أسئلة ثلاثة سأنثرها هنا وسأجيب عنها، بحسب رأيي…
السؤال الأول: "بعد كل هذه الأخبار والمواد التي عرضتها وسائل الإعلام عن "شخصية" هذا البرلمان ونوابه وهيبتهم في عين الحكومة، أو قل عن "ازدرائهم" من قبل الحكومة، وبعد كل هذه الفضائح المالية لبعض النواب وسلوكهم، وبعد كل هذه النكسات والوكسات ومستوى غالبية نواب هذا المجلس… هل لو عاد الزمان بناخبيهم هل سيفعلون ما فعلوا ويعيدون انتخابهم أم أنهم نادمون؟". إجابتي: "نعم، فالناخبون الذين شاركوا في الانتخابات السابقة المرفوضة شعبياً يعرفون جيداً "البير وغطاه"، ولا أبالغ إن قلت إن غالبية الناخبين شاركوا لهذا السبب، أي شاركوا بسبب معرفتهم بـ"البير وغطاه"، لذا قرروا رفع الغطاء والغرف من البير، فالنائب يمثل شخصية الناخب، وهو النسخة النيغاتيف من النائب قبل التحميض".
سؤال آخر: "لو تكشفت فضائح أخرى أكبر من الحالية عن بعض النواب، هل سيعاد انتخابهم؟ وهل تؤثر في قرار غالبية ناخبي هؤلاء النواب؟"، إجابتي: "لن يتغير شيء ولن تعطس نملة، وسيعاد انتخاب النائب المفضوح، بل قد تجلب له فضائحه المالية أصواتاً انتخابية أكثر، فللحرامي عشاق ومريدون يعرفون كيف يتبادلون معه التحايا والهدايا".
سؤال ثالث: "لو قامت المحكمة الدستورية بتحصين "مرسوم الصوت الواحد"، هل سيستمر المقاطعون في مقاطعتهم؟"، الجواب: "سينقسم فريق المقاطعين إلى ثلاثة أجزاء، جزء ثابت على موقفه ومبدئه، وهذا هو الجزء الأكبر والأشرس، وجزء سيسارع إلى المشاركة، وهذا هو الجزء الذي قاطعَ وتوارى عن الأنظار وعن أعين المارة كي لا يخسر السلطة ومصالحه معها، والجزء الثالث سيقف في المنتصف ويحكّ رأسه ويفكر، وسيصيبه الصداع، وسترافقه حبوب البانادول، فهو "مشتهي ومستحي"، وموقفه ليس مبدئياً بشكل كامل. وهذا الجزء سيعتمد في قراره النهائي على نوعية الحراك الشعبي ومستجدات الأحداث، وهو ما ستتصارع عليه الجبهتان، جبهة المعارضة الحقيقية وجبهة السلطة بكل جحافلها وفيالقها المالية والإدارية".
اليوم: 16 مايو، 2013
دون كيخوتات السياسة الكويتية
لا يمكن أن نحمل الحالة السياسية اليوم محمل الجد، فلا الاستجوابات الخاوية من هذا المجلس، ولا الردود الحكومية "الزعلانة" من عقوق الابن المجلسي تستحقان أن نقرأهما بجدية، وأنهما يمثلان ما يجري على أرض الحقيقة. وليد الطبطبائي النائب السابق وصف الحالة السياسية بأنها "فصل من مسرحية"، أما خالد السلطان فقد قال عن الوضع إنه "شيوخ يطقون بعضهم"، ووصفها الزميل بدر الديحاني في مقالته بالأمس بأنها "مسرحية سمجة". كلها أوصاف، برأيي، معبرة عن مهزلة الوضع الكويتي، فأي عاقل سيصدق أن تحميل وزير النفط وزر "الداو" هو عمل وطني مستحق، وأن النواب الذين يقدمونه يريدون فعلاً حماية المال العام، ولا يختلف الأمر عن الاستجواب الأجوف المقدم لوزير الداخلية، الذي ربما يستحق الاستجواب، لكن ليس للأسباب التي تقدم بها نواب "العرضة" البرلمانية.
من جديد، أسأل إن كان علينا أن نحمل ما يجري اليوم محمل الجد، ونكتب عنه، ونقلق من أجله، أم إن الأمر كله لا يعدو عن إضاعة وقت في بلد، لا تعرف إدارته معنى الوقت. هي مسرحية كاملة، وليست فصلاً من مسرحية، هي مسرحية تجري فصولها في روضة أطفال، لا ينقصها غير كلمات تشجيع من الفاضلة "ماما أنيسة" الله يذكرها بالخير، وهي تقول لأبطالها "شاطرين يا أطفال يا حلوين"! لكن أطفال اليوم الذين يعتلون المسرح السياسي لا يشبع نهمهم أن يقال لهم "يا أطفال يا حلوين"، يريدون أكثر بكثير من كلمة "الحلوين" تخرج من فم الماما، يريدون أن يكونوا أبطالاً من دون ساحة قتال وقضية يناضلون من أجلها، يريدون حصصهم في اللمعان السياسي في مكان محاصر بالصدأ، يريدون "المعلوم" من الكعكة الوطنية حالهم حال غيرهم الذين سبقوهم، والذين سيأتون بعدهم، بإذن الله.
كيف تدار هذه الدولة، وهل هناك منهج، ورؤية للمسقبل وتحدياته؟! وهل توجد لدينا "مؤسسات حقيقية" تضع حدوداً وإجراءات ملزمة لإدارة الخلافات والصراعات السياسية بين الأقطاب الكبار من جهة، وتثبت اليقين القانوني في وجدان الناس؟! هل يرى هؤلاء الأقطاب أن هذه دولة، تواجهها تحديات وجودية، ليست من الخارج، كما يروجون، وإنما من الداخل، ومن فوضويتهم وأطماعهم في السلطة، أم إنهم يرون أنها مزرعة و"ياخور" كبير خاص بهم، اختلفوا على ملكيته…؟!
أم آن الوقت كي نصرخ: بأننا سئمنا هذا العبث في إدارة الدولة، ومللنا إعادة قراءة فصول رواية "دون كيخوتات" الكويت… بعد ذلك أسألكم: هل تأخذون ما يحدث اليوم مأخذ الجد؟
مصنع الفقهاء
لا أدري كيف تقبل بعض الصحف نشر اعلانات أقل ما يقال عنها وعن مضمونها انها لا تتفق والمصلحة العامة، ولكن هذه قصة أخرى. فقد ورد في اعلان ملون غطى ربع صفحة دعوة صريحة للشباب الذكور من سن 16 وحتى 20 عاما للتسجيل في دورة «المفاتيح» لفهم القرآن والسنة، ولتكون تلك خطواتهم الأولى ليصبحوا «فقهاء» المستقبل! ولكي يمتلك المشارك المراهق في الدورة «مفاتيح الفهم» فقد طلب الاعلان منه التواجد في وقت محدد في «المسجد الكبير» لاجراء امتحان القبول له، فان اجتازه، فسيعني ذلك أنه سيحظى بالفوز برعاية «الدكتور فلان» له لفترة ثلاث سنوات.. مجانا، ولتكون تلك خطوته الأولى لكي يصبح.. «فقيها»!
لا أحد يود التفكير في مثل هذه المشاريع ولا في خطورتها، فكيف يمكن لصبي لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر بكثير فهم المسائل الدينية وتعقيداتها الفقهية تحت اشراف من يكون هو بحاجة الى اشراف ورشاد، حتى ولو ادعى حمل أعلى الشهادات الصحيحة أو المشكوك في جدواها؟ وكيف اصبحت معرفة دورة المفاتيح أهم من دورة الطب والعلوم الأخرى التي نشكو من نقص كبير فيها؟ وكيف نتفرغ لمثل هذه الدراسات وليس بين المليون و200 ألف مواطن، وبعد ما يقارب السبعين عاما على بدء تصدير النفط مهندس واحد يعرف كيف يستفيد بطريقه اقتصادية من كميات البترول الثقيل التي تتراكم لدينا ولا نمتلك تقنية الاستفادة منها؟ وما الضمان أن هؤلاء «الشباب الذكور» لن ينحرفوا، أو يتم غسل ادمغتهم ودفعهم للقيام بعمليات مشبوهة لمصلحة هذه الجهة أو تلك؟ وما الذي يمكن أن نجنيه من فقه او فهم متخصص في أي مجال من مراهق بعد استماعه لـ«دكتور» لثلاث سنوات، أو حتى لثلاثين سنة؟ ان هذه الأمور يجب عدم السكوت عنها بأي حال، ويا ليت جهة ما تتحرك وتتساءل وتسأل اصحاب تلك المبرة عما يهدفون له من وراء اعلانهم، وما الذي يمكن أن ينتهي اليه مصير شاب جلس مع من لا يكبره بكثير -ثلاث سنوات، ثم ماذا؟ أليس من الأجدى توجيه طاقات هؤلاء الشباب لأنشطة ومجالات نحن بأمس الحاجة اليها، لكي لا يأتي يوم نتباكى فيه على مصير أبنائنا في سجون الدول الأخرى، ونطالب حكومتنا بالتدخل لاطلاق سراحهم؟ أوَلم يحن الوقت ليصبح لدينا «كويتي وأعمل» بدلا من «كويتي وافتخر»؟
يقول المفكر الايراني الراحل علي شريعتي: خير لك أن تقضي وقتك بالسعي لادخال نفسك الجنة، على السعي لاثبات أن غيرك سيدخل النار!.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com