حسن العيسى

لم يغسل مرسي يده سبع مرات

سلم مرسي على الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بحرارة، وألقى كلمة متزنة في مؤتمر قمة عدم الانحياز بطهران، منتقداً ممارسات النظام السوري نحو شعبه، ووصفه بالنظام الظالم، ولم يكترث الرئيس المصري، عضو حركة الإخوان المسلمين، بمواقف الجمهورية الإيرانية الداعمة للنظام السوري، وعبر مرسي بكلماته القوية عن مأساة الشعب السوري مع نظامه المتسلط، وانتصر مرسي لقضية الحرية والديمقراطية، وملك عقول وقلوب الكثيرين، إخواناً كانوا أم غيرهم، من المؤمنين بحريات الشعوب.

لم يقل الرئيس المصري القيادي بحركة الإخوان بعد مصافحته للرئيس الإيراني إنه نادم على السلام، وإنه غسل يده سبع مرات إحداهن بالتراب وكأن نجاسة ما أصابته. كان مرسي جريئاً شجاعاً قوياً واثقاً من نفسه، مستنداً بذلك إلى إرادة الشعب المصري التي أوصلته إلى الرئاسة، ولم يكن بحاجة إلى المزايدات العنترية.

لماذا لا يتعلم كثير من القياديين الإسلاميين في الكويت من إخوانهم المصريين الذين دفعوا أثمانا غالية من حرياتهم عبر تاريخ طويل من القمع والاضطهاد لحركتهم، قبل ثورة يوليو وبعدها، لماذا “ثقافتهم” هناك -في مصر- منفتحة “نسبياً”، إذا قارناها مع ثقافة الانغلاق والتعصب الطائفيين وكره الآخرين عند عدد من الإخوان بالكويت، ولا أشملهم كلهم. ليس مرسي “ستيوارت مل” فيلسوف الليبرالية الإنكليزي، وليس هو فولتير الذي يختلف معك لكنه سيدافع بحياته من أجل أن تقول كلمتك، ليس مرسي ولا راشد الغنوشي في تونس هذا أو ذاك، لكن إن وضعنا أياً منهما على مسطرة النائب الحربش أو الوعلان فسيكون مرسي “غاندي” مصر، وسيكون الغنوشي الذي رفض تعديل الدستور التونسي لتكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع توماس جيفرسون.

هموم هؤلاء القادة الإسلاميين الجدد في مصر وتونس تبدو حتى الآن هي إزاحة ركام عميق من تاريخ الاستبداد في دولتيهما، همهما الوضع الاقتصادي البائس بعد عقود من النهب المبرمج من الأنظمة الحاكمة السابقة. الجوع والفقر والطغيان والفساد هي قضاياهما الكبيرة. ماذا يدور في رؤوس مشايخ الحركة الدينية في الكويت، غير تصفية الآخرين! كل شيعة الكويت هم طابور خامس، وهم مدانون حتى تثبت براءتهم، كل الليبراليين (أكرر ليس كل ممثلي الحركة الدينية) عندهم فاسدون، ملحدون، دعاة رقص وطرب ومجون. طبعاً بين ثنايا الخطاب الإسلامي لا بد أن يضع هؤلاء القادة المتعصبون “شوية بهارات” في قدورهم وطبخهم، فالمال العام والمفسدون والدستور والعادات والتقاليد الحميدة هي الكركم والهيل والفلفل والزعفران حتى يهضم الناس طبخهم “البايت”، وبفضل تدني الوعي السياسي والثقافة التي أضحت سخافة ببركة هيمنتهم الممتدة على الحياة الثقافية والاجتماعية بلع و”زلط ” الناس أكلهم. وانتهينا إلى هذه الحال المخيفة المتمثلة في مجتمع صغير غابت عنه روح التآلف والوحدة الوطنية لتحل محلها النزعات الطائفية والعرقية.

كلمة أخيرة، نقولها لهؤلاء “الملاقيف”، إن الإنسان الكويتي الحر الواعي لابد أن يتعاطف ويساند الشعب السوري في نضاله، ويحلم بشعلة الحرية تتوهج في الأوطان العربية، لكنه لا يقبل أن تحملوا أصابع الديناميت الطائفي لتفجروها في وطننا الصغير. انتبهوا…

احمد الصراف

اليابان.. إيجاباً وسلباً (3 – 3)

نعود لموضوع الأمس، ونقول إن شهر رمضان الماضي كان بالفعل شهر العبادة، فلم تعرف الكويت في تاريخها الحديث هذا العدد الكبير من المتعبدين والمتهجدين والمصلين، وخاصة في العشر الأواخر من الشهر. وكان لافتا للنظر ملاحظة خلو الشوارع قبل صلوات محددة وعودة الازدحام لها بعد تلك الصلوات. كما كان لافتا للنظر العدد الكبير للخيم التي ألحقت بالمساجد لكي تستوعب الزيادة غير المتوقعة في أعداد المصلين! ولكننا رأينا في الجانب الآخر وفي الوقت نفسه، زيادة هائلة في قلة الخلق وانعدام النظام والاستهانة المطلقة بمصالح الآخرين واحتياجاتهم، وبلغت أعداد المتمارضين من موظفي الدولة بالذات الذين تغيبوا عن أعمالهم من دون عذر ارقاما فلكية ساهمت في ضياع ملايين ساعات العمل في الشهر الفضيل، كما تعطلت مصالح كثيرة بحجة الصيام أو الارهاق، او عدم الرغبة في العمل أصلا! وأخبرني صاحب مستشفى خاص أنه لاحظ زيادة غير مسبوقة في أعداد المراجعين بأمراض تتعلق بالتخمة وزيادة معدلات السكر وأعراضه الجانبية. كما أعلنت أكثر من جهة عن زيادات خيالية في استهلاك المواد الغذائية، ومن واقع أرقام لبعض أنشطتي التجارية وجدت زيادة هائلة جدا في كميات المواد التي تستخدم في خدمة بيع وتقديم الحلويات فاقت اي سنة أخرى، وهذه الحلويات لم تذهب حتما لفقراء بورما ومسلمي البوسنة! وبالتالي كيف يمكن قبول تزايد معدلات التدين لدينا بكل هذه النسب الكبيرة جدا ولا تقابلها أي زيادة في حسن التصرف والخلق الجيد والاستقامة والأمانة في أداء الواجب وعدم أكل المال الحرام من خلال قبض راتب من دون مقابل، وهذا يشمل حتى الذين وضعت الأمة ثقتها بهم كمشرعين؟! والجواب هو انعدام التربية الأخلاقية في مدارسنا، فقد تمت برمجتنا أو تدريبنا على أن واجب الإنسان هو القيام بما هو مطلوب منه دينيا، من دون الالتفات للأمور الأخرى التي لا تقل عنها أهمية! كما تبين بوضوح أن الجرعة الدينية الزائدة لا تعني بالضرورة ان كل من يؤدي العبادات هو أكثر صلاحا من غيره، فنحن جميعا بحاجة لأن نصح اخلاقيا لنكون مواطنين صالحين، وهنا على الحكومة (لا أدري إن كنت جادا هنا في طلبي) التفكير في زيادة جرعة الدروس الأخلاقية، وجعلها من المواد الأساسية، ولنا في اليابان وعجائب شعبها اسوة حسنة!
نعود للشعب الياباني ونقول إنه بالرغم من تقدمه التقني والحضاري وأدبه الجم إلا أنه لم يشتهر طوال تاريخه بأي نشاط إنساني بارز، حتى ما حققه أخيراً من إنجاز في عالم الرياضة إلا أنه لا يقارن بحجم اليابان وتاريخها وقوتها المالية والاقتصادية والتقنية! فاليابان لم تعط البشرية لوحة ولا شاعرا ولا أديبا ولا اي نوع من النشاط الفني الغنائي أو السينمائي، أو في التلفزيون والقصة القصيرة أو الرواية ولا حتى تماثيل شهيرة أو رسوماً، ولا شيء تقريبا في هذا المجال! ونتكلم هنا بشكل مطلق، فهناك بعض الابداعات ولكنها حتما ليست بالكثيرة ابدا، وهذا يسري بطبيعة الحال على دول اخرى كالصين مثلا، ولكن ليس بكل تلك الحدة، علما بان الصين كانت تتبع النظام الشيوعي الصارم والقاتل للإبداع حتى وقت قريب، بعكس اليابان الديموقراطية. وسبب فقر اليابان في ميدان الإبداع الإنساني موضوع شيق قد نعود له في مقال آخر!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

علي محمود خاجه

وين الـ200 ألف يا جمعان

“إن تم حل مجلس الأمة فسنحشد 200 ألف مواطن في ساحة الإرادة”. جمعان الحربش في مايو 2012.
يتناسى البعض هذا التصريح وبعضٌ آخر يمنّي النفس بألا يتذكر أحد هذا الكلام، وأنا لا أكرره اليوم شامتاً بخصوم سياسيين بل بغية كشف حقيقة يتعمدون طيها بمختلف السبل.
فمجلس 2012 كان أفضل من ألف مقال ورسالة ولقاء لكشف أغلبية نيابية جارت واستبدت وأقصت ومارست مختلف أنواع انتهاك الدستور بكافة السبل.
فكانت رسائلهم قبل فبراير 2012 تتحدث عن إصلاح سياسي وتفعيل للديمقراطية ومحاربة فساد ونهج الحكومات المتعاقبة، وإذا بهم يبدؤون مسيرتهم بنفس ما ادعوا محاربتهم فيعينون الأقرباء في مختلف المناصب ومختلف القطاعات بالدولة مع خضوع الحكومة بالطبع، ويتعاملون بازدواجية في القضايا فيرفعون الحصانة عن خصومهم، ويحمون أنفسهم بها رغم تشابه القضايا، ويتدخلون بحريات الناس ويتحكمون بها، وهم من استجوبوا رئيس الوزراء السابق لأنه منعهم التعبير عن آرائهم بحرية، ويضحون بمنصب دولي للكويت في البرلمان الدولي كان يحتله نائب ليس منهم ليصوتوا لنائب لم يقض شهرا في المجلس بالشعبة البرلمانية، ويعطلوا الجلسات بسبب عدم اكتمال النصاب.
ويتأخرون في إقرار كل ما وعدوا به الشباب في حراكهم رغم امتلاكهم أغلبية لا تحتاج إلى أي صوت إضافي لتمرير ما يشاؤون، ويقفون مع الإضرابات الكلية بالجمارك مطالبين بأموال إضافية لهم، ويستجوبون وزيرا لسوء أداء الجمارك، ويصمتون صمتا مطبقا على خسارة الكويت لـ600 مليون دينار بقضية “الكي-داو”، ويطلبون تقليص مصادر التشريع بالدستور رغم صراحة الدستور بعدم جواز تقليص حرياته.
هذا ما قدموه في أربعة أشهر واليوم يقولون الفرصة لم تكن كافية، بل كانت كافية جدا لرؤية كل هذا الظلام منكم، فانفض الناس من حولكم، ولم يتجاوز حضور اعتصامكم عُشر ما حصدتموه من أصوات رغم سعيكم الحثيث إلى حشد الناس.
اليوم هم يبحثون عن قضايا تكسبهم الجمهور مجددا، وقد يحدث ذلك من تصرف حكومي طائش كما هي تصرفاتها المعتادة، ولكن لا خير في الناس أن تمكن هؤلاء الذين مارسوا نهج الحكومات المتعاقبة نفسه في تحقيق نصر آخر على حساب دستورنا ومستقبلنا وحرياتنا.
وهنا أقول للبعض الذي أخذته العزة بالإثم وبات يكابر ويستمر في دعمهم رغم علمه بأخطائهم، لا تكرروا تجربة مريرة أعادت لنا نهج السلطة التنفيذية، ولكن باسم إرادة الأمة، وليكن خيارنا في المرة المقبلة مع من يؤمن بالدستور كاملا دون إقصاء أو تعدّ على حرياتنا، ولتستوعب الأغلبية المبطلة شكل الكويت التي نريد ولن يحققوها.
ضمن نطاق التغطية (1):
رددوا بأنهم سيقاطعون الانتخابات إن صدر مرسوم ضرورة بتعديل الدوائر، وأنا أعلنها من هنا وستثبت الأيام ما أقول لن يقاطعوا الانتخابات مهما حدث بل سيشاركوا فيها وبشكل مكثف.
ضمن نطاق التغطية (2):
أرجو من الشباب المبادرة بحصر الطاقة الاستيعابية القصوى لساحة الإرادة، لأنه ليس من المعقول أبدا أن تتسع ساحة الإرادة لأعداد تفوق الملعب الأولمبي في لندن.

سامي النصف

من المسؤول عن العبث بالدستور؟!

الدستور ليس نصوصا جامدة بل «أعراف» و«ممارسات» إن صلحت صلحت العملية السياسية اليوم و«دوم»، وإن فسدت وتمت ممارستها بشكل خاطئ أصبحت تلك الممارسات والبدع قابلة للتكرار مستقبلا طبقا لمبدأ «السابقة» المعتمد في «جميع» الديموقراطيات الأخرى حتى ان الديموقراطية البريطانية، وهي الأعرق في العالم، تقوم بأكملها على الأعراف والسوابق لا على النصوص الدستورية المكتوبة.

***

والديموقراطية هي مباراة دائمة بين فريقين، أغلبية وأقلية، على ملعب البرلمان لا «خارجه»، ومن أهم قواعد تلك اللعبة الامتثال لنتائج الاقتراع وحكم الأغلبية، إلا ان كهنة الديموقراطية الكويتية قاموا بسن أعراف مدمرة لا مثيل لها في تاريخ الديموقراطيات الأخرى، ومضمونها: ان فزنا بالاقتراع كان بها وإن خسرنا قلبنا الطاولة وخرجنا للشوارع وعمدنا لتحريض وتأجيج الجمهور على الفريق الآخر.

***

والديموقراطية هي الإيمان بدولة القانون وإصدار الأحكام «بعد» المداولة لا قبلها، ورغم تلك الأمور البديهية شهدنا «بدعة» إطلاق الاتهامات للخصوم بالجملة دون انتظار صدور الأحكام القضائية، يعني ان يسمح مستقبلا لمن يريد ان يتهم خصومه بما يشاء و..«خوش أعراف ديموقراطية»!

ووجود فاسدين في البرلمان الكويتي او الفرنسي او الأميركي..إلخ، يعني ان تحاسبهم لجان القيم البرلمانية (التي يحاربها بشدة الحبر الأعظم والكهنة) وأن تسقط عضويتهم ويحالوا للمحاكم للمحاسبة، ولا يعني ذلك إطلاقا حل المجالس المعنية بحجة فساد بعض الأعضاء لما في ذلك من عقاب للشرفاء منهم دون ذنب، ويزيد الطين بلة اذا ما كانت تلك الدعاوى بالفساد قد تمت دون أحكام قضائية او لجان تحقيق برلمانية تثبت التهم، ومن يقول ان ذلك الأمر، اي توزيع التهم جزافا، لن يتكرر مستقبلا.. بحق أو بباطل؟!

***

وما وضعت المحاكم العادية والدستورية إلا لحسم الخلافات بين الغرماء قبل ان تستفحل، وواضح وضوح الشمس ان الأحكام وحتى التفسيرات يجب ان تكون لها صفة الإلزام وإلا فما فائدة أحكام تصدر وللفرقاء ان يقبلوها او يرفضوها بحجة انها أحكام سياسية؟! ومن يرفض هو بالطبع من يقرر ان هذا الحكم او ذاك هو حكم سياسي او قانوني.. هزلت!

***

ونص الدستور الكويتي على ان الخلاف بين الحكومة والمجلس إذا ما استفحل رفع الأمر لصاحب السمو الأمير ليقيل الحكومة «أو» يحل المجلس، وقد استقالت حكومة الشيخ ناصر المحمد وكلف الشيخ جابر المبارك بتشكيل الحكومة، فأصر البعض على حل المجلس أيضا بمخالفة لنصوص الدستور، مما أدى للإشكال الحالي الذي يشتكي منه ويحرض للخروج للشوارع من تسبب فيه، متناسين انه خلق «بدعة» وعرفا دستوريا مدمرا وهو انه من حق اي رئيس وزراء جديد مستقبلا ان يرفع منذ الدقيقة الأولى كتاب «عدم تعاون» مع مجلس منتخب لم يجرب التعامل معه حتى لساعة او ليوم ثم يتم حل المجلس المنتخب بناء على ذلك الطلب.

***

آخر محطة: من عجائب وغرائب وبدع كهنة اللعبة السياسية الكويتية هذه الأيام:

1 ـ السماح لغير الكويتيين ممن يمثلون ثلاثة أرباع السكان بتزييف إرادة الشعب الكويتي عبر رفض الكهنة ان يتم التحقق من البطاقات الشخصية للمتظاهرين والمتجمهرين، وهو بذاته.. دليل إدانة!

2 ـ الادعاء بأن الأمة عبر تلك التجمهرات التي لا يعرف احد أعدادها الكلية او عدد الكويتيين فيها قد أسقطت هذا المجلس او ذاك ودون بينة او قرينة تثبت ذلك الادعاء، وهو أمر خطير قابل للتكرار مستقبلا، فمن لا يعجبه هذا المجلس أو ذاك ينزل للشوارع بضعة آلاف ثم يدعي ان الأمة ترفض المجلس!

3 ـ جعل الشارع والساحات، لا قبة البرلمان، المكان الذي تناقش وتقرر وتغير فيه بنود الدساتير، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

محمد الوشيحي

الأطمسان… الجعفري والقرني

الله يرحم حامد الأطمس، الشاعر المصري المبدع البائس التعس، الذي غاص حظه في وحل التعاسة حتى جاءت وفاته، وهو في الأربعين من عمره، في يوم وفاة أم كلثوم، فصار نسياً منسياً، ولم يسمع نحيب أهله وصحبه عليه أحد.
الله يرحمك يا الأطمس، يا من طمس سوء الحظ ذكره، في حياته ومماته، ولولا بعض الكتابات المتفرقة الخجولة عنك ما كنا قرأنا أزجالك ولا شعرك الباكي.
صاغ أجمل أزجاله وهو في منجرته في دمنهور، فكتب عنه رجاء النقاش وفتحي سعيد وغيرهما، وأثنى عباس العقاد على “الواد النجار بتاع دمنهور”، ومنحته لجنة الشعر الميدالية الذهبية، فجلبها في السوق ليشتري بثمنها تذكرة تعيده إلى بيته ومنجرته في دمنهور!
يصف الأطمس حظه زجلاً:
“أنا لو شكيت اللي مابي للحديد ليدوب
ولو حكيت للحجر حاتتخلق له قلوب
اللي أسيته وشفته يا عزيز عيني
لو شافه أيوب.. وديني ما صبر أيوب”
وكم من أطمس في أيامنا هذه، يملك من الأدب والإبداع ما يبهر ويسحر، إلا أن نصيبه من الشهرة كنصيب الأطمس… على رأس قافلة الأطامسة شاب كويتي عبقري ثائر اسمه خالد الجعفري، لولا ظهوره في زمن الصخب الإعلامي لتزاحمت على بابه الصحف والمجلات. ومن السعودية يظهر لنا أطمسي ساحر اسمه عبد الله القرني، يسميه مريدوه “سهيل اليماني”، لا أدري ما نصيبه من الشهرة في السعودية، إلا أنه في الكويت كالأطمس في مصر، لا حظ له.
على أن الفوارق بين الأطمسين، الجعفري والقرني، من جهة، والأطمس الأب من الجهة الأخرى، أكثر من أن تحصى، أدناها بحث حامد عن الشهرة، وزهد الاثنين بها، وأعلاها وأسماها (أعلى الفوارق وأسماها) شموخ الجعفري والقرني وتمردهما في مقابل خنوع الأطمس وتودده لذوي الجاه والمال.
وسحقاً للصحف التي تحولت إلى “معاريض” تستجدي المال، عبر تسليط الضوء على “إبداعات” أبناء الأمراء والشيوخ والتجار، وأهملت أمثال هذين الرائعين.
وكما يتحمل الأطمس وحده المسؤولية في اندثار يوم وفاته، يتحمل هذان العبقريان وحدهما المسؤولية في ولادتهما في زمن “الشيوخ المبدعين” وازدحام الفضاء بوسائل الإعلام.

سامي النصف

خوارج الدين وخوارج السياسة

يروي التاريخ ان اكبر الاضرار التي اصابت الاسلام في ايامه الأولى اتت من الخوارج ممن رفعوا شعارا جميلا خدعوا به المؤمنين والشباب الغر الميامين وسفكوا به دماء المسلمين هو (ان الحكم إلا لله) وقد اجابهم الإمام النقي التقي علي بن ابي طالب كرم الله وجهه بمقولة صالحة لكل زمان ومكان هي «ان تلك كلمة حق يراد بها باطل»، موضحا ان القرآن كلام مسطور بين دفتي المصاحف لا ينطق بذاته بل ينطق به الرجال ممن تختلف اهدافهم وأهواؤهم ومشاربهم.

***

ومن خوارج الدين الى خوارج السياسة ممن رفعوا هذه الأيام شعار «الشعب مصدر السلطات» ليخدعوا به المؤمنين والشباب الغر الميامين ويسفكوا من خلال فتنتهم الكبرى الجديدة دماء المسلمين الكويتيين، ومرة اخرى نرقب كلمات حق اريد بها باطل فالدستور لا ينطق بذاته بل ينطق به رجال تختلف أهدافهم وأهواؤهم ومشاربهم والأمة مصدر السلطات لا تحكم بذاتها فتجتمع الملايين في الميادين ليقرروا بهذا الأمر أو ذاك بل يمثل الأمة رجال ارتضيناهم منذ قرون ولن نبدلهم بالطامعين والمخادعين.

***

و«الشعب مصدر السلطات» نص موجود في كل دساتير العالم ولا يعني شيئا بذاته او نمطا معينا للحكم حيث ان لكل دولة نظاما خاصا بها، وما هو موجود في الكويت ضمن نظامنا السياسي الحالي يعكس تماما تلك المقولة الخالدة ولا نحتاج الى قميص عثمان جديد يرفعه اصحاب الاجندات الخارجية والمطامع الشخصية ليسفكوا الدم الحرام تحت راياته الكاذبة.. وفتنة كبرى واحدة تكفي.

***

آخر محطة: تعميما للفائدة نقتبس بتصرف من جريدة «القبس» مقاطع من مقال الطيار جاسم فيصل القصبي نشر يوم الجمعة الماضي أتت ضمنه تساؤلات لجماعة نهج منها: هل من حماية الدستور وصيانته ان نسعى الى تغييره خارج قاعة عبدالله السالم عبر تحريك الشارع؟! ذكرتم ان تعديل الدوائر خارج المجلس يعد انقلابا على الدستور ولكنكم في الوقت ذاته تدعون لتغيير طريقة الحكم عن طريق الشارع وخارج المجلس ألا يعد ذلك انقلابا حقيقيا على الدستور؟! وأيهم اشد اثرا وخطرا على البلاد تغيير الدوائر ام تغيير طريقة الحكم؟ ما دليلكم على ان اغلبية الشعب الكويتي تريد تغيير طريقة الحكم؟ ولماذا تحاولون ان تفرضوا نهجكم فرضا (الفرض يعني الديكتاتورية)؟ اين دليلكم على ان شبابكم يمثلون «كل او أغلبية» شباب الكويت؟ ولماذا لا يفسح للشباب فرصة دخول المجلس وفيكم من كان في المجلس قبل ان يولد هؤلاء الشباب؟! وختم الكابتن مقاله القيم بسؤال مهم هو هل سأجد منكم إجابة شافية؟ أعتقد أن الإجابة الوحيدة التي اعتدناها من الحبر الأعظم وكهنة المعبد هي الشتم والتخوين وتلك قمة الديموقراطية وحرية الرأي بنظرهم.

 

مبارك الدويلة

مناظرة ومناقصة

استمتعت كثيرا وانا أتابع المناظرة التلفزيونية على قناة «الوطن» بين الناشطين الشابين محمد العثمان ومعاذ الدويلة، وكان سبب سعادتي الأسلوب الراقي في الحوار والبعيد عن التشنج والشتم والصراخ الذي تعودناه من كثير من الكبار! وكان ممثل التحالف الوطني الديموقراطي متميزا بهدوء يحسد عليه، وليس هذا مستغربا منه، فهو ابن عبدالمحسن العثمان الرجل الذي لو شارك في مسابقة اكثر البشر هدوءا وبرودة أعصاب وتحت إشراف الامم المتحدة لقلدوه الميدالية الذهبية! ولكن لفت نظري قضيتان اردت التعليق عليهما، نظرا لان البرنامج لم يعطهما الوقت المستحق، الاولى مشاركة نواب في ساحة الإرادة كانوا قد شاركوا في انتخابات فرعية! واعتقد ان نواب ومفكري التحالف الوطني كثيرا مايطرحون هذه القضية بانتقاد شديد لها، وأقول ان القانون جرم الانتخابات الفرعية بمفهومها القديم الذي كان موجودا في الوقت الذي تمت مناقشتها بمجلس الامة في التسعينات، الا ان القبائل استطاعت ان تحور طريقة اختيارها لنوابها بحيث تتحاشى المحاذير القانونية مثل الغاء الاعلان الاستفزازي للآخرين، والذي كان يسبب آثارا سلبية بين مكونات المجتمع، كما تم الغاء الإلزامية في النتائج، مما ساهم في وجود هامش من الحرية بين من لم يرغب في مخرجات هذه الانتخابات لاختيار آخرين لم يشاركوا فيها، والدليل على ذلك ماحدث في الانتخابات الاخيرة، عندما سقط بعض من نجح بالتصفيات الاولى وفاز من لم يشارك فيها من القبيلة نفسها! لذلك نجد نتائج التحقيق في النيابة في كل الإحالات التي تمت البراءة او الحفظ لعدم توافر الدليل على مخالفة القانون.
اللافت للنظر ان الأخوة في التحالف يتشددون في هذه القضية ويضعونها تحت المجهر، بينما يتغاضون عن أمور اكثر وضوحا في المخالفة او يتجاهلون قضايا اكثر إلحاحا من موضوع المشاركة في التصفيات! لذلك كان غيابهم عن ساحة الإرادة مثيرا للاستغراب ولافتا للنظر.
الموضوع الثاني الذي اريد التعليق عليه، هو إثارة ممثل التحالف موضوع مشاركة التيار الاسلامي الحدسي بحكومة 1976 وصياغة مشروع تعديل الدستور! وضرب أمثلة بالسادة الأفاضل يوسف الحجي والعدساني! والحقيقة ان الذي شارك في تلك الحكومة – حكومة الحل – هو التيار الوطني التقدمي آنذاك، وعلى رأسهم عبدالعزيز حسين وحمود النصف وعبدالله يوسف الغانم وسليمان حمود الزيد الخالد وعبدالله المفرج وغيرهم من رموز وقيادات التيار الوطني آنذاك، اما العدساني، ولم اعرف من العدساني يقصد، الا ان أيا من هذه العائلة الكريمة لم يكن من تيار «حدس»، اما الشيخ يوسف الحجي فمع كونه رئيساً لجمعية الاصلاح آنذاك، الا انه لم يكن مرتبطا بالتيار تنظيميا والجميع يعرف هذه الحقيقة، علما بان الشيخ يشرف من يعمل معه.
هذه بعض الملاحظات وددت اثارتها لكثرة ما نسمعها وهي تطرح بشكل اتهام وتشكيك في وطنية التيار الاسلامي.
>>>
المربية والمناقصات
ذكرت المربية الفاضلة انني حصلت على مناقصة من وزارة الدفاع بقيمة 120مليون د.ك! وعندما نفيت ما ذكرت من افتراءات نشرت بيانات عن مشاريع من وزارة الدفاع عددها اربعة مشاريع ومجموع قيمتها لا يتجاوز خمسة ملايين د.ك!
كما ذكرت انني وكيل لشركة اسمها «فوكس»! وانا أعيد طلبي الاول بان تخرج لنا الدليل على تسلمي مناقصة بقيمة 120 مليون د.ك بدلا من نسخ أوراق بايتة لسؤال برلماني قبل اكثر من اثنتي عشرة سنة يتحدث عن مشاريع لشركة الخرافي للمقاولات وليس لي منها الا تصميم كم مبنى للشركة بمبالغ زهيدة والتي هي بدورها تبنيها لوزارة الدفاع، واستغربت لهذا التشويه المتعمد من شخصية لا اعرفها ولم اسمع بها من قبل، الا انها نزلت الانتخابات بقائمة! لكن يبدو ان ما ذكره معاذ الدويلة في مناظرته عن الصفقة في بنك التسليف هو الذي اثارها! على العموم لا اريد منها مزيدا من البيانات البايتة فانا بالمحاكم راح اخليها تعرف من منا الذي دخل النفق المظلم!.

سعيد محمد سعيد

صاحب الفضيلة «…»!

 

أرسل له أحدهم بكحلة البذاءة مكتوباً قصيراً كتب فيه: «لقد أقضت مضجعهم… زين تسوي فيهم»… فما كان منه إلا أن أجابه بعبارةٍ تناسب صاحب الفضيلة بكل ما في قلبه من غل وقذارة: «أنا ثابت… لا أحيد عن مبادئي في الخسة والنذالة والوقاحة»… متناسياً أنه – من شدة فجاجته ورعونته ونتانة الوحل الذي تربى فيه – أساء إلى الناس عامداً قاصداً ترويج بضاعته الكاسدة بلا حياء ولا أدنى خلق، فما كان من الناس الغيورين إلا أن ألقموه حجراً، لكنه استمر في نباحه.

صاحب الفضيلة «الوقح»، وجد نفسه ذات ليلة مظلمة حالكة السواد، مترنحاً… مسهداً يخير نفسه على خطرين: (إما أن أنال لقب صاحب السعادة والفضيلة والوجاهة، أو أنني سأبقى متمسكاً بما نشأت عليه من عفن! وفي كلا الحالتين، لابد لي من أن أحظى بأمنيتي تلك حتى وإن كانت مقرونة بالـ «وقح»).

تنقل صاحب الفضيلة من وادٍ الى وادٍ، ومن يراع إلى يراع، وبذل كل ما في وسعه من نفاق وتملق لأن يكون له موضع قدم في مرتبة «علية القوم»، فلم يكن نصيبه من كل تعبه ونصبه ومشقته إلا المزيد من الازدراء والفشل! وأشد ما كان يؤلمه، وهذا هو الأمر العجيب المستغرب، أنه اكتشف أن من حوله كلهم من ذات طينته! العفن عفن، والمنافق منافق، والأحمق أحمق، فضجّ وهاج وماج، وزاد وجده وانكساره لكنه قرر أن يستغيث بواحدةٍ من أدهى ساحرات الدنيا… علّها تشور عليه مشورة ينال فيها ما تمنى.

«سيدتي العظيمة… يا أعظم ساحرات الكون… جئتك (بائعاً ومخلصاً)… لقد اسوّدت الدنيا في عيني وألهبتني سياط المذلة والإخفاق، فهل لك أن ترشديني إلى طريق خلاصي فأكون لك عبداً مطيعاً مؤتمراً بما تأمرين… أنت تفصّلين وأنا ألبس… سيان عندي إن كنت أنت الراعية وأنا الكلب الأمين… أم أنت الكلبة وأنا العظم اللعين»… قالها وانحنى ينتظر منها أن تنطق ببنت شفة.. لكنها صمتت! وطال وقت صمتها وهو ينتظر منحنياً علّها ترأف بحاله.

رمقته بنظرة فيها من الخبث ما يليق به ثم قالت: «لعمري لم أرَ في حياتي أسود وجه مثلك؟ أفبعد أن تشرّق وتغرّب… وتخيط وتبيط… تأتيني طالباً المشورة وأنت تعلم سلفاً، ومنذ سنين، أنني في حاجة إلى شخص مثلك؟ ها… أتريدني الآن أن أحشّد عليك عفاريتي فيجعلونك قديداً يرمى لوحوش البيداء… ها… هيّا اخرج… اغرب عن وجهي فما بلغني عنك من رغبةٍ عارمةٍ في أن تسحب البساط من تحت قدمي وتصبح أنت المقدّم عليّ… يجعلني أمقتك وأحتقر شأنك الحقير أصلاً».

«لا يا مولاتي… من أبلغك عني تلك الأكاذيب؟ إنما أنا منك وإليك… نعم، أخذتني الدنيا عنك قليلاً ولكنني إنما كنت أستعد لأن أُبلى بلاءً حسناً في سبيل نيل رضاك… بس عاد سامحيني… لقد أحدث كلامك في فؤادي شرخاً ما أحدثه شارخ… وقطع نياط قلبي بأشد ما ملكه جزّار من سواطير المطابخ… حتى لكأنني أهيم بين الناس صارخاً بعويل ما صدر من صارخ… تكفين يا مولاتي تكفين، فإنني من يدك هذه إلى يدك تلك… اِؤْمُريني ستجدينني رهن إشارتك».

تصاعد الدخان من مجمرة وضعتها الساحرة أمامها بعد أن رمت فيها ما رمت ثم قالت له مهددةً متوعدة: «سيكون لك ما أردت على ألا تعصي لي أمراً، ولا تفشي لي سراً، فإنك تعلم من أمري ما تعلم… أونسيتَ عفاريتي؟ أونسيتَ أنني إن أردت أن أكويك بجحيم سحري فإنّ أنهار الدنيا لن تطفئ حريقك…».

قفز ثم عاد لينحني: «بلى… بلى… أعلم كل ذلك؟ وهل أنا إلا مخلوق لا وجود لي إلا بوجودك… فَأمُري ما تشائين»… نبشت الساحرة في خرقة من القماش وضعتها قرب تكيتها وأخرجت منها كيساً حريرياً ألقته إليه وقالت: «خذ… في هذا الكيس، تعاويذ الشر… ليس عليك إلا أن تندسّ بين الناس وتنشر العداوة بينهم… وإذا وجدت الأحبة مجتمعين فاستخدم تلك التعاويذ لتفرق بينهم… وإن وجدت البشر في وئام، فدمر ما بينهم من ود… اسعَ سعيك وكد كيدك… فستجد فيما تفعل ما تأمل… وأراك بعد حين من الزمن… وقد جئتني بما يثلج صدري ويفرح فؤادي مما صنعت… هيا اذهب».

خرج ولم يعد… خرج وغاب طويلاً… لكنه بعد طول غياب عاد مرتمياً بين يدي الساحرة… صرخت: «ماذا دهاك… أصدقني القول؟ هل فعلت ما أمرتك؟»… ردّ وهو يهزّ رأسه بجنون: «نعم يا سيدتي… نعم… لقد نالني مما أمّلت ما نالني… أصبحت يا سيدتي… صاحب الفضيلة«…».

* هي قصة من خيال الواقع… فاختاروا من دلالاتها ما شئتم!.

احمد الصراف

اليابان.. سلباً وإيجاباً (1 – 3)

يعتبر ماركوس أورليوس Marcus Aurelius، (حكم 161 – 181) من أعظم خمسة أباطرة حكموا روما. وينقل عنه قوله ان على كل فرد أن يعيش حياة شريفة ويلتزم أخلاقيا، فإن كانت هناك آلهة عادلة وعاقلة، (وكان يؤمن بتعدد الآلهة)، فإنها غالبا لن تهتم بمدى التزام الفرد بتعاليمهم وعباداتهم، بل سيغفرون له «معصيته» بناء على فضائله وأخلاقه التي عاش بموجبها. وإن لم تكن الآلهة عادلة، فإنهم لا يستحقون الالتزام بتعاليمهم! وإن لم تكن هناك في نهاية الأمر لروما آلهتها، فلن يكون هناك فرق بين أحد! ولكن البشرية تكون قد كسبت أولئك الذين عاشوا بطريقة شريفة ونبيلة، لتبقى ذكراهم إلى الأبد.
واجهت اليابان كوارث لا تعد في تاريخها، ولولا ما تميز به الياباني من جلد وقوة احتمال على العمل الشاق، لما تمكن من تحقيق شيء، فهي الدولة الوحيدة التي اكتوت بنار قنبلتين نوويتين، هذا غير تعرضها المستمر للزلازل والكوارث الطبيعية، مثل ما اصابها اخيرا. فأرض اليابان فقيرة، ومواردها محدودة وجغرافيتها صعبة، وبالتالي كان لا بد من خضوع شعبها القوي الشكيمة لمجموعة معتقدات دينية وعسكرية، وإيمان بأنه أفضل من غيره، وبالرغم من كل ما تسببت به قنبلتا هيروشيما ونكازاكي من مصائب مهولة، إلا أنهما كانتا «نقطة تحول» مفصلية في تاريخ اليابان الحديث، بتأثيراتهما العميقة في شخصية الياباني، خلال السبعين سنة الماضية، وجعله أكثر تسامحا بعد كل ما كانت تتصف به من صلافة وعنجهية وميل شديد للعسكرية والخضوع التام للامبراطور، ابن الله! فيابان ما قبل ماك آرثر هي غيرها بعده، فالصدمة الثقافية والإنسانية الإيجابية التي ساهم الجنرال الأميركي، وفريق العلماء والخبراء الذين صاحبوه، في خلقها لدى الفرد الياباني هي التي دفعت اليابان صناعيا وأخلاقيا إلى أن تكون ما هي عليه الآن، والتي أدت تدريجيا لاختفاء العنجهية لتحل محلها شخصية مسالمة ومرنة وأكثر تقبلا للآخر، من غير تفريط في الأساسيات العميقة للأخلاق اليابانية، فكيف حدث ذلك؟ وكيف تزامن تقدمها الصناعي وترفعها الأخلاقي مع تناقص التزاماتها الدينية؟ وكيف قبلت بتخليها عن فكرة تقديس الإمبراطور، ورفض بقية الرموز الدينية لمصلحة تحولها إلى دولة علمانية كاملة؟
الأمر برمته يعود إلى أمرين أساسيين: أولهما غياب فكرة العقاب والثواب من الفكر الياباني، وثانيهما المنهج الأخلاقي الذي اتبع تدريسه في كل المدارس مع نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، والذي كان له أبلغ الأثر في تشكيل فكر الفرد الياباني، وجعل الأخلاق، من منطلق منطقي، الأساس في التعامل مع النفس ومع الغير، وليس الخوف الديني من العقاب. فهناك فرق بين ان نكون أمينين ومهذبين وشرفاء، لأن الأخلاق تتطلب ذلك، وبين أن نكون كذلك لأن التعاليم الدينية تقول ذلك، ففي الحالة الأولى الفضاء الذي يشمله هذا الخلق والتهذيب أكثر رحابة، وبالتالي لا يقتصر على أصحاب الدين أو المذهب نفسه، بل الجميع تقريبا! فغالبية الأديان تطالب أتباعها بأن يكونوا شرفاء وأمناء بعضهم مع بعض، ولكنها لا تطالبهم بالضرورة بالتصرف بالقدر والطريقة نفسيهما مع اتباع العقائد الأخرى!
(وإلى مقال الغد).

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سامي النصف

الحل 25 دائرة وصوت واحد!

من الأمور غير الحكيمة وغير العقلانية، والتي سحبت الكويت بقوة الى الخلف وتسببت في تخلفنا وجعلنا في كثير من الاحيان «أضحوكة» الأمم، قيام البعض بحسن ـ أو لربما بسوء ـ نية بدفعنا لتبني خيارات ومناهج لا تأخذ بها شعوب الدول المتقدمة الاخرى – بل وحتى المتأخرة – وكأن هؤلاء المتخلفين يعرفون ويعلمون بفكرهم الفارغ ما لا تعلمه التجارب الانسانية الاخرى.

***

البشرية جمعاء وتجارب الديمقراطيات الاخرى دون استثناء تزيد عدد دوائرها الانتخابية تباعا وهو الأمر الطبيعي الذي حدث في الكويت حين زدنا عدد دوائرنا من 10 الى 25 دائرة وكان الأمر الطبيعي ان تزداد الدوائر تباعا مع الزيادات السكانية الى 30 أو 50 أو 60 دائرة ويزداد النواب الى 60 نائباً كي يمكن زيادة عدد الوزراء الى 20 وزيرا لعدم منطقية تحميل الوزير اكثر من وزارة في بلد اصبح فيه استجواب الوزير بالحق او الباطل اسهل من شرب قدح من الماء.

***

بدلاً من السير بنهج وخيار «زيادة» الدوائر المنطقي قام «البعض» بدفعنا لـ«تقليل» عدد الدوائر والاخذ بنظام الدوائر الخمس الذي تفشت بسببه قضايا الفئوية والطائفية والقبلية حتى وصلت الكويت الى حافة التناحر الأهلي اكثر من مرة ثم عاد نفس هذا البعض هذه الايام للدعوة بسوء نية للتحول لنظام الدائرة الواحدة الفريد الذي سيسير بنا في طريق الخراب والدمار والدماء بعد ان تتحول الجائزة الى 50 كرسيا نيابيا اخضر وكل الوزارات وجل الميزانية العامة للدولة.

ان الحل الوحيد الذي يطالب به الشعب الكويتي قاطبة عدا المغرضين والمغرر بهم – والذي يجعلنا نسير بمسار جميع الديمقراطيات المتقدمة الاخرى ـ هو العودة المبدئية لنظام الـ 25 دائرة مع الالتزام بالقاعدة المعروفة في العالم اجمع اي «One Man One Vote»، ولا مانع من وجود فروقات اصوات بين الدوائر كما هو الأمر في الدول الاخرى التي تعتمد التوزيع «الجغرافي» و«الشرائحي» لا «العددي» بالضرورة كي تمثل كل التوجهات تحت قبة البرلمان، لقد استمعنا في السابق لاجتهادات اصحاب القلوب الحاقدة والعقول الفارغة فأدت بنا الى التطاحن والتخلف، وقد حان الوقت للاستماع للعقل والمنطق والاخذ بما يأخذ به الآخرون لا مخالفتهم، وكفى محاولة ارضاء من لن يرضى قط حتى.. يدمر البلد ويرى دخان حرائقه في كل مكان.

***

آخر محطة: 1 ـ عندما تعرض اي قضية على محكمة عادية او دستورية في اي بقعة في العالم تتسابق الصحف والمختصون إلى تخمين الحكم كونه لا يزيد في العادة عن احد خيارين، وقد يخطئ هذا الطرف ويصيب ذاك.

2 ـ لذا من المعيب والمخجل جدا اتهام رجال القضاء الكويتي الشامخ في ذممهم من قبل «مخضرمي» و«فروخ» بعض الحركات السياسية كلما صدر حكم لا يرضيهم عبر القول انه حكم سياسي، او التساؤل المغرض والغبي: كيف علمت الصحيفة او الوسيلة الاعلامية بالحكم قبل صدوره؟! دون ذكر حقيقة ان الصحف لا تعلم الاحكام إلا ان لديها رجال قانون مختصين يستطيعون «تخمين» الاحكام حسب الاوراق والخبرة والتخصص.. وعيب!