الوضع السياسي في الكويت لم ولن يتحسن كثيرا بالرغم من القرارات السياسية الأخيرة، والتي كان أهمها تغير قانون الانتخاب، فمازال مجلس الأمة دون مستوى طموح المواطنين الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة ولم يقاطعوها، ودون أيضا طموح الحكومة التي توقعت سهولة السيطرة عليه.
فرغم غياب التمثيل السياسي للتجمعات السياسية والاجتماعية الكبيرة في المجتمع الكويتي داخل البرلمان لمقاطعتها الانتخابات الأخيرة تضامنا مع المعارضة التقليدية واعتراضا على مرسوم القانون الانتخابي الجديد، إلا أن مسلسل الإثارة والتأزيم السياسي مازال مستمرا بين البرلمان والحكومة.
يبدو أن كل الفرقاء السياسيين باتوا في حيرة من أمرهم، حيث لم تفلح جهود المعارضة التقليدية ومقاطعتها للانتخاب في إسقاط المرسوم الانتخابي ذي الصوت الواحد.
وكذلك نواب البرلمان الجديد أيضا لم يستطيعوا تحقيق أي إنجاز يحسب لصالحهم، وهم غير قادرين أيضا على التعاون مع الحكومة.
ويبقى موقف الحكومة هو الأكثر صعوبة، فرغم غياب المعارضة التقليدية التي لطالما استخدمتها الحكومة كشماعة تعلق عليها أي إخفاق، إلا أنها ابتليت بنوع جديد من المعارضة داخل البرلمان الحالي لا يمكنها التعامل معه، لأنه لا يهتم بإصلاح الأخطاء، بل يستهدف فقط تصفية بعض الوزراء سياسيا.
بات من المؤكد أن كل الأطراف (المعارضة ـ والمعارضة الجديدة ـ الحكومة) لا تملك حلولا جذرية لمعالجة الأزمة السياسية، ولم يعد أمام الجميع سوى استخدام العلاج السحري «الكورتيزون السياسي»، فجميعنا يعلم أن دواء الكورتيزون الذي يستخدمه الأطباء لبعض مرضاهم له خطورة على صحتهم، إلا أن الأطباء أحيانا يضطرون له، وخصوصا بعد عدة محاولات علاجية فاشلة.
وكذلك يجب أن يفعل رجال السياسة سواء في المعارضة أو الحكومة، وبعد أن فشلت جهودهم في التعامل مع مشكلاتنا السياسية بالطرق الاعتيادية (الاعتراضات والعرائض ـ والاقتراحات والمراسيم)، فبات من الضروري أن يلجأوا إلى الكورتيزون السياسي وهو «اتخاذ قرارات تغيرية إصلاحية وشاملة تكون حاسمة وخطرة أحيانا ، لكي لا تتحول المشكلات السياسية إلى أمراض سياسية مستعصية».
وكما أن الكورتيزون الدوائي «ذو تأثير سريع وسحري ويعالج كل شيء»، وكذلك هو الكورتيزون السياسي، فعند تطبيق قرارات «التغير السياسي»، فإننا سنلاحظ تأثيراتها السريعة أيضا، فالقرارات التغيرية كالتعديلات الدستورية أو تغير قوانين الانتخاب من شأنها أن تحدث انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية سريعة وذات تأثير عميق جدا، ولعلنا شاهدنا جمعيا تأثير مرسوم قانون الانتخاب الجديد والمفاجئ وتأثيره الكبير جدا على التركيبة السياسية لمجلس الأمة، فضلا عن ردة الفعل الشعبية السريعة وما نتج عنها من انقسام سياسي حاد في المجتمع وبعد إقراره مباشرا.
ختاما: الكورتيزون الدوائي سلاح ذو حدين إن أحسن استخدامه أفاد، وان أسيء استخدامه أدى إلى عواقب وخيمة، ولكن حياة المريض مهمة أيضا، ومن الخطأ الاستمرار في علاجه بنفس الأدوية التقليدية التي أثبت أنها لا تزيل أو تقلل من المرض.
وكذلك الكورتيزون السياسي، فيجب عدم استخدامه إلا في الحالات السياسية المستعصية على العلاج العادي، كما يجب التأكد من مقدار التغير السياسي المنشود لتحديد الجرعة الكورتيزونية المطلوبة، لأن النتيجة ستكون حاسمة بين اثنتين لا ثالث لهما.. إما النجاح المشرف أو الفشل المكلف.
ومنا إلى الحكومة والمعارضة والبرلمان، نحن بحاجة إلى قرارات جذرية «كورتيزون سياسي» وفورا، لعلاج الحالة السياسية الكويتية المرضية التي سئمناها جميعا.