لو قيل لي أن أعيش بمبلغ 666 فلساً يوميا؛ فسوف أقسّمها بالشكل التالي: 300 فلس، هي عبارة عن وجبات الإفطار والغداء والعشاء، بمعدل 100 فلس لكل وجبة، 200 فلس أجمعها يومياً ولمدة شهر كامل كي أتمكن من جمع 6 دنانير أضمن بها إمكانية شراء الحاجات الأساسية الشهرية كالمنظفات ولباس يقيني البرد للشتاء وغيرها من مستلزمات، فيتبقى لي 166 فلسا، 100 فلس أوفرها لنفسي لأي طارئ صحي أحتاج إليه كعمل أشعة أو شراء الدواء و66 فلساً أجمعها لأهلي، فتصبح مع نهاية الشهر ديناراً و980 فلساً، أذهب إلى أي شركة لتحويل الأموال فتطلب مني دينارين عمولة تحويل، وهذا يعني أنني سأجمع أموال الشهر الأول لضمان التحويل، وأقوم الشهر التالي بتحويل دينار و980 فلساً، بمعنى أن أهلي سيعيشون على دينار و980 فلساً لمدة شهرين بمعدل 33 فلساً يوميا، هذا بالطبع في حال أنني أسكن بالمجان. هذا المبلغ، الذي لا يستطيع أي مخلوق العيش به، هو المبلغ الذي يتقاضاه الآلاف من العمالة في الكويت، فهم يتقاضون 20 ديناراً فقط شهرياً… والله العالم كم يخصم منها، بسبب بعض الجشعين الذين لم يجدوا ما يغنيهم سوى سرقة قوت البشر ممن جعلتهم الفاقة والبحث عن لقمة العيش يقعون بين فكّي بعض مصّاصي الدماء، أملاً في أن يجدوا بدولة كالكويت مسلمة ومسالمة العيش الطيب الهانئ، لكن هيهات أن يتحقق لهم ما يريدون وبيننا من يعيشون على الظلم، وتفتح لهم أبواب الجشع كلها، كي يهنؤوا بما يسرقونه من الفقراء الضعفاء. المشكلة أننا نريد من هؤلاء المساكين غير المتعلمين أن يتصرفوا بحضارية في مجتمعنا، وأن يساهموا في ارتقائه ونحن نحرمهم أبسط حقوق العيش وأدنى متطلبات الحياة، فليتفكر كل منا ماذا سنفعل لو كان نظام حياتنا على طريقتهم، ومع ذلك نعامل بازدراء واحتقار من الكثيرين في الأماكن الحكومية كالمستشفيات أو المخافر أو غيرها من مؤسسات الدولة. «من أنت؟ وماذا تكون؟ ومن أين أتيت؟ هذا لا يعني شيئا في الكويت، أنت في الكويت وهذا يفي بالغرض، مستشفيات، ومستوصفات، وعيادات أطباء باطنية، وجراحون واختصاصيو نظر، ومدارس مزودة بمطابخ، وجامعات… كل ذلك تحت تصرفك التام وبلا شروط أو مقابل، وحين تتماثل للشفاء بعد أشهر من الإقامة في المستشفى تتلقى بدلا من الفاتورة أصدق التهاني». «الله وهبنا هذا الثراء الطائل… وأنت أيها الغريب لك أن تشاركنا ذلك، فأنت ضيفنا… بذلك يضرب الكويتيون مثلاً للعالم ولا يفرضون شروطا لقاء ذلك". الاقتباس السابق هو ما كتبه جون هنري ميلر في منتصف القرن الماضي عن الكويت، ولكننا للأسف أفضل وأسرع دولة في التخلف والرجوع ولا أعتقد أن يضاهينا بالعالم أحد. ضمن نطاق التغطية: ما سبق هو مقال كتبته ونشر قبل خمس سنوات تقريبا بتصرف محدود وللأسف، فإني أجد نفس المعاناة مستمرة، وما زال الإنسان في الكويت لا قيمة له، مبارك عليكم الشهر.
اليوم: 3 يوليو، 2013
أيها السادة.. مصر في خطر!
ما يحدث في العزيزة مصر يهدد بخطر شديد، وما بناه الاخوان المسلمون في اكثر من 80 عاما يهدمونه وبكفاءة شديدة في اقل من عام عبر اختياراتهم الخاطئة للاشخاص والسياسات، وفهمهم القاصر للعملية الديموقراطية، وقلة خبرتهم بالحكم ورفضهم مشاركة الآخرين لهم ورغبتهم القوية في احتكار العمل السياسي لهم وحدهم، والعند والمكابرة والتحجج بالشرعية الدستورية امام ثورة شعبية عارمة، وهو منطق لو صح لما سقط النظام الشرعي والدستوري للرئيس حسني مبارك.
***
والرئيس د. محمد مرسي هو اول رئيس في تاريخ مصر يؤدي قسم الرئاسة امام الجماهير بميدان التحرير، وهو ما يدل على انه اختار بمحض ارادته ان يستمد «شرعيته» من الميدان، والرئيس د.محمد مرسي هو من اختار بمحض ارادته كذلك ان يجيب ابان حملته الانتخابية عن سؤال للزميل خيري رمضان على قناة CBC حول ما سيقوم به فيما لو اختير رئيسا للجمهورية واحتشدت الجموع تطالب برحيله، فأجاب نصا «حينذاك انا اول من سينزل عند ارادة الشعب ويستقيل»، وقد لقيت اجابته التصفيق الحاد من انصاره من الاخوان.
***
واذا كان عدم قول الحقيقة قد اسقط الرئيس نيكسون اعظم رئيس لأعظم امة، فقد تكررت تناقضات ما كان لها ان تحدث في عصر «التويتر» و«الفيسبوك» والانترنت التي تلحظ وترقب حتى دبيب النملة، فمن الادعاء بالعمل لدى وكالة «ناسا» للفضاء الى الانكار التام لذلك، ومن القيام بقطع العلاقات مع سورية بقصد اظهار عدم الرضا عنها الى القول ان مواقف مصر تتطابق مع مواقف روسيا فيما يخص الوضع السوري (!)، ويمتد الامر للاتهام العلني للفريق احمد شفيق الذي كذبته شركة «بوينغ» للطائرات مما دعا البعض الى القول: يا ليت من ألقى الاتهام دون بينة ان ينجز لمصر 1% مما انجزه الفريق شفيق لقطاع الطيران في مصر.
***
وقد زاد الطين بلة زيادة العجز في الميزانية من 135 مليار جنيه الى 225 مليارا وانهيار السياحة وتدهور سعر العملة وانقطاع الكهرباء وزيادة البطالة واختفاء المحروقات وحرق مقار الاخوان في وضع اشبه بحرق مقار الحزب الوطني قبل عامين والتمسك بحكومة قنديل رغم تزايد اعداد الوزراء المستقيلين منها، وبوادر التصادم مع الجيش والقوى الامنية حتى بات المراقبون يرون ان الحل يكمن في تشكيل حكومة ائتلافية جديدة ترأسها شخصية غير اخوانية تمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة على ان يصدر عفو عام وحصانة دائمة وملاذات آمنة للرئيسين الحالي والسابق ومن معهما.
***
آخر محطة: أصبحت السفارة الفلبينية في الكويت مكتب عمالة آخر، حيث يتم تشجيع العمالة الفلبينية على اللجوء للسفارة بدعاوى زائفة، وبدلا من الاتصال بمن يعملون عندهم او تسفيرهم يتم توظيفهم بالعمولة وبطرق غير قانونية لدى الآخرين.. ومنا للخارجية!
قرن المرأة
لم تمر البشرية بقرن اكثر صخبا ودموية وتطورا وتقدما وازدهارا، اقتصاديا وصحيا وثقافيا، وانهيارا وموتا كالقرن العشرين. ففيه خاض العالم حربين عالميتين حصدتا ارواح عشرات الملايين، غير اضعافهم من الجرحى والمشردين، هذا عدا الحروب الثنائية الدامية، وآخرها حرب العراق وإيران التي حصدت أرواح أكثر من مليون «بريء»، بسبب جهل زعامات دموية فاشلة. وفي القرن الــ 20 نجح الأطباء في التوصل لأدوية وطرق علاج لعشرات الأمراض التي كان العالم يعتقد باستحالة شفاء المصاب منها. كما شهد القرن أكبر عدد من الانقلابات العسكرية، إضافة للانقلابات البشرية على قيم قديمة ومسلمات وأعراف لم تمس منذ قرون، وذلك بسبب انتشار الثقافة والعلم الذي بين الأسباب المناخية والطبيعية والعلمية وراء الكثير من الظواهر التي كان الإنسان يعتقد ان تفسيرها في علم الغيب، ولا يعرفه غيرعلام الغيوب.
وقد ارتفع دخل الفرد في ذلك القرن لمستويات قياسية مقارنة بما قبله، وشمل الرخاء أجزاء كبيرة من العالم، قابله صرف كبير على التعليم والسكن والسيارة والترفيه. كما زاد فيه عدد من يمتلكون مساكنهم، وزاد معدل عمرالإنسان بنسبة %30 وحتى %50 في بعض المناطق. كما زاد عدد سكان الأرض بشكل كبير نتيجة توقف الحروب وزيادة العناية الطبية. كما اصبح الجميع تقريبا يتذوق طعام الآخر، وأصبح أي مطبخ نادرا ما يخلو من مواد طبخ أو «بهارات» لم تكن معروفة لديه.
وأخذت الموسيقى، والعالمية بالذات، تأخذ دورها في التثقيف والترفيه، وهي التي كانت في القرن السابق له مقتصرة على صالونات استماع قليلة. كما شهد القرن انتشارا هائلا لاستخدام اللغة الإنكليزية التي اكتسحت اللغات الرئيسية الحية الأخرى، وكل ذلك بفضل ما قدمته اميركا للعالم في مجال الكمبيوتر والطب والفضاء. كما شهد القرن تغيرا في مفهوم الغنى والثراء، فبعد أن كان مرتبطا بتملك العقار ثم بالمصانع وغيرها، اصبح الثراء يتمثل في ما لدى الفرد من أوراق مالية، كأسهم وسندات. كما اصبحت الأسهم الأكثر قيمة والأعلى دخلا، تلك التي لا تمتلك شركاتها أي أصول محسوسة كالأراضي والسلع، بل شركات ورقية كالالكترونية أوالاتصالات وبرامج الكمبيوتر، وأصبح بيل غيتس، على سبيل المثال، مثال الغنى والثراء والكرم، وهو الذي لا يملك ربما عقارا غير بيته الذي يسكن فيه.
كما يمكن وصف القرن بأنه قرن المرأة لما حققت فيه من طفرات غير مسبوقة عبر نيلها كامل حقوقها كإنسانة لا تقل عن الرجل، إن لم تكن أفضل منه. ومن المحزن أن نجد أن وضعها في دولنا، وحتى في القرن 21، ليس سيئا فقط بل أصبح يميل في العقود الأخيرة للتردي عن بقية نساء الأرض، وما أصبح عليه وضع المرأة في افغانستان وإيران ومصروليبيا وتونس وغيرها خير مثال!
أحمد الصراف
الكفر بالديموقراطية
إذا سقط النظام في مصر بسبب غير السبب الذي وصل به إلى الحكم – وهو الانتخابات الحرة النزيهة – فهذا ستكون له انعكاسات خطرة ليس على مصر فقط بل على المنطقة العربية والاسلامية والعالمية كذلك. واول هذه الانعكاسات سيكون كفر الناس بالديموقراطية كاسلوب حياة وبالانتخابات كوسيلة لها! لان الناس لا يزالون يذكرون ما حدث في الجزائر قبل عشرين عاما عندما اجريت اول انتخابات تشريعية عامة في البلاد بعد حكم دكتاتوري متسلط استمر لعقود طويلة من الزمان ونجح فيها حزب اسلامي، هو جبهة الانقاذ، بقيادة الشيخ عباسي مدني، غير أن العسكر لم يمكنوه من الحكم، حيث اتهموه بتهم باطلة وانقلبوا عليه وزجوا بجميع قيادات الجبهة بالسجون وزوروا الانتخابات بعد اعادتها واعادوا الحكم الدكتاتوري من جديد.
اليوم يكاد التاريخ ان يعيد نفسه! فبعد ان وصل محمد مرسي الى الحكم في انتخابات لم تشهد لها مصر مثيلاً في نزاهتها وشفافيتها، وبعد ان اعطى للحرية معنى وشعر المواطن المصري للمرة الاولى انه آمن في بيته من زوار الفجر وزبانية النظام، وبعد ان خسر فلول النظام البائد كل الامتيازات الحرام التي كانوا يتمتعون بها والتي بسببها استولوا على مقدرات الشعب وجعلوه من افقر شعوب العالم، اليوم يتباشر المعارضون للرئيس المنتخب ببيان القوات المسلحة ويطالبون الجيش بالتدخل والانقلاب على الشرعية! وطبعا لو حدث ذلك لا قدّر الله فاننا لن نُفاجأ اذا سمعنا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي تبارك هذا التحول اللاديموقراطي وتدعمه، لان هذا بالضبط ما حدث بعد الانقلاب على الشرعية في الجزائر، حيث انكشفت الديموقراطية الغربية وظهر زيفها للعالم اجمع.
إن الانقلاب على الشرعية الدستورية، سواء بالعسكر او بالبلطجة والثورة المضادة، سيؤدي بالناس الى الكفر بالممارسة السياسية التي لم تعد تصلح كاسلوب حياة من خلالها يرتب الناس امور دنياهم، لان الذي يفشل في الوصول الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع لن يهدأ له بال الا بالانقضاض على الحكم بالقوة واثارة البلبلة والفتن في الشوارع واستجداء العسكر لالغاء المكتسبات الدستورية للشعب! واخطر ما في الامر ان الوسطية الاسلامية لن تجد لها مكانا في نفوس اتباع المنهج الاسلامي بل سيحل مكانها التطرف والعنف والقوة كوسائل لاغتصاب الحقوق المهدرة. وسيقول اتباع هذا المنهج لقد تبعناكم في الاسلوب الديموقراطي الهادئ لكن الايام اثبتت انه اسلوب فاشل، حيث البقاء في هذا الزمان للاقوى! (وبلا ديموقراطية وبلا بطيخ)، وسينتشر الفكر الذي نسميه اليوم بالمتطرف، وسيمارس اسلوب اقصاء الآخر كما مارسه دعاة الديموقراطية وحماتها عندما اقصوا الاسلاميين مع انهم هم الذين وصلوا إلى الحكم!
اللافت للنظر اننا لم نسمع من أدعياء الديموقراطية وحماة حقوق الانسان في الكويت تأييدا للشرعية الدستورية في مصر ولم نشاهد أياً منهم من طالب في كتاباته باحترام الارادة الشعبية والانتظار لحين انتهاء المدة الدستورية للرئيس المنتخب ثم اسقاطه بالارادة الشعبية! طبعاً نحن نعلم ان هذا لن يحدث لان أي لجوء للصناديق اليوم سيأتي بنتائج لا تناسبهم ولا تحقق حلمهم ومرادهم، لذلك لسان حالهم يقول اما ان تأتي الانتخابات بمن نريد واما «بلاش انتخابات ومرحى بالجيش!»، بقي ان ندلل على سوء التصرف ورداءة الموقف للمعارضين للشرعية عندما طالبوا بأمرين غريبين: الاول عمل استفتاء على الدستور بعد الغاء المواد التي لا تتوافق مع هواهم! وهم يعلمون جيدا ان الشعب المصري بكل فئاته قال كلمته في الاستفتاء على الدستور الجديد وباركه باغلبية واضحة! والامر الآخر انهم طالبوا بان يتولى رئيس المحكمة الدستورية ادارة شؤون البلاد الى حين انتخاب رئيس جديد! وهم يعلمون ان المحكمة الدستورية هي التي كانت تعطي حسني مبارك نتيجة %99.99 في كل انتخابات! لذلك لا نستغرب عندما تكون عودة النائب العام السابق احد مطالب المعارضة، كما ان مطالبتهم باقصاء جماعة الاخوان المسلمين من العمل السياسي امر يدلل على مدى ايمانهم بالديموقراطية واحترام حرية الرأي!
حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.