أشد علامات القبح التي تبدو على وجوه أولئك الذين لا علاقة لهم بالدين الإسلامي، هي تلك التي يحاولون فيها تغيير ملامحهم وهم يتظاهرون بالبكاء حرصاً وقهراً وكمداً وغيرةً على الدين الإسلامي!
عشرات اللحى والعيون الحمراء والوجنات المنتفخة والقبضات تتوالى على رؤوس المشاهدين المساكين، وخصوصاً أولئك الذين يصدقون، طبقاً لعقولهم الصغيرة، كل ما يصدر من ألسنة وعقول وبطون وصدور وآذان وجباه من اعتقدوا فيهم أنها أولياء الله الصالحين… حتى أن بعض المجتمعات الخليجية، شهدت في الآونة الأخيرة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، حملات ضد مجموعة من كبار (مشايخ الطين) الذين يحلف برؤوسهم الملايين بعد أن اكتشفوا سوءات فتاواهم التحريضية والتخريفية والتجارية التي يضحكون بها على أبناء المجتمع الإسلامي.
وعلى أي حال، فإن المد الإعلامي التقني الهائل، جعل الناس في تواصل دائم مع كل حركة تمرد ضد الأفكار الرجعية، أو تلك التي يحاول أصحابها المتاجرة وجمع الثروات من خلال إثارة الفتن الطائفية، ولم تعد مهمتهم محصورةً في الخطب والمحاضرات الفتنوية الطائفية، بل أصبحوا يتحدثون عن دعوات الجهاد والخروج على «ولاة أمر» ليسوا هم ولاة أمرهم لأنهم من أمصار أخرى. والعجب العجاب، حين تجد أساتذة جامعيين ومثقفين وشباباً في مستويات متقدمة من التعليم يصدّقون أولئك الجهلة! وحين تصدمهم بالحقائق، فإن أول ردة فعل لهم هي اتهامك بالزندقة! وهم بالطبع يقولون ذلك حين يعجزون عن مقارعة الحجة بالحجة لا سيما في شأن ما يتم كشفه من حسابات بنكية وعلاقات وتجارة وشيكات من تحت الطاولات يتم دفعها لمشايخ الطين من أجل أن يتحدثوا حديثاً قبيحاً سيئاً بالملايين. لا هم لهم سوى إشعال الفتن والطائفية من جهة، وكيل المديح للمستبدين والمستكبرين والظلمة من جهة أخرى كونهم ولاة أمر، حتى نظرية ولي الأمر لديهم، تختلف حسب من يدفع أكثر.
البعض من الزملاء الإعلاميين، كان قبل أشهر عدة، حين ناقشنا مع مجموعة من الإعلاميين الخليجيين والعرب موضوع أسلوب ومنهج وخطاب بعض القنوات الفضائية الدينية، كان بعضهم يرى في ازدياد تلك القنوات فائدة للأمة، بينما لم أرى في غالبها إلا منطلقاً لشن حملات العداء المشحونة بالكراهية. وليس من الضرورة بمكان إجراء استطلاع ميداني لتثبيت الفكرة، فيكفي أن تقرأ لمدة ساعة زمن الشريط الذي يتحرك في أسفل الشاشة لتعلم أن هناك مشاركة فاعلة من قبل مجموعات من المتشددين، من الطائفتين، ولابد من التأكيد على أنهم من الطائفتين، كل يدعي حاكميته على الأمة.
ذلك الخطاب هو الأسوأ على الإطلاق، ولعل الكثير من الناس لا يعلمون أن مثل هذه النزاعات تصبح أجمل وأروع عندما يزداد عدد المشاركين فيها عبر خدمة الرسائل الإلكترونية التي تدر مالاً وفيراً يملأ بطون القائمين على القناة، ممن يدّعون «صدق الدعوة لله والدفاع عن الدين الإسلامي».
كثيرة هي الصور القاسية التي تسود المجتمعات الإسلامية اليوم، في مقدمتها الظلم والتخلف والأمراض السياسية والثقافية والاجتماعية، ونزعات التعصب الطائفي والعرقي المقيتة، وتطغى عليها مشاكل وصراعات متعددة في مختلف ميادينه ومجالاته بما في ذلك ميدان الثقافة والفنون، وتبرز صورها المؤسفة في التضييق على حرية الفكر والنشر ومحاصرة الثقافة ومصادرة الرأي الآخر، وشن الحملات العدائية المشحونة بالكراهية والحقد الطائفي.
لا يمكن أبداً التغاضي عن تهاون الحكومات، وفي أغلب حالات تلك التهاون، يظهر الاتهام واضحاً بلا تبطين في أن بعض الدول تغذّي هذا النوع من الحملات لإشغال الناس، ولذلك، ليس عجيباً أن يتفرغ ذوو النزعات العدائية، سواءً كانوا مشايخ وعلماء أم برلمانيين أم وعاظ سلاطين، ومعهم أولياء نعمهم من المستبدين أرباب الرأي الواحد والنفوذ والمال، ليضيفوا إلى الأمراض الاجتماعية ما يسهم في مضاعفة الداء والمرض في جسد الأمة.
وأخطر ما في الأمر هو استهداف الثقافات الحرة النيرة ومجالات العلوم والفنون الرائدة لضربها بأفكارهم ونزعاتهم ومشاريعهم المشبوهة، منتزعين من تلك الجوانب وأنشطة الإبداع الفني طابعها وعطاءها الإنساني، والأهداف التي يمكن أن تخدم أمم وشعوب المعمورة على اختلاف دياناتها وطوائفها وانتساباتها العرقية.
أعجبتني حملة جميلة أطلقها بعض الشباب الذين قطعوا شوطاً طويلاً في التحاور مع «مشايخ الطين»، فلم يجدوا منهم إلا إسفافاً وسقوطاً في معالجة الكثير من القضايا. ووجدوا منهم فناً وإبداعاً وجهداً عظيماً في المتاجرة بالدين ونشر العداء الطائفي والتحريض العقائدي، فتلك الحملة وقعت تحت مسمى (الشرق_الأوسط_للأمراض_العقلية_) وبالفعل، نجد أن تلك العبارة القصيرة، هي التلخيص الدقيق لما يعاني منه وعاظ السلاطين ومشايخ الطين المتاجرين في القنوات ومن لف لفهم… مستودع أمراض عقلية ونفسية.