طرح الكاتب وحيد عبدالمجيد، في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، مقالاً عميق المعاني بعنوان: «ديمقراطية عربية بدون ثورات»، ولعل الكاتب أخضع التجربة المغربية تحت المجهر، انطلاقاً من الاستفتاء على الدستور المغربي ليقول (إن التغيير ممكن عبر الإصلاح التدريجي، وإن الانتفاضات والثورات الشعبية الجذرية ليست الطريق الوحيد للتحول نحو الديمقراطية في العالم العربي)، لكن الكاتب قال أيضاً، استناداً على التجربة المغربية، إن العاهل المغربي (تفاعل) مع المطالب الديمقراطية التي طرحها بعض الشباب عبر «الإنترنت»، حيث اعتبر الكاتب مطالبات الشباب جاءت اقتداءً بمجريات الحركات الشبابية كما هو الحال في دول المطالبة بالحقوق المشروعة، والموسومة بمسمى (الربيع العربي).
لقد اتجه الكثير من المفكرين والكتاب إلى بحث أساس ومنطلقات المد الشبابي العربي الجديد المطالب بالتحول نحو الديمقراطية… من قاعدة أن الحكومات تسقط… وتعيش الشعوب، حتى أن الكاتب وحيد عبدالمجيد، بطرحه للنموذج المغربي أشار إلى هذه الجزئية، بقوله (إن تحول هذا النمط المغربي إلى نموذج عربي يتطلب استمرار المنهج الإصلاحي على مختلف المستويات، من الدستور والسياسة إلى المجتمع والاقتصاد، وفتح أبواب المؤسسات أمام الشباب الذي مازال بعضه غاضباً حتى لا يبقى الشارع ملجأه! إنه نموذج التحول الديمقراطي بدون ثورات، ذلك الذي يمكن للمغرب أن يقدمه في الفترة المقبلة». (انتهى الاقتباس).
ولعلني أنقل للقارئ الكريم أيضاً رؤية الكاتب شاكر النابلسي (منتدى الحوار المتمدن)، الذي ناقش الكثير من الأفكار التي وردت في كتاب أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين، الباحث والمفكر البحريني باقر سلمان النجار، الذي حاز كتابه «الديمقراطية العصية في الخليج العربي» على جائزة الشيخ زايد آل نهيان للكتاب، فالنابلسي طرح سؤالاً مهماً: «هل الديمقراطية في الخليج العربي عصيّة حقاً؟»، ليسترسل في القول إننا ندرك إشكالية الديمقراطية في الخليج العربي خاصة فهي إشكالية اجتماعية، قبل أن تكون إشكالية سياسية! بمعنى أن تحقيق الديمقراطية في الخليج، أو في أي بلد على سطح هذه الكرة، لن يتم إلا إذا شعر جميع المواطنين دون استثناء، أن هذا الوطن هو وطن الجميع، وهو مُلك الجميع، وليس وطن أو مُلك فئة معينة من الناس، وأن دولة الوطن، هي دولة الجميع، وليست دولة فئة معينة من الناس، وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المدني الحديث، ويقضي هذا الأساس، إقامة نوع من الاتفاق أو «العقد الاجتماعي»، الذي يساعد الشعب على الانتظام في دولة واحدة، وبذا يكون المجتمع المدني بكل بساطة – كما يقول عالم الاجتماع العراقي فالح عبدالجبار في كتابه «المجتمع المدني في عراق ما بعد الحرب»، ص 11» – «هو كل تجمع بشري خرج من حالة الطبيعة (الفطرية) إلى الحالة المدنية، التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على اتفاق تعاقدي… وبذا، فإن المجتمع المدني هو المجتمع الذي يُعبِّر عن كل واحد فيه، وهو كلٌ يضمُ المجتمع والدولة معاً. (انتهى الاقتباس).
ولكن، ما هو المقدم في الولاء، هل الولاء للأوطان، أم للحكومات؟ وخصوصاً في ظل وجود من يروّج لفكرة أن (من لا يحب الحكومة، فهو خائن للوطن) مع الفارق الكبير بين الحكومات والأوطان… الولاء للأوطان قطعاً، وليس للحكومات التي تُستبدل وتبقى الأوطان والشعوب.
وفي هذا المحور، يرى الباحث عبدالفتاح ماضي (منتدى المعرفة) في بحثه القيم: «بناء النظم الديمقراطية العربية»، أن من أهم أولويات ومطالب الحراك الشعبي العربي الراهن التي تحتاج إلى معالجات سياسية ودستورية مسألتا الإرث الاستبدادي الذي خلفته نظم حكم الفرد، والحالة الثورية وتصور البعض أنه بالإمكان تحقيق كل شيء عبر النزول إلى الشارع… هذا بالطبع بجانب إشكالية الهُوية والمرجعية العليا للنظام السياسي، وأوجه الفساد والإفساد، وضعف النخب السياسية، ودور المؤسسة العسكرية، وعدم ثقة الناس في السياسة والسياسيين، إلا أن مقابل هذا الطرح، يرى كاتب آخر هو باسم الجسر في مقالته: «(الطريق الصعب إلى الديمقراطية – صحيفة «الشرق الأوسط» – 20 يوليو/ تموز 2011)، فالأخير يرى أنه يمكن أن تنطلق جهود معالجة الإرث الاستبدادي من تعريف الديمقراطية من حيث هي ترتيبات مؤسسية وآليات لضمان الحكم الصالح عن طريق تقييد سلطة الحكام وتعزيز مشاركة الجماهير في الشأن العام.
ويأتي على رأس هذه الآليات والترتيبات استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية استقلالاً تاماً، وقيامه بدور الرقابة القضائية في تقييد سلطة الحكام من خلال دور مجلس الدولة والقضاء الإداري في الرقابة على مشروعية أعمال السلطة التنفيذية ومنع تعسف الإدارة في تنفيذ القوانين، ودور المحكمة الدستورية العليا في الرقابة على دستورية القوانين للحيلولة دون مخالفة البرلمان نصوص الدستور.
أما ثاني هذه الترتيبات فهو تجنب النظم الرئاسية على النمط الأميركي، فهي لا تصلح للدول العربية نظراً للإرث الفردي والخوف من تشكيل مراكز نفوذ جديدة حول الرئيس الجديد. ولهذا فقد يكون تبني النظام شبه الرئاسي هو الأنسب نظراً لحاجة هذه الدول إلى انتقال سلمي واضح للسلطة لرئيس منتخب، وحاجتها، في الوقت ذاته، إلى تقسيم السلطة التنفيذية بين الرئيس المنتخب والوزارة التي يجب أن يشكلها حزب (أو أحزاب) الأغلبية في البرلمان الذي يقوم بدوره بمراقبة أعمال الوزارة، ومع تحديد واضح لصلاحيات كلٍّ من الرئيس والوزارة.
ويطرح الجسر محوراً مهماً يتعلق بوسائل تمكين الشباب، والمواطنين بشكل عام، من ممارسة السلطة، عن طريق تبني النظم الجديدة بعض مظاهر الديمقراطية، فبجانب استخدام أسلوب الاستفتاء الشعبي مع وضع الضمانات اللازمة لحصره في القضايا الجوهرية ومنع إساءة استخدامه لتجاوز دور البرلمان، يمكن تبني الاقتراح الشعبي الذي يسمح للناخبين باقتراح مشروع قانون ورفعه للبرلمان لمناقشته فإذا تم إقراره أو رفضه، يعرض على الشعب لاستفتائه فيه، كما الحال في سويسرا وكندا.
الجانب المهم، كخلاصة، هو أن الديمقراطية الحقيقية تسهم في إعادة ثقة الناس بالسياسة، وفي دفع المواطنين إلى الاهتمام بالشأن العام وزرع الأمل فيهم بإمكانية تغيير السياسات والأشخاص، بجانب تحسين أداء الحكام ونوعية الحكم الديمقراطي… وخلاصة الخلاصة: العدالة الإجتماعية التي هي ضالة الشعوب المحرومة منها… فالحكومات المستبدة ستسقط حتماً، أما الشعوب فهي الباقية وستحقق تطلعاتها.