طغى المشهد المصري على كل ما سواه من أحداث عربية وعالمية، فمصر بلاشك دولة إقليمية كبرى ولها وزنها في السياسات العالمية. فبعد ازاحة الرئيس مرسي هدأت نوعا ما حرب الميادين في مصر، فـ«الإخوان المسلمين» وصلوا الى السلطة أخيرا بعد كفاح سياسي طويل ومكلف ولن يتنازلوا عنها بسهولة، فلا أحد يجادل في شرعية الرئيس مرسي الدستورية، ولكن في نهاية المطاف انقلب مزاج الشارع ضده، وكان لابد أن يرحل، فالأمة دائما وأبدا هي مصدر السلطات والشرعية.
لا أحد يتنازل عن الحكم طواعية لخصومه، ولكن عندما يكون الخيار بين الخروج طواعية وحقن دماء المصريين وتفويت الفرصة على من يراهن على الاقتتال الداخلي وتشويه سمعة الإخوان المسلمين، وبين التمسك بسلطة زائلة لا محالة ـ وحكم بلد ممزق بعد أن تشتعل فيه لا سمح الله ـ الحرب الأهلية والدينية.
يجب أن يستوعب إخوان مصر الدرس من إخوان تركيا، حيث لم يسمح الجيش التركي والقوى العلمانية المتطرفة من أن يحكم الإخوان في تسعينيات القرن الماضي ولم يقاوم إخوان تركيا تلك السياسة الإقصائية بالقوة والعنف بل بالحكمة، فتنحوا جانبا من الرئاسة في زمن نجم الدين أربكان، وقاموا بتدعيم شبكة حزبهم الإسلامي في البرلمان والبلديات وعن طريق نشر أفكارهم وطرحهم العقلاني حتى أصبح إخوان تركيا الآن أقوى بكثير من العلمانيين والجيش معا.
يبدو أن الخيارات المتاحة أمام الإخوان في مصر محدودة، فإما التمسك بالسلطة الآنية مع خراب البلاد والعباد أو التنازل عنها مؤقتا وترتيب الأوضاع وتسجيل موقف مشرف.