في الوقت الذي لا تلوح فيه أية مؤشرات تدل على أن البلد تسير في اتجاه الخروج من الأزمة السياسية، ومع تزايد تعقيد التبعات الكبيرة لهذه الأزمة، ومع إهمال المبادرات التي تقدّمها وتسعى لها الشخصيات الوطنية المخلصة من الطائفتين الكريمتين ومن كل التيارات كمجموعة «اللقاء الوطني»، وجد أنصار التدمير فرصةً سانحةً لبث سمومهم حال قراءتهم نصاً مأفوناً يتحدث عن تشكيل «أصدقاء البلدية» لمواجهة «المخربين» في مدينة المحرق.
بالطبع، ليس هناك أدنى حدٍ للمقارنة بين المبادرات الوطنية الرامية إلى إنقاذ البلد والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وبين «حمير الطائفية» الذين يستمتعون بادعاء الولاء المزيف وينفخون في نار الفتنة، والذي بادر رأس من رؤوسهم لأن يتساءل عبر حساب التغريد (تويتر): «تريدون جرحى أم قتلى؟»! أي أن أصدقاء البلدية، أو أصدقاء العضو كما سنعرفهم بعد قليل، لا يجب أن يكونوا محصورين في مدينة المحرق العريقة بمواقفها المشرفة، بل يتوجب أن ينتشروا في كل مناطق البلاد! ولا يجب أن يكون دورهم ملاحقة المخربين أو الإرهابيين أو مطلقي الصواريخ العابرة للقارات الذين يستهدفون المرافق الخدماتية، بل، وحسب تساؤل ذلك المعتوه، يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد للقتل وسفك الدماء!
في موضوع العنف والتخريب والتحريق وقائمة طويلة من المسميات، وجدنا فشلاً كبيراً في تطبيق منهج «الشراكة المجتمعية»، وهو أسلوبٌ حضاريٌ لم ولن تنجح فيه أية دولة عربية أو إسلامية لأنها أصلاً لا تدرك ماذا تعني الشراكة المجتمعية ولا تريد أن تطبّقه بأسلوبه الصحيح الذي ينطلق من جهود ممثلين عن كل فئات المجتمع يضعون المشاكل والظواهر على بساط البحث ويناقشونها ويضعون لها الحلول.
وفي شأن الموضوع ذاته، بدا موقف القوى الوطنية المعارضة ومعهم الرموز الوطنية، الدينية والسياسية، وكذلك منهج ودعوات الناشطين الحقوقيين والاجتماعيين والإعلاميين، كلها تصب في رفض العنف أياً كان مصدره، وجاءت وثيقة القوى الوطنية «وثيقة اللاعنف» واضحةً في هذا المسار، لكن تكرّرت الدعوات التي تطالب كل أولئك بإدانة العنف، وشخصياً، لم أجد مسئولاً أو باحثاً أو برلمانياً أو خطيباً ممن يؤجّجون المجتمع بخطبهم الطائفية، يدعو إلى ضرورة دراسة أسباب ودوافع بروز ظاهرة العنف ومناقشتها من كل جوانبها ووضع الحلول لها، وكأن مجرد تكرار المطالبة بإدانة العنف، دون البحث في مسبباته وإيجاد الحلول، هو الحل!
ولعلني أتساءل في رسالةٍ إلى من يهمه الأمر: «هل تريدون جرحى أم قتلى وفق دعوات مجرمة مدمرة للوطن؟ أم تريدون شراكة مجتمعية حقيقية، ودور لمنظمات المجتمع المدني والقوى الوطنية لإنقاذ الوطن؟ هل تريدون خطباء ومغردين وإعلاميين يؤججون الوضع بنَفَسٍ طائفي كريه بغيض، لتحقيق مآرب شخصية؟ أم تريدون صوتاً معتدلاً مخلصاً يهمه الوطن وشعبه؟». وبما أن مسئولية السلطة والموالاة والمعارضة وكل فئات المجتمع الفاعلة والموثوقة تتعاظم يوماً بعد يوم للخروج من هذه الأزمة، فعلى السلطة أولاً، أن تطبق القانون بعدالةٍ، وعلى الجميع، وأن تفتح المجال للمخلصين من أبناء الوطن، وتلقم حجراً أولئك الذين يدعون أنهم حريصون على سلامة الجبهة الداخلية كذباً وزوراً من جهة، ويتحركون لاقتناص كل دعوة إلى الدمار وسفك الدماء من جهة أخرى.
وكان لافتاً أن أصوات المخلصين، من أبناء الطائفتين الكريمتين من أهالي المحرق ومن مختلف مناطق البلاد، ارتفعت لترفض بشدة جرّ المجتمع إلى صدام دموي طائفي، أياً كانت التسمية، وهو موقفٌ أظهر وعياً كبيراً يُسفّه الخطابات الإعلامية والصحافية التي تصل في سخافتها إلى حد جعل المواطن الشريف يتقزّز مما تطرحه من قذارات، وكأن هذه الصحيفة أو تلك حاوية قمامة تتقبل كل ما يلقى فيها. إلا أن أثر ذلك الموقف المشرّف من المخلصين كان كبيراً، ورسالتهم وصلت، ثم جاء تصريح عضو مجلس بلدي المحرق الأخ محمد عبدالله المطوع يوم أمس في الصحف، لينفي ما نشرته تلك الصحيفة التي قالت أنه «تم منح صلاحيات خاصة لأعداد من مواطني المحرق لوقف أعمال التدمير والتخريب المتصاعدة في المدينة.. وقد أصدرت بطاقات هويات لهؤلاء المواطنين تخوّلهم توقيف المشتبهين إلى حين وصول الشرطة، ويهدف مشروع «أصدقاء البلدية» الذي تم إطلاقه في مناسبة حضرها وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي إلى حماية الحدائق العامة والشوارع وشبكات الصرف الصحي ومحطات الكهرباء الفرعية من عبث المخربين». انتهى الاقتباس.
المطوع، عضو مجلس بلدي المحرق، في رده على ذلك الخبر، صحّح أولاً التسمية! فليس هناك شيء اسمه «أصدقاء البلدية»! بل «أصدقاء العضو البلدي»، وهم مجموعة من المساعدين المتطوعين للعضو البلدي لأجل إشراك المواطنين والأهالي وتفعيل «الشراكة المجتمعية» ولا علاقة له بوزارة البلديات فضلاً عن أية جهة أخرى! وإذا كان البعض قد اعتبر هذا التصريح «ترقيعاً»، إلا أن آخرين حملوه على حسن النية، لكن كان من المفترض أن يعلن المجلس البلدي هذا المشروع للرأي العام ويعرفهم به من خلال اللقاءات ووسائل الإعلام المتعددة، إذا كان فعلاً يرتكز على مفهوم الشراكة المجتمعية الصحيح، ولكونه (الخطوة الأولى على مستوى المملكة)، ما كان يجب أبداً أن يظهر للرأي العام (أولاً)، على أنه شكل من أشكال الفتك الشديد بالسلم الاجتماعي.
ترى، هل ستضع الجهات المعنية في اعتبارها، ووفق القانون، مساءلة كل من أثار هذه البلبلة المأفونة كونها «فعلاً مجرماً» يهدف إلى مضاعفة التأزيم في مجتمع لا يدري إلى أين يسير؟