تعتبر عملية الغش الواسعة، في نوعيتها وتوزيعها الجغرافي، التي رافقت الاختبارات المدرسية الأخيرة، والتي تضمنت تسريب الأسئلة من قبل موظفين ومربين ومعلمين كويتيين، مسلمين مؤمنين، وبمشاركة من وافدين، وحتى تزويد الطلبة بالإجابات النموذجية، تعتبر في حكم الجريمة الأخلاقية غير المسبوقة بوقاحتها، وستكون لها تأثيرات وخيمة على كل من شارك بها، خاصة عندما نكشف الكم الكبير والمستوى الإداري الذي شارك في هذه الجريمة الأخلاقية، التي أجبرت الوزير على إحالة عدد من كبار إداريي الوزارة للتقاعد. كما أعلن الوزير الحجرف قبول استقالة الوكيل المساعد للتعليم العام محمد الكندري، ومدير عام منطقة العاصمة التعليمية يسرى العمر، كما قرر إقالة جميع الموجهين العامين للمواد الدراسية الأساسية، وإحالة مدير ثانوية أحمد بن بشر الرومي، التي شهدت تسريبا للاجابات النموذجية لامتحان اللغة العربية للصف الحادي عشر. كما أوقف مديرين مساعدَين، وأقال مشرف الجناح في لجنة الامتحان وملاحظَين اثنين.
واتصف تصرف الوزير السريع بحزم طالما افتقدناه، كما كان شجاعا عندما اعتذر للشعب الكويتي وللمعلمين المتميزين وللطلبة المتفوقين، مما شهده الميدان التربوي من أحداث وصفها بالمؤسفة، قائلا بأنه لن يسمح بتشويه سمعة نظامنا التعليمي واستمرار الشغب في مدارسنا! علما بأن ما حدث لم يكن شغبا بل جريمة أخلاقية، ودليلا على المستوى الهابط للواقع التعليمي في البلاد.
وبالرغم من حجم الكارثة الأخلاقية الكبير، فإن الوزير لم يود، وهذا يمكن تفهمه، التطرق لمن كان السبب وراء هذا الانحدار الأخلاقي في مدارسنا، وكيف أصبحت الكويت في الدرك الـ127 في سلم الدول الفاشلة عالميا في التعليم وغيره، وكيف أن سبب ذلك، لمن لا يعرف أو يعرف وينكر، كما فعل «الأخ» المهندس، يعود لسنوات هيمنة القوى الدينية المسيسة على مقدرات وزارة التربية، بعد أن تحالف معهم رئيس وزراء سابق وسلمهم مقدرات الوزارة التي لم يطالبوا بغيرها! ولا يزال «فلول» الأحزاب الدينية يملؤون أروقة الوزارة، ويمسكون بالكثير من مفاصلها الحساسة، وزيارة واحدة لمكاتبها والنظر الى أشكال من يشغلونها كاف لمعرفة انتماءاتهم. ولا ننسى أن جمعية المعلمين لا تزال ومنذ ثلاثة عقود تئن عظامها من ضغط الإخوان وسيطرتهم على مقدراتها، فالغش الذي نراه الآن هو وليد سنوات سيطرة القوى الدينية المسيسة على التعليم، واسماء أولئك الحزبيين الذين وضعوا المناهج الدراسية معروفة، ويعلم كل ناكر للحقيقة من السلف والإخوان والتلف أن وزراء التربية من حسن الإبراهيم الى أحمد الربعي، مرورا بنورية الصبيح وموضي الحمود، مع الاحترام الشديد لهم، ولسيرهم، لم يكن بمقدورهم الاقتراب من واضعي المناهج، وبالتالي بقي هؤلاء شوكة في حلق كل وزير، سمي بليبرالي، إلى أن غيرت السلطة «جزءا» من فكرتها عن الإخوان في الأشهر القليلة الماضية! ومن قرأ تحقيقات القبس الواسعة والقوية، في مايو الماضي، وعلى مدى أيام، والتي تعلقت بمناهج التربية يعرف جيدا اين بدأ التخريب، وكيف دفعت المناهج غير العملية الكثير من الطلبة لانتهاج الغش سبيلا للنجاح. وبالتالي لا يمكن توقع أي إصلاح حقيقي في التعليم، وغير التعليم، بغير تخلي السلطة عن جميع المنتمين للأحزاب الدينية، فقد تمت تجربة هؤلاء في كل مجال، وكانت النتائج أكثر من كارثية.
أحمد الصراف