أكبر عباءتين في الكويت، عباءة الدين وعباءة الليبرالية، وكل عباءة مربحة، وكله بيكسب، وتخالف الأول فتخرج من الدين سلطاً ملطاً، وتخاصم الثاني فتسقط إنسانيتك على أم وجهها…
وتستيقظ من نومك فتجد نفسك عدواً للإسلام والمسلمين، وشلّ الله يمينك يا زنديق. ليش؟ لأنك خاصمت النائب الإسلامي فلان. وتنام وتستيقظ مرة أخرى بيدك المشلولة فإذا أنت إرهابي معتق، ترعرعت في الخنادق وتعلمت على البنادق. طيب ليش؟ لأنك انتقدت النائب الليبرالي علان… وهكذا تتأرجح ويتبادلك أصحاب العباءتين ككرة التنس.
وأكثر من أبدع في هذا المجال هو الوزير السابق، علي البغلي، المحلل السياسي الحالي، أو هو لفرط عظمة تحليلاته يمكن أن نسميه "محلال" على وزن "مفضال" إذا لم تخني اللغة، واللغة خوانة… والبغلي ليبرالي يفتح على ثلاث جهات، الشرق والشمال والغرب، ولا يفتح على الجنوب، وآه من أهل الجنوب، ومن هوى الظبي اللعوب، والغرب وسيلة، والشرق غاية، وهو يكتب عموده الصحافي منذ سنين، وفيه انتقد زيداً وعَمْراً، وانتقد خصوم الشيوخ، وهاجم كل متدين وكل من يرتدي عباءة الدين من الطائفة السنية، لكنه، بسبب النسيان، لم يتطرق ولم يتعرض للطائفيين من أبناء طائفته، قاتل الله مشاغل الحياة.
وأنا أحد الذين يعانون مرض النسيان، ومنذ فترة داومت على تناول حبوب الـ"أوميغا"، وشعرت بتحسن، خصوصاً بعد حصولي على نوعية فاخرة من الحبوب الصينية، وسأهدي علبة منها للمحلال السياسي علي البغلي، علها أو لعلها تساعده وتذكّره بما نسي.
الطريف أن المحلال البغلي عضو في مجموعة تضم عبدالحميد دشتي ونبيل الفضل وآخرين عُرف عنهم نظافة المخبر والمحضر، ويا وجه الله.
على أن أجمل تحليلات المحلال، وأعظم اكتشافاته، هو ما جاء في مقالته قبل يومين، التي قرأتها فبكيت حتى جعت، عندما وصف هذه الجريدة بجلالة ليبراليتها، عليها من الله ما تستحق، بأنها تساعد الإخوان المسلمين! أي والله.
ولا أدري كيف اكتشف ذلك رغم كل هذا التمويه الذي مارسته هذه الجريدة طوال السنين الماضية بنقدها الدائم للإخوان المسلمين!… وبما أن الأقنعة سقطت فسأكشف للمحلال العظيم حقيقة الزملاء في هذه الجريدة، فرئيس التحرير خالد الهلال هو صاحب فكرة تعديل المادة الثانية وإضافة "ألف ولام التعريف"، وناصر العتيبي سكرتير التحرير هو الداعي الأكبر لعدم الاختلاط خشية الانفلاط (معلش لزوم القافية) وسعود العنزي، مساعد مدير التحرير يعمل مساء في المبرة الخيرية التي تجمع النذور والكفارات، ومنها يتم تمويل الجريدة وصفحة توابل… والسر عندك بالأمان.
ممتع هذا المحلال، وأخشى أن يفاجئنا بكشف عضوية عبدالله النيباري في جمعية إحياء التراث، أو فضح ميول أحمد الديين القاعدية… وفوق كل ذي علم عليم.
ولا أجد طريقة أعبر بها عن إعجابي بتحليلات المحلال ومقالاته أفضل من طريقة "الرقاة الشرعيين"، وطريقة الأم وهي تنفث في وجه ابنها خشية الحسد… لله دره.
اليوم: 9 مايو، 2013
الداوات مستمرة
لم تعد القضية مسألة "خمال" سلطة حاكمة، وفساد دولة، هي اليوم قضية وجود الدولة، هي قضية بقاء الدولة وتوفير الحد الأدنى من الضمان الاقتصادي لمستقبلنا، ومستقبل أجيالنا. دفعت الدولة بالأمس أكثر من ملياري دولار، تنفيذاً لحكم التحكيم في دعوى "الداو"، فهل انتهينا، وهل انتهت دورات فوضى الفساد والترضيات، وشراء الولاءات، وغياب مؤسسات حقيقية للرقابة والشفافية؟! مازال الذين في قلوبهم مرض يختصرون مأساة الداو، في هذا النائب أو ذاك من المجالس السابقة، ويغطون، متعمدين وبنوايا سيئة، فضيحة "الداو" وغيرها بموقف أحمد السعدون أو مسلم البراك، أو الأربعة، (أو أكثر قليلاً) من نواب عارضوا صفقة الداو، وهددوا رئيس الحكومة، في ذلك الوقت، بالمساءلة السياسية، فلم تجد الحكومة المسكينة بدّاً غير فسخ عقد "الداو" من جانب واحد، ثم تركت "القرعة ترعى"!.
طبعاً، لم يتحدث هؤلاء المرضى المتورمة كروشهم من كرم السلطة، عن الحقائق في عقد الداو، والشرط الجزائي للفسخ ومدى علم النواب به، ولم يتحدث هؤلاء المرضى عن صلابة أو رخاوة الموقف الحكومي في الدفاع عن الصفقة، وتوضيح "شروطها" وأحكامها الجزائية، بعد أن وقّعت الحكومة عليها، كان الهون أبرك ما يكون، وفضلت السلطة "وحدها" فسخ العقد، بحجة ترضية النواب، بينما الفسخ كان بغرض تجنب الإحراج السياسي لشيوخنا، حين تُقدَّم صحيفة استجواب يمكن الرد عليها بيسر، لكن (ولأن) القضية كان فيها "شيخ" قد يصيبه الصداع حين يقف فوق المنصة ويُستجوَب، فهذه كبيرة جداً، ويمكن، عندئذ، مقايضتها وشراء الاستجواب بأكثر من ملياري دولار!
ليتها كانت "داو" واحدة وانتهينا منها. هي "داوات" ليس لها أول ولا آخر، هي "داوات" تتوالد وتتكاثر، ويُحرَق من أجلها بخور مليارات الدنانير كل يوم، كي يصمت الجميع، و"ينسطل" وعيهم بالمستقبل، ويسكتون. لن أعيد ما ذكره الكبير أحمد السعدون في لقاء "توك شو" مع الوشيحي، حين أخبرنا عن "داوات" قديمة ومازالت في احتكار الأراضي، وفي تفصيل المناقصات الكبرى بسوق الخياطين، وفي هموم محزنة وثقيلة تتعلق بالإنفاق والفساد، وسوء الإدارة. تعالوا نسمع قليلاً ما قاله ابن أخ السعدون، وهو الاقتصادي جاسم السعدون في ندوة صالح الملا. فحسب كلام هذا الاقتصادي، الذي بالتأكيد ينفخ في قربة مقطوعة، وأجزم أنه يؤذّن في مالطة، منذ أكثر من ثلاثة عقود ولا أحد من رموز السلطة الحاكمة بأمر الله أنصت إليه، أو استمع لغيره من المخلصين، يقول جاسم إنه في حالة استمرار الوضع الحالي، وهو وضع الإدارة السياسية، فعلى الدولة أن توفر مئة وستين ألف فرصة عمل خلال سبع سنوات، وبحدود عام ٢٠٣٠ عليها أن توفر ٤٣٠ ألف فرصة وظيفة! وكلام الهم المؤلم عن "فوضى" إدارة الدولة ليس له نهاية، بينما نحن اليوم نتجرع حالات لا تحصى من البطالة المقنّعة، وبطالة حقيقية تزداد يوماً بعد يوم… فكيف يمكن لدولة سياسة "الداوات" توفير مثل هذا الكم من فرص العمل؟! ومن أي ميزانية بؤس ستوفر الرواتب لها، والله وحده العالم، بمصير أسعار النفط واحتمالات استغناء أميركا عن نفطنا، والله وحده العالم بمعدلات استمرارية النمو للصين والهند وجنوب آسيا، وكم ستدفع تلك الدول غداً ثمناً لنفط دولنا، بينما دولتنا، صلِّ على النبي، متدروشة فكراً وثقافة وتجلس على باب الله ممسكة بصنبور النفط الذي ليس لها غيره؟ ويقف، في الوقت ذاته، نواب مجلس الحكومة، ويطلب أحدهم، توفير ٢٥ ألف متر كأرض زراعية لكل كويتي، وينطلق الآخرون مع قطار "الشعبويات" بزيادة قروض إسكان، وإسقاط قروض تمهيداً (ربما) لإنهاء "حدوتة" المديونيات الصعبة، ثم هناك "شعبويات" لا تنتهي، لا هدف ولا غرض لها غير خلق شرعية مالية فاسدة ومدمرة، لتحل مكان الشرعية الدستورية الغائبة عن هذا المجلس.
انتهت قضية "داو" واحدة، وبقيت قضايا "داوات" مستمرة، تخنق أحلام أطفالنا، بغدٍ مجهول، معتم، ليس فيه بصيص نور مع هذه الإدارة السياسية.
فخري شهاب مثالا
التقيت بالزميل الكبير فخري شهاب في بيته قبل أكثر من 10 سنوات، وكتبت عنه أكثر من مرة، ولاحظت مؤخرا تغيرا في مواقف الرجل من أحداث وطنه، وأنه أصبح اقل حذرا فيما يتطرق اليه، وأكثر انسجاما مع قضايا الساعة، أقول ذلك لتذكري بأنني في ذلك اللقاء اليتيم طلبت منه، من منطلق ما يمتلك من علم ومعرفة وخبرة مالية وذكريات طريفة، مشاركة الآخرين فيها، وضرورة نشر أفكاره، التي تسبق عصره، لكي يستفاد من تجاربه الثرية في أكثر من مجال. ولا أدري إن كانت اتجاهاته الأخيرة صدى لما كتبت أو أنه اصبح، وهو في التسعينات من عمره الذي نتمنى ان يطول، يعرف أن ليس هناك ما يخسره. كما أن اختياره لـ القبس، التي عرفت بجرأة من يتولى رئاستها، ساهم في استرسال الرجل في آرائه دون «هنات أو عقبات!».
يقول السيد شهاب في نص نشر له أخيرا: حصلت الكويت على استقلالها قبل أكثر من نصف قرن، وكانت وقتها بحاجة إلى بناء قاعدة سكانية تكفيها لسد حاجات اقتصادها، واختارت سياسة تجنيس «اعتباطية وشخصية»، نتج عنها أن أعداد المجنسين وخبراتهم لم تكن لها علاقة بحاجات الدولة الفعلية، كما أن هذه الحاجات بقيت مستمرة طوال السنوات 50 الماضية وتضخمت مع زيادة السكان. وبما أن سياسة التعليم كانت «اعتباطية» هي أيضا فقد أنتج نظام التعليم جيشا من المتعلمين الذين لا حاجة للمجتمع اليهم، فضلا عن المجنسين الذين لم يحتج الاقتصاد الوطني لأغلبيتهم! وفي هذه الفوضى السكانية وُل.دت مشكلة «البدون»، وتآزرت فوضى البيروقراطية التي خلقتها الدولة الفتية، و«قصر نظر بعض القيادات الوطنية»، وفوضى الغزو العراقي في تفاقم المشكلة، ووجدت الدولة نفسها تواجه كتلة بشرية ضخمة لا تختلف مبدئياً عن التركيب السكاني المحلي، فيها نسبة مما تحتاجه لسد متطلبات الاقتصاد وأخرى أكبر من ذلك من غير المدربين لا تختلف عن الكتلة السكانية الأصلية كثيرا، الا أنها عاجزة عن إثبات هويتها بما يكفي المتطلبات البيروقراطية، فتقرر تأجيل الوصول الى حل ايجابي نهائي. ثم مرت فترة منعت الدولة فيها استخدام «البدون» ريثما يتم البت في مشكلتهم، واستمر التردد وما زال. وتعاقبت على الحكم وزارة إثر أخرى، فأزمنت المشكلة، وارتفعت أصوات التذمر، واضيفت الى ذلك أصوات المؤسسات الدولية، فقررت الدولة معالجة المشكلة وجاهاً – وتمخض الجبل، فأجهض، وبدأ التجنيس قطرة فقطرة يتعثر، مغفلا حاجات الكويت نفسها. وما زالت المشكلة موضع أخذ ورد ونقاش بين السياسيين، وما فتئت الكويت بعد أكثر من نصف قرن مضى على استقلالها تفتقر إلى العمالة المدربة، وما فتئ «البدون» يأملون خيرا في بيداء الأحلام.
وفي مقال آخر ذكر: .. إن المعلق الاجتماعي يرى ويعي الكثير مما يدور حوله من أحداث، ولكنه لا يستطيع أن يشكو من قلة ما يستوجب الشكوى منه. الا أنني أشكو من مشكلة فريدة، وهي كثرة المشاكل المحيطة بي وصعوبة انتقاء بعضها، وتفضيله على أخرى! وأنا أشبّه نفسي بالغريق في بحر ثائر: لا أدري الى أين أوجه جهدي للوصول الى شاطئ السلامة! وهذا معناه أني لا أُعدم وجود مشكلة أو محنة تستوجب التعليق عليها يوما ما. وكأنني كواقف في مركز دائرة من المحن كلها تستدعي التعليق عليها، وكلها من الأهمية مما يستدعي التعليق عليها فورا وفي آن واحد! فكيف وماذا أستبعد، وكيف وماذا أؤجل، وكيف وماذا أختار؟
ونحن نقول له، إن سمح لنا بذلك، أن يكتب ويكتب وألا يحرمنا من زاد معرفته وغزير علمه، فأمثاله أصبحوا، وهو الذي قضى جل عمره بين العملات، عملة نادرة. وأن يتخلى عن مقولة: لقد أسمعت لو ناديت حيا! فنحن وغيرنا الكثير أحياء ونسمع جيدا، و«كثر الدق سيفك اللحام يوما»!!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com