تردد وانتشر خبر قبل فترة عن شيخ من شباب الشيوخ، ومن قرابة الحواشي للأسرة، أي إنه ليس من سلالة مبارك ذات الامتياز الخاص بالحكم، ولكنه من أطراف الأسرة المالكة ويملك ثروة وإعلاماً، طبعاً لم تنزل عليه الثروة من السماء، عمل واجتهد كي يخلق صندوقاً من مساهمات "أهل الخير" في الأسرة، غاية الصندوق الصباحي الخيري أن يساهم ويدعم عدداً من المرشحين كي يخلق "بلوك صباحي" في المجلس القادم تكون له كلمة الفصل الحاسمة بين تكتلات "شبه" إسلامية و"شبه" شعبية و"شبه" ليبرالية، والتي تضيع وتتوه في مرقة المجلس "الباصجة"، بعد أن أصبح "الشيف الصباحي" هو السيد الأوحد في مطبخ المجلس بعد مرسوم الصوت الواحد المحصن.
البلوك الصباحي الجديد حسب الأخبار السابقة، سيكون الحكم المرجح في التجاذبات السياسية داخل الأغلبية التابعة وربما المعترضة بأدب، وداخل إطار المسموح في العرف الكويتي، وسيقرر تعيين الوزراء القادمين وتنحيتهم بالوسائل البرلمانية طبعاً، ويضع الفيتو على الاقتراحات المقدمة أو يدفع بها كي تقر وكما تريد الأصوات النافذة داخل أسرة الحكم. بكلام آخر "الصندوق" الصباحي الذي يدخل الفرعيات في مرات، ومرات أخرى يمد يد الخير والإحسان للتابعين من المرشحين، سيكون حكومة أخرى موازية للحكومة الرسمية، ومع أن الأخيرة هي أيضاً صباحية في النهاية إلا أن الحكومة المجلسية ابنة صندوق الخير ستفرض على الحكومة الصباحية "الرسمية" ما تريد، وستكون الأقوى داخل المجلس الذي أيضاً تتنازعه صناديق خير عدة من صباحيين وغير صباحيين، إلا أن الصندوق الجديد ستكون له كلمة الفصل النهائية…!
لا جديد في هذه الأخبار، فصناديق الخير البرلمانية التي رعاها أبناء الأسرة الحاكمة في مرات كثيرة، ومرات أخرى غذتها "قوى الشعب الفاسدة" (بالمفارقة لأدبيات قوى الشعب العاملة في مصر ٢٣ يوليو) ليست شذوذاً عن النهج العام، وليست مسألة جديدة في هذه الدولة النفطية الريعية، وهي ممارسة قديمة قدم المجلس، وإن تجلت بصورة مرضية بعد فوران أسعار برميل النفط في العشر سنوات الأخيرة، وتنامي قوة الدينار السياسية، إلا أن ما يستعصي على فهمي البسيط هو ما إذا كان عيال شيوخنا "الله يبارك فيهم" بحاجة لبلوك صباحي اليوم، وهل كانوا بحاجة لمثله في الأمس؟! ولماذا؟!
نحن نعرف أنهم الآن اللاعب الوحيد تقريباً في الساحة السياسية، وكانوا بالأمس أيضاً لهم السطوة، وإن تكبلت سطوتهم بعض الشيء مع المجلس المبطل الأول، الآن تحديداً لا أحد ينافسكم ولا يملك أحد ما تملكون إلا من البعض الذين يدورون في حلقات ذكركم، فما حاجتكم لهذا الصندوق ولهذا البلوك القادم، ما لم يكن الغرض منه هو "تصفياتكم الداخلية" التي ستنقل بصور شبه رسمية إلى المجلس، مع البث التلفزيوني غير المباشر، فهل هذا ما تحتاجه الديرة وهل هذا مشروعكم التنموي الكبير…؟!
يا رب كن بعون أجيالنا على القادم من الأيام.
اليوم: 18 يوليو، 2013
لن نسمح للطغيان بأن يخدعنا
عنوان المقال مقتبس من آخر سطر في مقال كتبه الشاعر المصري أحمد حجازي، قال فيه: حين يظن بعض المتحدثين في السياسة أن الإخوان المسلمين خصوم سياسيون يقعون في خطأ قاتل، فالخصومة لا تكون إلا بين أطراف تقف على أرض مشتركة، واختار كل طرف طريقاً منها يراه أقرب إلى الغاية وأوفى بالمطالب والحاجات التي يجتهد السياسيون في تحقيقها، ونحن نرى أن الإخوان لا يقفون على الأرض التي نقف عليها. نحن نقف على أرض الوطن، والإخوان يقفون معلقين بين الأرض والسماء، لا يطولون هذه ولا تحملهم تلك، لأنهم يتقافزون بين الجمهورية والخلافة، بين القرن العاشر والقرن العشرين يسألهم السائل: من أنتم؟ فيجيبه حسن البنا: نحن دعوة سلفية وطريقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وشركة اقتصادية! هكذا يخلطون بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة، فيضيعونها جميعاً، ولهذا لا نستطيع أن نعدهم خصوماً، وهم من جانبهم لا يعدون أنفسهم خصوماً سياسيين، ولا يتحدثون إلينا بهذه الصفة. والإخوان لا يعتبرون أنفسهم طرفاً سياسياً ضمن الأطراف الأخرى، فهم لا يمثلون مصالح محددة، ولا ينتمون لفكر سياسي محدد، فليسوا يميناً وليسوا يساراً وليسوا وسطاً. لا هم ليبراليون يراهنون على الحرية، التي تحفظ لكل من الفرد والجماعة حقوقه ومطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا هم اشتراكيون يراهنون على الدور الذي تؤديه الدولة في تنمية الاقتصاد وتوزيع الثروة. والإخوان ليسوا حزباً سياسياً بالمعنى المفهوم المتعارف عليه في الفكر السياسي، وهو أن الحزب جماعة من الناس تعتنق فكرة سياسية تتمثل في برنامج يسعى أعضاؤه للحصول على تأييد الجماهير له، ومساعدتهم في الوصول إلى السلطة لتحقيقه على نحو ما نرى في الدول الديموقراطية، وإنما هم جماعة دينية تفهم الإسلام بطريقتها الخاصة، فتخرجه من العصر الذي نعيش فيه، وتنظر إليه بعيداً عنه، أي بعيداً عنا وعما يحيط بنا من ظروف وما يلح علينا من مطالب، وتضيف للدين تفسيرات واجتهادات وتحصره في مجال واحد محدود من مجالاته، وهو تطبيق الشريعة التي لا نحتاج دائماً في تطبيقها لدولة، لأنها تعاليم دينية وقيم يؤمن بها المسلم، ويلتزمها بالصورة التي يطمئن لها قلبه، قبل أن تكون قوانين صارمة، ومن يعتبر الفائدة، التي يحصل عليها من المصارف، ربا عليه ألا يحصل عليها، فضلاً عن أن القوانين المصرية المعمول بها لا تناقض الشريعة، ولا تختلف عنها إلا فيما يتصل ببعض العقوبات التي يجب أن ننظر إليها، باعتبارها شأناً من شؤون الدنيا التي يحق لنا أن نجتهد فيها، كما كان يحق للمسلمين الأوائل أن يجتهدوا، وهذا ما ترفضه جماعة الإخوان، وما لا تستطيع أن تقوم به، لأنها لا ترى الدين إلا نصوصاً تفهمها بحرفها خارج الزمان وخارج المكان، ثم تعود إليهما لتطبق فيهما ما فهمته خارجهما.
أنهم لا يخاصموننا في السياسة وحدها، بل يخاصموننا في كل شيء، ويرفعون السلاح هم وحلفاؤهم في وجهنا وفي وجه كل ما حققناه منذ خرجنا من القرن الثامن عشر وأنشأنا الدولة الوطنية، واستعدنا حقنا في حمل السلاح والدفاع عن أنفسنا، وانفصلنا عن السلطنة العثمانية، وحصلنا على الاستقلال، ورفعنا شعار الدين لله والوطن للجميع.. الإخوان المسلمون خصوم لكل هذه المبادئ التي آمنا بها وهذه المكاسب التي حققناها، خصوم للدولة الوطنية، وللنظام الديموقراطي، والدستور، والتفكير الحر، وحرية المرأة، وحقوق الإنسان، وباختصار خصوم للعصر الحديث.
أحمد الصراف