يحكى ان لصا حاول سرقة بيت من خلال الشباك، ولكنه سقط على الأرض لأن الشباك لم يكن مثبتا بإحكام، وهنا اشتكى اللص لدى الحاكم قراقوش على صاحب البيت الذي لم يحسن تثبيت شباكه، فطلب قراقوش من حراسه شنق صاحب البيت لإهماله، فطلب الرجل الرحمة وقال لقراقوش إن الذنب ليس ذنبه بل ذنب النجار الذي ثبت الشباك في ذلك اليوم. هنا طلب قراقوش اطلاق سراح صاحب البيت، وشنق النجار، وعندما أوتي بهذا صاح قائلا إنه يتذكر جيدا عندما كان يثبت الشباك صادف مرور حسناء أمامه ألهته عن عمله، وربما طرق المسمار في غير موضعه، فطلب الحاكم إطلاق سراحه وأن تشنق الفتاة مكانه، فقالت هذه، عندما حضرت مجلس الحاكم إنها غير مذنبة، فالحق على صاحب الحمام الذي تزينت عنده فهو الذي جعلها فاتنة فخلبت لب النجار فأخطأ في عمله، فأطلق الحاكم سراحها وطالب بشنق صاحب الحمام العمومي، ولم يكن للرجل عذر فقد ادى عمله، فذهب به الجنود لتنفيذ حكم الشنق به، ولكنهم عادوا للحاكم بعد فترة دون تنفيذ المهمة، لأن الرجل كان طويلا جدا، وكانت قدماه تصلان الى الأرض كلما علقاه على الحبل! وهنا صاح قراقوش بجنوده بصوت غاضب قائلا: اذهبوا ايها المغفلون وأتوا بصاحب حمام اقصر منه واشنقوه مكان هذا الطويل!
تذكرت هذه القصة عندما اضطرتني الظروف في الأسابيع القليلة الماضية، وعلى غير العادة، للتواجد في الطريق في أغلب ساعات اليوم، وفي أكثر من منطقة صحية وسكنية وصناعية، وفوجئت بكم السيارات في الطرقات وزحمة المرور الخانقة في كل مكان تقريبا من الدائري الأول وحتى السادس مع مختلف تقاطعاتها! كما تبين ان هناك أزمة مرور رهيبة لا يمكن ان تحل بالتوسعات الحالية للطرقات ولا بزيادة عدد الشرطة ودوريات المرور ولا حتى بتغليظ العقوبات المالية، فالمشكلة اخلاقية وأمنية وتتطلب تصديا جديا، خاصة أن المجلس الأعلى للمرور في سبات عميق، ومع غياب الجدية من حياتنا فلا أمل هناك، فالخسارة المادية وفي الأرواح الغالية مستمرة! وأتذكر أن الكويت مرت قبل 40 عاما تقريبا بوضع مماثل، عندما أصبحت حركة السير شبه مستحيلة في الكثير من الطرق الرئيسية، وللتغلب على المشكلة طالب مسؤول كبير، وفي قرار غريب، بوقف إصدار إجازات قيادة جديدة، وحصرها ضمن استثناءات قليلة! وجاء القرار
مهدية عمر لمجموعة من الضباط الذين تمكنوا من اقتناص الفرصة وتحقيق ثروات كبيرة ونفوذ أكبر ومكانة مرموقة من خلال استغلال نص الاستثناءات، ودخل عدد من هؤلاء سوق المناخ وحققوا ثروات، كما دخلوا في شراكات تجارية مع وافدين، ومرت فترة أصبح فيها خبر تعيين أو تغيير حتى رئيس قسم إصدار استمارات تعليم القيادة أهم من خبر استقالة الوزارة، وتشكيل أخرى جديدة، فما بالك بخبر تعيين مدير عام جديد للمرور؟! نعود ونقول إن المشكلة أخلاقية، وليست فنية ولا سياسية.
أحمد الصراف