ولد آرثر كونان دويل، الطبيب والكاتب الأسكتلندي عام 1859، ومات عن 70 عاماً، واشتهر بكونه مكتشف شخصية التحري الشهير شارلوك هولمز، وقد لاقت رواياته في بداية القرن العشرين رواجاً كبيراً، فاقت شهرة بطلها هولمز شهرة خالقها، فقام المؤلف بالتخلص من تلك الشخصية بتدبير نهاية لها! ما لم يتوقعه هو درجة ردة فعل القراء، الذين هجموا على بيته وأتلفوا محتوياته احتجاجاً على إنهائه لحياة بطل رواياته، وهنا اضطر دويل للتصريح بأنه سيعيد شخصية هولمز للحياة في رواية قادمة، وقيل وقتها إنه شعر بالسعادة لردة فعل الجمهور بالرغم من خسارته مادياً واضطراره لكتابة قصة جديدة رغماً عنه، ومصدر سعادته شعوره بأنه نجح في إيهام القرّاء بحقيقة وجود شخصية شارلوك هولمز الخيالية، التي استولت على مشاعرهم! تذكرت تلك الحادثة بعد أن سمعت ما كتبه البعض من نقد لرواية سعود السنعوسي الرائعة «ساق البامبو»، وكيف نسبوها للفلبيني هوسيه ميندوزا الذي ورد اسمه على الصفحة 7 مع اسم المترجم واسم مدققة الترجمة! وأعتقد أن مؤلف الرواية الحقيقي، أي السنعوسي، ربما شعر بنفس شعور دويل، وكيف أن «حبكته» قد انطلت على قرائه وصدّقوا أن الرواية مترجمة، وهو ما كان المؤلف يسعى للإيحاء به، بالرغم من أن ذلك قد يسلبه حقه في نسبة الرواية له، وبالتالي حرمانه من بعض الشهرة. فإن كان من كتبها هو ميندوزا، كما ذكر ناقدو الرواية، ومن ترجمها هو إبراهيم سلامة ومن قامت بمراجعة الترجمة هي خولة راشد، فما هو إذاً دور سعود السنعوسي، علماً بأنه لا يوجد في العالم، على ذمة العم غوغل، كاتب رواية يحمل اسم هوسيه ميندوزا؟! «ساق البامبو» هي بالتالي أجمل رواية قرأتها لكاتب كويتي، ولا يعني ذلك أنني قرأت كل شيء، وقد تكون الأولى التي احتوت على كل ذلك الزخم من العواطف المتضاربة التي صبّها المؤلف بعناية وحرفية عالية في شخصية هوسيه، المولود من أب كويتي وأم فلبينية، والذي عاش في مجتمعين متناقضين حتى النخاع، وقد يكون الجزء الأكثر امتاعاً في الرواية ذلك الذي تضمن نشأة الصبي في بيئة أمه وخالته وجده في قرية فلبينية صغيرة، فما ورد في ذلك الجزء من تفاصيل دقيقة وأمور تتعلق بعادات وتقاليد وخلجات أفئدة غريبة لا يمكن أن يكتبها شاب في عمر وخلفية سعود السنعوسي الثقافية، إن لم يكن يمتلك حقاً موهبة حقيقية، وهذا ما دفع البعض للشك في أنه كاتبها. وإن كان من كتبها فلبينياً، فمن الذي دوّن الجزء الكويتي منها والذي تضمن، أيضاً، خلجات أفئدة وتفاصيل دقيقة لا يعرفها غير الكويتي؟
رواية «ساق البامبو»، التي صدرت قبل أشهر قليلة، رواية مختلفة بكافة المقاييس في أحداثها وتركيبتها، وقد تكون الأولى التي تضمنت كل ذلك المزج بين ثقافتين متباينتين، عربية كويتية، ومسيحية فلبينية، وتستحق بجدارة أن تقرأ، ويمكن الحصول عليها من www.nwf.com أو من مكتبات جرير وآفاق وذات السلاسل، كما تتوافر لدينا 30 نسخة لتوزيعها على غير القادرين على الحصول عليها لسبب أو لآخر.
أحمد الصراف