نستكمل النقاط التي بدأناها في المقال السابق:
سادساً: إن استمرار الدولة الدينية في إيران مثلا لأكثر من 30 عاما، وهي تجربة الحكم الإسلامية الأولى والوحيدة حتى الآن، لا يعني صحة الفكرة بقدر ما يعني أن من وصل للحكم هناك، عرف منذ اليوم الأول أن استمراره مرتبط باستمرار استخدامه للحديد والنار، والقتل والسجن والنفي لمناوئيه، ومتى ما توقفت أو انتهت دكتاتورية المرشد والملالي في إيران، فإن الدولة الدينية ستنهار خلال ساعات، وليس في هذا أي مبالغة، خاصة أن الحكم الديني فشل في تحقيق الرخاء الذي وعد شعبه به، واستبدل السافاك بالمخابرات التي أصبح لها وزير متفرغ!
سابعاً: ما الذي سيقوله الآن من «ادعوا» بأن حكم محمد مرسي كان مدعوما بشرعية إلهية ونبوية؟ وما الذي سيقوله ذلك التافه الذي ادعى أن «جبريل» نزل على أحد مساجد القاهرة، ليطلب من المصريين تأييد حكم مرسي؟ أو رجل الدين الذي حلم بأن النبي طلب من محمد مرسي، وهو جالس بين جماعة في مسجد، أن يكون إماما عليهم؟!
ثامناً: إن على كل من كتب وادعى بأن مبارك انتقل من القصر إلى السجن بمؤامرة أميركية، وأن الثورة في مصر كانت مؤامرة أميركية وأن خطف «الإخوان» لها وحكمهم لمصر كان بناء على خطة أميركية، فإن على هؤلاء مراجعة سابق كلامهم، فالشارع المصري قبل سنة فقط كان مهيأً لوصول «الإخوان»، لكونهم الجهة الوحيدة التي كانت وقتها منظمة لتسلم الحكم، بعد انهيار عهد مبارك! وعندما اكتشف الجميع تقريبا أن «الإخوان» ليسوا فقط مثلهم مثل غيرهم من سياسيين متحذلقين وصوليين، بل وأصحاب فكر خاوٍ خالٍ من أي محتوى مفيد، سقطت دولتهم! ولا ننفي هنا وجود خطط غربية، وليس بالضرورة مؤامرات، تستفيد من ضعف أوضاعنا وتفرقنا وتشرذمنا، بحيث أصبح الخطر الشيعي فجأة أشد وأكثر خطرا على الأمة الإسلامية، كما روّج القرضاوي وغيره من مثيري النعرات، ومؤججي الصراعات الطائفية، من بقية الأخطار الأخرى!
تاسعاً: ليس من طبعنا الاستهزاء أو الشماتة بأحد، حتى لو كان صاحب مكتب هندسي ربى لحم كتفه من الحكومة، فلما اشتد ساعده رماها، ولكن من الغريب حقا أن يستمر هذا الجهل ومعه الإيمان بأن هؤلاء قادة ومنظرون، وليسوا انتهازيين! ولعل في انهيار حكم «الإخوان» بارقة أمل في أن يعي الموهومون حقيقة هؤلاء «القادة»!
عاشراً: وقوف حزب النور السلفي ضد «الإخوان» خير دليل على أن المسألة لا علاقة لها بالدين، بل سياسة في سياسة، وسيفعل «الإخوان» بهم الشيء ذاته يوما، إن عادوا للحكم!
وأخيرا، قد لا تهدأ الأوضاع في مصر، وقد تتحول إلى باكستان أخرى. وقد يكون المخرج الوحيد اعتراف «الإخوان» بأن الدولة الدينية، بالمفهوم العصري، لم توجد أبدا، ولا يمكن أن توجد، وإن وجدت فلن تستمر! ولكن هل بإمكانهم معرفة هذه البديهيات، وهم الذين لم يجدوا أفضل من مرسي رئيساً يمثلهم؟
أحمد الصراف