (2): وجدت في صناديق الانتخابات مئات الاوراق التي تضمنت اسمين لمرشحين، بدلا من واحد، والغيت بالتالي. وتبين ان سبب التصويت لاثنين يعود الى ان الناخب هنا سبق له ان باع صوته، تحت القسم لمرشحين، وهذه عبقرية كويتية في النصب!
أحمد الصراف