والجهل يهدم بيت العز والشرف، يقول الشاعر… وطيبة القلب الزائدة تسحبك من يدك الكريمة بلطف وتُدخلك في دائرة الجهل.
ويتحدث أحدنا في الديوانية عن فساد النائب فلان، فيحتجّ آخر: "اتق الله في نفسك، ما علمنا منه إلا الابتسامة في وجوهنا، ومشاركتنا أفراحنا وأتراحنا، ووقوفه معنا وقت الحاجة، فقد نقل زوجتي من مقر عملها المزعج إلى موقع أفضل، وقدّمَ اسمي مرشحاً لرئاسة القسم، عندما كان غيره مشغولاً في سن قوانين لا نعرف ماذا يراد بها…".
وبكل بلاهة الدنيا، يسلهم أحدهم عينيه في مكان آخر وهو يحدثك عن "طيبة قلب" المسؤول فلان، وتسأله: كيف عرفت؟ فيجيبك بانطلاقة: "يا أخي ابتسامته تسابق حضوره، ولين تعامله مع المواطنين، وقفشاته التي لا تتوقف، ووو"!
سامح الله الأفلام العربية التي خدعتنا وغررت بنا حتى ظننا أن رجل المباحث لن يكون رجل مباحث إلا إذا ارتدى "البالطو الطويل"، حتى في الصيف، ولن تكتمل صورته إلا إذا أمسك بصحيفة. وسامح الله الأفلام الهندية التي خدعتنا وصورت لنا أن كل المجرمين مصابون بجروح في خدودهم، وعيونهم حمراء فاقع لونها، بينما أهل الخير كلهم يجب أن يكونوا على درجة كبيرة من الوسامة، وإلا فلن يكونوا خيّرين، نرجو المعذرة.
والفاسدون في الكويت ليسوا فاسدين، بدليل أن أحداً منهم لا يحمل سكيناً في بنطلونه يخفيها قميصه، ولا أحد منهم يضحك بقهقهة وجلجلة كما يضحك أبولهب في المسلسلات الإسلامية "ها ها ها ها ها"، وبالطبع لا يمكن أن يسرقوا بدليل ابتساماتهم الرائعة ومشاركتهم الناس أفراحهم وأتراحهم.
وتتحدث الكتب عن عائلتين إفريقيتين تقاتلتا بضراوة، قبل قرون من الزمان، إحداهما تريد قتل الهولندي تاجر العبيد وسيد السخرة ثأراً لابنها، والثانية تدافع عنه بحجة اهتمامه بها، ثم إن مظهره لا يدل على أنه يعذب أبناء جلدتهم في هولندا كما يقال عنه، بل على العكس، يبدو أنه من أهل السماء، فملامحه ووسامته وأناقته ولطف تعامله الظاهر كلها تؤكد ملائكيته… والخلاصة، نجا الهولندي ومات الكثير من أبناء العائلتين.