محمد الوشيحي

باسوورد

"جميلة هذه الدنيا لولا "الباسوورد" – الرمز السري- سحقاً له ولأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه"… قلت هذا، فعقّب صديق: "الباسوورد مثل جدران بيوتنا ومثل ملابسنا التي تسترنا، لولاه كنا عرايا"، وثنّى آخر: "تخيل أن تنكشف أسرارنا العائلية ورسائلنا العاطفية واتصالاتنا التجارية ووو، ماذا سيكون الحال؟ احمد مولاك واشكره على نعمة الباسوورد"، ففتحت نافذة الخيال: "ماذا لو انكشف الناس على الناس واطّلع كل منا على رسائل الآخر واتصالاته؟" ورحنا نتخيل…
رحماك ربي، ماذا كنا سنقرأ في رسائل الوزراء والإعلاميين والنواب والتجار ووو؟ وماذا كنا سنقرأ تحديداً في رسائل "وعاظ السلطة"؟ أواه على اختلاف وعاظ السلطة ورسائلهم المتبادلة بعد تلقيهم الأوامر… أواه على أولئك الساسة ورسائلهم بعد خلو منصب… أواه على رسائل ذلك التاجر مع مدير شركته، وهو يأمره بتخفيض سعر المناقصة، على أن يتدبر هو "الأوامر التغييرية"، ويحثه، بعد رسو المناقصة على شركته، بالبحث عن أرخص عمالة وأسوأ مواد وأقلها كلفة، قبل أن يتباكى على حب الكويت.
وفي البرازيل، قبل نحو سنة، أقدم مجموعة من الشبان العاطلين عن العمل على خطف عمدة المدينة، بعد أن اتخذ موقفاً تجاههم، وعندما اقتادوه تلقى رسالة على هاتفه، فأرغموه على الكشف عن الباسوورد، فكانت المفاجأة: "رسالة من عضو مهم في الحزب المنافس لحزب العمدة يملي عليه الأوامر"، وتبين أنه يتلقى الأموال من الخصوم ليشوّه سمعة حزبه ويسيء إليه! واكتشف الخاطفون أنه ليس الوحيد المخترق في الحزب، وأنه وآخرين من أعضاء حزبه يزرعون المشاكل في حزبهم لمصلحة الحزب المنافس، وينقلون ما يدور في اجتماعات الحزب إلى خصومهم، وصعقوا عندما قرأوا رسائله المتبادلة مع بعض رجال الأعمال، ومع قيادات في الشرطة والقضاء ووو، وكلها تدور حول تبادل الرشوة والمنفعة، وغير ذلك.
وأجزم بأن العمدة البرازيلي ملاك بأجنحة أمام الكثير من سياسيينا وإعلاميينا… فاللهم احفظ الباسوورد وأطل عمره وارزقه من حيث لا يحتسب.

حسن العيسى

اعترفوا بالجريمة الكبرى

مصدر أمني قال لـ"الجريدة" إن وزارة الداخلية اعتقلت 12 متهماً  من "البدون" بتهمة التحريض والدعوة إلى اعتصامات وتجمعات مخالفة للقانون، ومقاومة رجال الأمن، عشرة من "المكاريد" المعتقلين أحيلوا إلى السجن "المركزي"… وأضاف المصدر الأمني أن "المحرضين "اعترفوا" أمام سلطات التحقيق بأنهم كانوا يعقدون اجتماعات دورية ويدعون ويخططون للاعتصامات والتظاهرات بمشاركة ناشطين"، وأن المحرضين "اعترفوا" كذلك بأنهم كانوا على اتصال بزملاء خارج البلاد.
  هل لاحظ القارئ لغة الخطاب في تصريح المصدر الأمني لـ"الجريدة"، بأنها لغة لا تتهم فقط، إنما تدين وتصدر أحكاماً نهائية "بجرائم" المحرضين، وتتردد كلمة "اعترفوا" أكثر من مرة، في تصريح المصدر الأمني، موحية لمن يقرأ الخبر أن الجريمة تامة، وأنها خطرة، وتكاد تكون من جرائم أمن الدولة. لغة الخطاب لوزارة الداخلية لم تبق ولم تذر، فماذا بقي للمتهمين كي يقولوا دفاعاً عن أنفسهم بعد ذلك… بعد الاعتراف… بعد الاتصال بجهات خارجية، وبعد أن سالت دماء بعض المتجمعين بتيماء، في مقابل تهشيم زجاج سيارة لوزارة الداخلية…! لغة الخطاب لوزارة "الأخ الأكبر" -تعبير جورج أورويل برواية ١٩٨٤- كعادتها هي مستبدة، وقمعية، ومحرضة، ونصبت المشانق "للمتهمين" بعد أن قطعت تماماً في صحة نسبة الاتهامات الموجهة إليهم، فلماذا المحاكمة بعد ذلك؟!
   هل للمتهمين أن يقولوا إن الاستبداد ليس في تنفيذ حكم القانون  فقط، وإنما في نصوص القوانين التي تجرم الاجتماعات والاعتصامات أياً كان الغرض منها؟، وإنه لا يهم ولا يختلف الأمر إذا كانت تلك التجمعات "سلمية" تعبر عن تجاوزات لحقوق وكرامات مهضومة لـ"البدون"، أم بغرض قلب نظام الحكم أو التشكيك فيه، وهل للمتهمين أن يسألوا أين كان نواب الأمة طوال سنين ممتدة من تلك القوانين الظالمة؟، وهل سيتحرك هؤلاء النواب إذا وصل المخلصون منهم إلى كراسي النيابة، بعد أن تتضح نوايا السلطة بتحديد عدد أصوات الناخبين بصوت أو صوتين بمرسوم "ضرورة" من عدمه…؟!
  في القسم الثاني من خبر "الجريدة" أن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (أيضاً كلمة المركزي تعود مرة ثانية، مرة بالسجن للبدون، ومرة أخرى كنعت لجهاز دولة أتوقراطي، له وحده دون معقب تحديد وضع "البدون" ورصهم في خانة حمراء أو زرقاء أو صفراء… وكلها ألوان ليس بها لون الجنسية الكويتية، أو لون يضمن كرامتهم) يقول إن ملفات ٧٥٠ عسكرياً من الداخلية والدفاع من غير محددي الجنسية من حملة إحصاء ٦٥، والمشاركين في الحروب العربية، وحرب تحرير الكويت ستحال إلى مجلس الوزراء تمهيداً لتجنيسهم…!! ما هذا؟ عسكريون من حملة إحصاء ٦٥ (بعد ثلاث سنوات تقريباً سيمضي عليهم نصف قرن) خدموا الدولة بأشرف خدمة، والتي يبدو أنها لا تعتبر من الخدمات الجليلة في عرف السلطة، ومع ذلك، حتى الآن، هم في مرحلة "الروضة" التمهيدية لدخول جنة الجنسية الكويتية… إذا كان "هؤلاء" لم يبلغوا الحلم لاستحقاق الجنسية والمسألة معلقة على قرار من مجلس الوزراء فمن يستحقها بعد ذلك؟، ومن كسبها قبل ذلك؟، وبأي وجه حق وبأي أبشع صور الظلم؟

احمد الصراف

معضلة الأخلاق والبطالة

نشرت «مؤسسة الخليج للاستثمار»، وهي هيئة مالية إقليمية، تقريرا عن البطالة في دول مجلس التعاون، ذكرت فيه أن اقتصاداتها تعتمد على النفط والغاز كمصدر أساسي للإيرادات التي تستخدم للصرف على المشاريع والرواتب. وعلىالرغم من أن برامج التنمية الاقتصادية نجحت في الارتقاء بمستويات المعيشة والرفاهية، لكنها تقاعست عن خلق العدد الكافي من الوظائف لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العمالة الوطنية الجديدة في السوق، الأمر الذي تمخض عن بطالة تجاوزت %10 في السعودية و%14 في الإمارات و%8 في عمان والبحرين وان تدنت إلى %6 في الكويت وحوالي %3 في قطر. وإذا كانت هذه المعدلات مرتفعة إلا أن خطورتها تكمن في نوعيتها، فغالبية العاطلين تتراوح أعمارهم بين 19 – 25 عاما، ويشكلون حوالي %30 من مجموع العاطلين في السعودية وأقل قليلا من ذلك في البحرين وعمان والإمارات و%12 في الكويت! والأخطر أن غالبية العاطلين هم من الذين امضوا فترات طويلة في «حالة بطالة» حتى أصبحت «مزمنة»، وبينهم نسب عالية من المتعلمين جيدا، مما يدعو للتساؤل عن مدى ملاءمة مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات أسواق العمل الحديثة. ومحصلة ذلك كله تمثل في انخفاض معدلات الإنتاجية في دول مجلس التعاون وتزاحم العمالة الوطنية في القطاع العام مع استخدام القطاع الخاص لعمالة أجنبية رخيصة الأجر وقليلة المهارة. كما لاحظت الدراسة أن هناك تزايدا في أعداد الإناث المتخرجات من النظام التعليمي والباحثات عن عمل، وبالتالي فإن نسب البطالة ستتجه إلى التزايد ما لم يتم خلق الأعداد الكافية من الوظائف لاستيعاب العمالة الوطنية عند أجور مقبولة تكفل العيش الكريم. ويعتقد صندوق النقد أن أعداد المواطنين العاطلين في دول المجلس ستزيد قريبا الى أكثر من 2.5 مليون ما لم يتم اتخاذ إجراءات وخلق وظائف مناسبة لمواجهة هذه الكارثة. وسبب البطالة، حسب التقرير، يعود الى سرعة معدلات النمو السكاني وغلبة الفئات الشابة والفتية في الهرم السكاني التي ستتدافع في الأعوام المقبلة نحو الالتحاق بأسواق العمل بمعدلات مرتفعة تستوجب إيجاد وظائف كافية لها، إضافة إلى أن اقتصادات دول المجلس ريعية، رب العمل الكبير هو الحكومة، الذي بإمكانه دفع رواتب وأجور مرتفعة للعمالة الوطنية لاستقطابها لشغر الوظائف الحكومية، مع فتح الباب للعمالة المهاجرة للقيام بأعمال مرحلة التعمير والبناء، ومن هنا نشأت فجوة كبيرة بين أجور القطاعين، وزيادة معاشات التقاعد المبكر، وسعي الحكومات لاسترضاء مواطنيها.
التقرير طويل ويحتوي على معلومات قيمة، ولكن، كالعادة، ليس هناك من يقرأ او يستوعب أو يتخذ القرار، وبذلك سيحفظ في أحد الأدراج. ولعلم من كتب التقرير فإن في الكويت قرابة 35 ألف شاب وشابة يرفضون العمل، واختاروا ممارسة الجلوس في المقاهي.

أحمد الصراف