الدول كالنساء، تعشق الاستعراض… والآسيويون يزوروننا، وستستعرض الكويت أمامهم. والكويت وإن كانت تخلو من الأنهار والأشجار والمعمار فإنها لا تخلو من الآثار، وبالإمكان اصطحاب الوفود الزائرة إلى "سنترال الفحيحيل"، ليتعلم اليابانيون منا الصبر على البلاء، وهو سنترال بُني قبل سقوط الدولة السلجوقية، تحديداً في اليوم الذي بنى فيه عمر الخيام مرصده الثاني، وإن كان الخيام قد ولى هارباً وترك مرصده يهدمه الغوغاء، فإن حكومتنا لم تهرب ولم يهدم الغوغاء السنترال، ولله الحمد! وبالإمكان إبهار الماليزيين بقدرة مرضانا على تلقي العلاج في الممرات في مستشفيات الجهراء والعدان، وإثارة دهشة الصينيين بقدرتنا على بناء مشاريع "ديمو" تُنطق ولا تُكتب، وهكذا…
وليس أمامنا إلا التظاهر أمام أعضاء الوفود بالزهد في الحياة الدنيا، واقناعهم بأن الآخرة خيرٌ وأبقى، وأن الدنيا بزخرفها ومغرياتها لا تعادل عندنا جناح بعوضة، كي لا يتساءل أحد منهم عن ثرواتنا وأموال نفطنا أين ذهبت وأين أثرها على الأرض، أو يتوهم أننا قوم نسرق الكحل من العين، لذا يجب أن نقدم لهم الطعام على الأرض، وعلى سفرة من الخوص، وفي آنية من فخار متآكل، تحوي القرص والسمن، فيتناول الكوري طعامه، فيضع يده على بطنه ويتلوى، وينسيه بطنه ما هو فيه، فينتخي بأخته ويهرول بأقصى سرعة إلى أقرب دورة مياه، وهو يلعن القارة التي جمعته بنا، فيعود إلينا بعد ساعة وهو يمسح العرق من على وجهه، ويبتسم ابتسامة بلهاء، فنسقيه شراب الشعير قبل أن يستوي في جلسته، فيجف ريقه، وتدمع عيناه، ويختلي بنفسه في البر، ويكتب قصيدة مطلعها "يا وجودي وجود اللي يزور الكويت".
ليس لحكومتنا، وهي التي منحت شعوب آسيا وأقرضتها خمسة مليارات ونصف المليار دولار، إلا أن تقنع الزائرين المنبهرين من ترهل بلدنا، أنها توطّن الشعب على الصبر على الجوع والحياة البدائية، وتقنعهم بأن حياة المدينة والتطور المبالغ فيه يجلبان الهم والغم، فتروي لضيوفنا قصص ترابط آبائنا بعضهم ببعض، عندما كانت الحياة بسيطة، وكيف كان الجار يحترم جارته ويعتبرها من أهل بيته، وكيف كانوا يتبادلون الطعام على شحه، ووو، بعكس التفكك الذي يسود المجتمعات المتطورة، التي لا يأبه فيها الأخ لأخيه، ولا الجار لجاره، ولا ولا ولا، وهي لهذا تحرص على الترابط الاجتماعي بين أفراد الشعب أكثر من حرصها على الأسمنت والأسفلت…
أما إذا أصر الزائرون على رؤية تطورنا البشري والعمراني، فلنأخذهم في زيارة إلى دبي أو أبوظبي أو قطر، وهؤلاء أهلنا، وسيجبرون عثرتنا، و"الناس للناس والكل بالله" كما يقول كبار السن… ويا هلا بضيوفنا.