سعيد محمد سعيد

الحكومات تذهب… وتبقى الشعوب

 

طرح الكاتب وحيد عبدالمجيد، في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، مقالاً عميق المعاني بعنوان: «ديمقراطية عربية بدون ثورات»، ولعل الكاتب أخضع التجربة المغربية تحت المجهر، انطلاقاً من الاستفتاء على الدستور المغربي ليقول (إن التغيير ممكن عبر الإصلاح التدريجي، وإن الانتفاضات والثورات الشعبية الجذرية ليست الطريق الوحيد للتحول نحو الديمقراطية في العالم العربي)، لكن الكاتب قال أيضاً، استناداً على التجربة المغربية، إن العاهل المغربي (تفاعل) مع المطالب الديمقراطية التي طرحها بعض الشباب عبر «الإنترنت»، حيث اعتبر الكاتب مطالبات الشباب جاءت اقتداءً بمجريات الحركات الشبابية كما هو الحال في دول المطالبة بالحقوق المشروعة، والموسومة بمسمى (الربيع العربي).

لقد اتجه الكثير من المفكرين والكتاب إلى بحث أساس ومنطلقات المد الشبابي العربي الجديد المطالب بالتحول نحو الديمقراطية… من قاعدة أن الحكومات تسقط… وتعيش الشعوب، حتى أن الكاتب وحيد عبدالمجيد، بطرحه للنموذج المغربي أشار إلى هذه الجزئية، بقوله (إن تحول هذا النمط المغربي إلى نموذج عربي يتطلب استمرار المنهج الإصلاحي على مختلف المستويات، من الدستور والسياسة إلى المجتمع والاقتصاد، وفتح أبواب المؤسسات أمام الشباب الذي مازال بعضه غاضباً حتى لا يبقى الشارع ملجأه! إنه نموذج التحول الديمقراطي بدون ثورات، ذلك الذي يمكن للمغرب أن يقدمه في الفترة المقبلة». (انتهى الاقتباس).

ولعلني أنقل للقارئ الكريم أيضاً رؤية الكاتب شاكر النابلسي (منتدى الحوار المتمدن)، الذي ناقش الكثير من الأفكار التي وردت في كتاب أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين، الباحث والمفكر البحريني باقر سلمان النجار، الذي حاز كتابه «الديمقراطية العصية في الخليج العربي» على جائزة الشيخ زايد آل نهيان للكتاب، فالنابلسي طرح سؤالاً مهماً: «هل الديمقراطية في الخليج العربي عصيّة حقاً؟»، ليسترسل في القول إننا ندرك إشكالية الديمقراطية في الخليج العربي خاصة فهي إشكالية اجتماعية، قبل أن تكون إشكالية سياسية! بمعنى أن تحقيق الديمقراطية في الخليج، أو في أي بلد على سطح هذه الكرة، لن يتم إلا إذا شعر جميع المواطنين دون استثناء، أن هذا الوطن هو وطن الجميع، وهو مُلك الجميع، وليس وطن أو مُلك فئة معينة من الناس، وأن دولة الوطن، هي دولة الجميع، وليست دولة فئة معينة من الناس، وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المدني الحديث، ويقضي هذا الأساس، إقامة نوع من الاتفاق أو «العقد الاجتماعي»، الذي يساعد الشعب على الانتظام في دولة واحدة، وبذا يكون المجتمع المدني بكل بساطة – كما يقول عالم الاجتماع العراقي فالح عبدالجبار في كتابه «المجتمع المدني في عراق ما بعد الحرب»، ص 11» – «هو كل تجمع بشري خرج من حالة الطبيعة (الفطرية) إلى الحالة المدنية، التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على اتفاق تعاقدي… وبذا، فإن المجتمع المدني هو المجتمع الذي يُعبِّر عن كل واحد فيه، وهو كلٌ يضمُ المجتمع والدولة معاً. (انتهى الاقتباس).

ولكن، ما هو المقدم في الولاء، هل الولاء للأوطان، أم للحكومات؟ وخصوصاً في ظل وجود من يروّج لفكرة أن (من لا يحب الحكومة، فهو خائن للوطن) مع الفارق الكبير بين الحكومات والأوطان… الولاء للأوطان قطعاً، وليس للحكومات التي تُستبدل وتبقى الأوطان والشعوب.

وفي هذا المحور، يرى الباحث عبدالفتاح ماضي (منتدى المعرفة) في بحثه القيم: «بناء النظم الديمقراطية العربية»، أن من أهم أولويات ومطالب الحراك الشعبي العربي الراهن التي تحتاج إلى معالجات سياسية ودستورية مسألتا الإرث الاستبدادي الذي خلفته نظم حكم الفرد، والحالة الثورية وتصور البعض أنه بالإمكان تحقيق كل شيء عبر النزول إلى الشارع… هذا بالطبع بجانب إشكالية الهُوية والمرجعية العليا للنظام السياسي، وأوجه الفساد والإفساد، وضعف النخب السياسية، ودور المؤسسة العسكرية، وعدم ثقة الناس في السياسة والسياسيين، إلا أن مقابل هذا الطرح، يرى كاتب آخر هو باسم الجسر في مقالته: «(الطريق الصعب إلى الديمقراطية – صحيفة «الشرق الأوسط» – 20 يوليو/ تموز 2011)، فالأخير يرى أنه يمكن أن تنطلق جهود معالجة الإرث الاستبدادي من تعريف الديمقراطية من حيث هي ترتيبات مؤسسية وآليات لضمان الحكم الصالح عن طريق تقييد سلطة الحكام وتعزيز مشاركة الجماهير في الشأن العام.

ويأتي على رأس هذه الآليات والترتيبات استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية استقلالاً تاماً، وقيامه بدور الرقابة القضائية في تقييد سلطة الحكام من خلال دور مجلس الدولة والقضاء الإداري في الرقابة على مشروعية أعمال السلطة التنفيذية ومنع تعسف الإدارة في تنفيذ القوانين، ودور المحكمة الدستورية العليا في الرقابة على دستورية القوانين للحيلولة دون مخالفة البرلمان نصوص الدستور.

أما ثاني هذه الترتيبات فهو تجنب النظم الرئاسية على النمط الأميركي، فهي لا تصلح للدول العربية نظراً للإرث الفردي والخوف من تشكيل مراكز نفوذ جديدة حول الرئيس الجديد. ولهذا فقد يكون تبني النظام شبه الرئاسي هو الأنسب نظراً لحاجة هذه الدول إلى انتقال سلمي واضح للسلطة لرئيس منتخب، وحاجتها، في الوقت ذاته، إلى تقسيم السلطة التنفيذية بين الرئيس المنتخب والوزارة التي يجب أن يشكلها حزب (أو أحزاب) الأغلبية في البرلمان الذي يقوم بدوره بمراقبة أعمال الوزارة، ومع تحديد واضح لصلاحيات كلٍّ من الرئيس والوزارة.

ويطرح الجسر محوراً مهماً يتعلق بوسائل تمكين الشباب، والمواطنين بشكل عام، من ممارسة السلطة، عن طريق تبني النظم الجديدة بعض مظاهر الديمقراطية، فبجانب استخدام أسلوب الاستفتاء الشعبي مع وضع الضمانات اللازمة لحصره في القضايا الجوهرية ومنع إساءة استخدامه لتجاوز دور البرلمان، يمكن تبني الاقتراح الشعبي الذي يسمح للناخبين باقتراح مشروع قانون ورفعه للبرلمان لمناقشته فإذا تم إقراره أو رفضه، يعرض على الشعب لاستفتائه فيه، كما الحال في سويسرا وكندا.

الجانب المهم، كخلاصة، هو أن الديمقراطية الحقيقية تسهم في إعادة ثقة الناس بالسياسة، وفي دفع المواطنين إلى الاهتمام بالشأن العام وزرع الأمل فيهم بإمكانية تغيير السياسات والأشخاص، بجانب تحسين أداء الحكام ونوعية الحكم الديمقراطي… وخلاصة الخلاصة: العدالة الإجتماعية التي هي ضالة الشعوب المحرومة منها… فالحكومات المستبدة ستسقط حتماً، أما الشعوب فهي الباقية وستحقق تطلعاتها.

عادل عبدالله المطيري

الأغلبية بلا سقف!

مع مرور الوقت وعدم حسم الأمور سياسيا ودستوريا لقضية الدوائر الانتخابية، ازدادت الساحة السياسية حرارة واقتربت من درجة الغليان.

بدأت الحكومة ورموزها تفقد ثقة الأغلبية التي كسبتها، وأصبحنا نسمع عبارات السخط والتهديد والوعيد تخرج من أفواه المعارضة باتجاه الحكومة ورئيسها، منذرة بتحول خطير في علاقة الأغلبية وسمو الرئيس!

فالمعارضة متمسكة بالنظام الانتخابي، وترفض أي تغيير عليه، وتعتبره بمثابة الانقضاض على الدستور وإرادة الأمة من قوى الفساد، التي بدأت تأثر على خيارات الحكومة وقراراتها، مما جعل الخطاب السياسي للأغلبية المعارضة من دون سقف.

من يعرف المعارضة وشخوصها يعلم جيدا أنهم يقرنون القول بالفعل، ولا يرتضون بالصفقات السياسية مقابل التنازل عما يؤمنون به، ولهم شعبية كاسحة في الشارع الكويتي.

وكان على الحكومة اتباع صريح الدستور والابتعاد عن المشتبهات الدستورية، خصوصا أن المحكمة الدستورية نفسها ـ أبطلت مجلس 2012 لسبب واحد فقط، وهو وبالتحديد بطلان الإجراءات ولم تتطرق إلى مسألة بطلان الدوائر الانتخابية رغم ادعاء الخصوم بها، الأغلبية أعلنت خصومتها للحكومة الحالية كاملة، وعقدت العزم على التصعيد بالمظاهرات والاعتصامات، ولن يقنعها القليل (مجلس الأمة) الذي حرمت منه، ولن ترضى إلا بالكثير (حكومة برلمانية)، وقد تخسر الحكومة الكثير من مكاسبها لأنها لم تتعامل بجدية وديموقراطية مع الشعب وممثليه.

سامي النصف

بل هم السنوسي وفيصل الثاني وأنتم معمر وصدام معاً!

كان الملك ادريس السنوسي ملك ليبيا والملك فيصل الثاني ملك العراق أقرب للملائكة التي تمشي على الأرض فلم يعدما أو يسجنا أو يقمعا شعوبهما ومع ذلك استطاع ثنائي «الثورجية والمؤامرات الخارجية» ان يشوه سمعتهما وأن يثير المغرر بهم عليهما حتى قال المتظاهرون الليبيون «ابليس ولا ادريس» فأتاهم ابليس على شكل الثوري معمر القذافي الذي هو أشبه ما يكون ببعض ثوريينا الكويتيين هذه الأيام، وندمت شعوبهما على تفريطهم بهما وبكت دما عليهما عندما لا ينفع الندم، ونشهد في الكويت هذه الأيام أمرا مشابها وتفعيلا لثنائية الثورجية والمؤامرات الخارجية، والتاريخ ـ كما يقال ـ يعيد نفسه، فلنحذر ولنفشل المؤامرة قبل ان تنضج حتى لا نندم بعد فوات الأوان.

***

ان حكام الكويت الرحماء بشعوبهم أمثال الشيوخ الأجلاء عبدالله السالم وصباح السالم وجابر الأحمد وسعد العبدالله وصباح الأحمد ونواف الأحمد ومن سيأتي بعدهم من أسرة لم نر على يدها إلا كل الخير، هم أشبه ـ ان جاز التشبيه ـ بالملوك الرحماء السالف ذكرهم، اما المحرضون والمؤججون والغاضبون والحانقون والمخادعون من أصحاب الأجندات الخارجية فهم أقرب الناس لمعمر وصدام معا مع فارق ان معمر وصدام بدآ حياتهما السياسية بدعاوى الرحمة والرأفة ثم كشفا عن أنيابهما لاحقا، اما أنتم فقد أظهرتم أنياب القمع والكراهية والحقد قبل ان تصلوا لمواقع المسؤولية فكيف اذا ما وصلتم؟!

***

ومن يطلب ان نجربكم لأربع سنوات نقول ان المجرب لا يجرب، فقد جربنا بعضكم لأربعين عاما فوجدنا ان الكويت لم تبدأ في الانحدار إلا مع دخوله حياتنا السياسية وافشائه ثقافة الغضب والتشكيك الدائمين، وجربنا البعض الآخر لعشرين عاما فلم نر إلا الحقد الشديد والكراهية وضرب الوحدة الوطنية المتباكى عليها عبر استقصاد الناس والمسؤولين على «الهوية» لا على «القضية» مما خلق ردة فعل قوية يشتكي منها البعض ولا يسأل عن فاعلها والمتسبب الحقيقي فيها.

***

كما جُربتم أخيرا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة فلا نرى إلا الحنق والضيق الشديد بالرأي الآخر والحجر عليه والتعدي على الآخرين، ولو سلمتم الحكم ليوم واحد ـ لا أربع سنوات طوال ـ لدخلتم على معارضيكم بالسلاح في بيوتهم ونصبتم المشانق في الساحات العامة ولفتحتم أبواب السجون واسعة ولملأتم أرض الكويت بمقابر خصومكم الجماعية ولارتحل عن الكويت أغلب شعبها ورجال أعمالها كما حدث إبان غزو صاحبكم صدام ولحل محلهم غربان البين ينعقون على اطلالها ومبانيها الخربة ولما ابقيتم في ميزانيتها العامة فلسا أحمر فهذا ديدن الثورجية أمثالكم في كل مكان وزمان ولنا عودة.

***

آخر محطة: (1) هل نذكركم هذه الأيام بمن زار صدام عام 1990، وهل نذكركم بمن «استيقظ» ربيع ذلك العام المشؤوم وأنزل المغرر بهم للشوارع مما أعطى الطاغية الحجة للاجتياح حتى أعلن ان سبب الغزو هو «الثورة التي حدثت بالكويت»،فهل المراد ان نخدع بكم اليوم كما خدعنا بكم ذلك اليوم؟

(2) وهل نذكر شعبنا بأن علو صوتكم وشتائمكم وطول لسانكم لم يستخدم قط لمصلحة الكويت إبان حربنا الشرسة ضد فيالق صدام طوال اثني عشر عاما (1991 ـ 2003)، فأين كنتم طوال تلك الفترة ومواقع الفضائيات واليوتيوب شاهدة على أنكم لم توجهوا كلمة نابية واحدة تجاه الذئب الطامع القابع بالشمال بل ساهمتم بفعالية شديدة في إفشال مشروع حقول الشمال الذي يوفر الحماية الاستراتيجية للكويت وشعب الكويت، واذا لم تكونوا تعملون لمصلحة الكويت وشعب الكويت فلمصلحة من إذن كل هذا الحراك الذي نراهن على وعي الشعب الكويتي لإفشاله؟!

 

احمد الصراف

زرق العيون

ابتلي المسلمون، والعرب بذات الذات، بالكثير من المصائب والبلاوي، ولكن أشد بلاويهم سوءاً الفتاوى الدينية، التي أصبح إصدارها هم كل صبي دين وكهل تدين! وكلما كانت الفتوى غريبة كان حظها في الانتشار أكبر وصداها في القنوات الفضائية والصحف والإذاعات أعلى، ليصبح مصدرها نجماً وعلماً دينياً، وليمدد بفعلته من فترة ضحك العالم علينا، وسخريته من طريقة تفكيرنا! وكان آخر تلك الفتاوى الغريبة والمستهجنة، التي لا يزال يدور حولها نقاش واختلاف، وشد وجذب كبيران، على الرغم من كل ما تضمنته من سخف، تلك التي تعلقت بحث شباب وكهول المسلمين، من المقتدرين مادياً، على زيارة مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا والجزائر وغيرها، و«نجدة» من فيها بالزواج من الفتيات السوريات، لستر أعراضهن! وبصرف النظر عن حقيقة نية وهدف رجل الدين الذي أصدر مثل هذه الفتاوى، إلا أنه من الواضح أن النهاية لن تكون في مصلحة أولئك الفتيات، فالمسألة، كما سنبين لاحقاً، لا علاقة لها بستر الأعراض ولا بتقديم العون والمساعدة، بل الهدف جنسي بحت، كما ذكرت الزميلة دلع المفتي، من أن هذه الحملات ذكورية استغلالية قبيحة، غلافها الستر وباطنها النخاسة المقنعة بعناوين فضفاضة، مثل الزواج الشرعي، ورفع المعاناة، وأن هكذا يتراكض «المجاهدون» لنصرة الشعب السوري، بسبي نسائه تحت ستار الزواج من فتيات سوريات، بعضهن قاصرات، بمهور بخسة تدفع للأب المكلوم الذي لا يملك قوت أطفاله، فيزوج ابنته طمعاً بالستر.
حجة هؤلاء المفتين، ومن تصدى لتطبيق فتاواهم، أن هؤلاء من نساء المسلمين ويجب سترهن، وأن المسألة شرعية بحتة ولا إكراه فيها، وتتم على سنة الله ورسوله، وأن ما يحدث الآن في سوريا سبق أن حدث على نطاق أوسع بكثير في كوسوفو وقبلها في البوسنة وبعدها في الشيشان! ولكن الغريب أن الستر والخوف كانا على المرأة أو الفتاة الجميلة، فمن له الخيار لن يختار غيرها، على الرغم من أن الأقل جمالاً أحق بالمساعدة! كما أن التنادي والتكاتف لنصرة الشعب السوري اتجها نحو فتياته ولم يتجها، إن كانا صادقين، لشبابه، فلم نسمع بفتوى تطالب آباء الفتيات العربيات المقتدرات بتزويج بناتهم بشباب مخيمات اللاجئين السوريين! فلمَ يقتصر العون على النساء ويترك الشباب لمصيرهم، علماً بأن نسبة العنوسة في دول «العون» هي الأعلى في العالم؟ كما أن هذه الفتاوى جنسية بحتة ولا علاقة لها بالدين ولا بالتدين ولا بالقربى وكسب الأجر، والدليل على ذلك أن نساء مناطق عديدة من السودان ودارفور والصومال، وجميعهن مسلمات صحيحات الإسلام، تعرضن منذ عشرات السنين لأبشع أنواع الاضطهاد والتشريد والاغتصاب والتعذيب والتشويه والقتل والموت جوعاً، ومع هذا لم يتبرع شيخ ولا صبي دين، من نجوم القنوات الفضائية، بإصدار فتوى بضرورة قيام «شباب وكهول» الدول المقتدرة بزيارة مخيمات لاجئيهم، وما أكثرها، والاقتران بفتياتهم! هل لأنهن لا يمتلكن البشرة الشقراء ولا العيون الزرق، كفتيات سوريا وكوسوفو والشيشان والبوسنة والهرسك؟ اللعنة، كم أنتم منافقون.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

حسن العيسى

جربناكم جربونا

جربناكم كثيراً جربونا قليلاً، هذا ما صرح به النائب مسلم البراك في ندوة التيار التقدمي، ففحوى خطابه أن الدولة دفعت ثمناً كبيراً مدة خمسين عاماً في استئثار أسرة الصباح للسلطة، فماذا يمنع أن “تكون الأمة مصدر السلطات” شكلاً وموضوعاً مدة أربع سنوات؟ وهي عمر الفصل التشريعي، وماذا نخسر في هذه التجربة بعد أن خسرنا الكثير في تجربة الخمسين عاماً من الحكم الدستوري، تخللها أكثر من مرة سنوات قطيعة للدستور مثل عام تزوير الانتخابات 67، وحل المجلس عام 76، وعام 86؟ وفي بقية العمر الدستوري ظلت أسرة الحكم تمسك بمفاصل الدولة، وكان (ومازال) هناك “حكومة الحكومة” (وزراء الأسرة) الذين لهم حق النقض “الفيتو” على أي قرار داخل مجلس الوزراء. البراك يطالب صراحة بالإمارة الدستورية، التي لا تكون بغير رئيس وزراء شعبي ليس له الهالة الصباحية، ويدعو كذلك إلى كسر احتكار وزارات “السيادة” للأسرة. في المقابل، هناك من يقول إننا جربناكم “أنتم مجالس النواب”، وكانت كارثة على حريات وحقوق البشر وعلى مشوار التنمية، فقد خرقتم أهم المعايير الدستورية، فأنتم من وضع شرط الدين الإسلامي لمنح الجنسية عام 81، وأنتم من عزلتم الجنسين في مقاعد الدراسة الجامعية، وأنتم من خنق حياة الفكر والثقافة بالدولة حين تسلط التيار الديني على الحياة الاجتماعية، وأصبح شعار الفكر وحرية التعبير والنقد “الأصل في الأمور المنع لا الإباحة”، والمسرح ومعارض الكتاب المزرية تنهض دليلاً على ذلك، حتى أصبحت الدولة خاوية من المعنى، خالية من أي لمسة جمال. وأنتم من وقف ضد مشاريع التنمية والتطوير مثل حقول الشمال، أو المصفاة الرابعة، وخلقتم أجواء من الرعب المالي الذي “طفش” كل أحلام الاستثمار والتطوير. لن أزيد في عرض الكثير من ردود أصحاب هذا الرأي، فقد قال فيه عبداللطيف الدعيج، وإيمان البداح، وإقبال الأحمد على سبيل المثال، ما لم يقله مالك في الخمر. وأهم من كل ذلك أن الرؤوس الكبيرة لممثلي الشعب أقامت الحواجز الطائفية في المجتمع الكويتي، وشككت ظلماً وتعالياً عنصرياً بولاء الشيعة للدولة، وكأنهم ليسوا من أهل البلد، ولم يكن لهم دور كبير في تحقيق هويته الوطنية. هناك أيضاً كثيرون، يرتدي بعضهم أثواب “الانتلجنسيا” (يعني أهل فكر) لا يترددون في إثارة ذلك السؤال الخاوي حين تنتصر مثلاً لمسلم البراك أو فيصل المسلم في قضية الإيداعات مثلاً: هل تريد أن يحكمك مسلم البراك أو أحمد السعدون! أرفض مثل هذا الرأي، فالحكم الدستوري الصحيح لا يعني أن يحكم البراك أو السعدون، ولا يعني أن تستبد الأغلبية المتزمتة في طرحها وتهدم أمن الدولة بعد أن أحرقت حياتنا الاجتماعية، ففي النهاية فإن عبارة “الأمة مصدر السلطات” تعني كل الأمة، وليس فريقاً دون آخر، والبراك يمثل الشعب مثلما يمثله عدنان عبدالصمد أو غيرهما من ممثلي الشعب، والسؤال ليس من “هو” الذي سيحكم الشعب، وأي إلى قبيلة أو عائلة ينتمي؟ فهو الشعب الذي سيحكم نفسه بنفسه كأولى أوليات الحكم الديمقراطي، وإنما السؤال الواجب هو كيف يمكن أن تدار أمور الحكم؟ فالسنوات القليلة الماضية أوضحت بجلاء سوء الإدارة السياسية في الدولة التي تمثلث في تردي الوضع المالي للدولة رغم وفرة الاحتياطي، والمسؤولية هنا مشتركة بين مجلس غابت عنه الأولويات وغرق في خرق أبسط الحقوق الدستورية للمواطنة، وحكومات ضعيفة مفككة ليس لها رؤية للمستقبل، ووقفت لا مبالية أمام الخطاب المتزمت الأصولي، فماذا فعلت تلك الإدارة السياسية حين سلط المتزمتون سيوفهم على رقاب الناس وصادروا الحريات الشخصية للبشر، وأمعنوا في طرحهم الطائفي أحياناً، وهمشوا فئات (ونخباً) اجتماعية من الوجود، لم تفعل تلك الحكومات شيئاً وكأن الأمر لا يعنيها، وفي الوقت ذاته لم تقف تلك الحكومات بقوة تدافع عن مشاريع التطوير والتنمية، إن قدمت أياً منها! لنستطرد قليلاً هنا، ونعيد ما ذكره النائب الداهوم في ساحة الإرادة، قبل فترة، بأن الكويتيين هم البحارة والبدو الفرسان! فماذا يعني ذلك غير نفي الطبقة التجارية وتاريخها بكامله، ويبدو أن عبارة “الفساد والمفسدين” خصصت لهم في خطاب المعارضة، وماذا يعني خطابه غير نفي كل أصحاب الحرف والمهن التي أسست هوية الدولة من قلاليف وأستاذيه، وهم من بنوا سفن الغوص وبغلات التجارة وغيرها من خبابيز وصناع وصفافير! إذا لم يكن مثل هذا الخطاب فاشياً متغطرساً من ألفه إلى يائه فماذا يكون؟! الحكم الديمقراطي بمقتضى الدستور مسألة واجبة، ولكن قبل ذلك يتعين على دعاته تصفية صفوفهم من شوائب العنصريين والطائفيين قبل الحديث عن الحكم الدستوري الكامل الدسم.

احمد الصراف

أصداء الذاكرة (2-2)

يتحدث السيد عبدالعزيز الشايع بألم، وإن خفي، عن تجربته السياسية القصيرة عام 1964 عندما دخل الوزارة، وكيف اضطر للاستقالة نتيجة الصراع داخل البعض من الأسرة، وكيف استخدم طرف منها المادة 131 من الدستور، التي تمنع الجمع بين الوزارة والعمل التجاري، لنسف التشكيلة الوزارية، لأن مطالبه لم تلبَّ، وكيف استقال هو ورفاقه، ورفضوا العودة عن استقالاتهم، بالرغم من كل ما تعرضوا له من اغراءات وضغوط، وذلك لقناعتهم بصعوبة العمل مع بقية الوزراء الذين تسببوا في المقام الأول، ومن دون وجه حق، في رفض وجودهم في مجلس الوزراء! ويقول ان موقفهم كان صحيحا فقد تضمنت وزارات سابقة تجارا، استقالوا من أعمالهم التجارية فور توزيرهم، كما تنص المادة 131، كما تشكلت وزارات بعد استقالاتهم وتضمنت وزراء تجاراً، وبالتالي كانت المسألة صراعا وليست خلافا على نص دستوري! وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد نصف قرن!
ويشير السيد الشايع في كتابه «أصداء الذاكرة» الى دور بالغ الحيوية بذله الجنرال الإنكليزي هستد، الخبير في تنظيم المدن، الذي كلفه الشيخ عبدالله السالم بإعداد دراسة تشمل إعادة تنظيم الكويت، وكان ذلك قبل 60 عاما! وان هستد خدم الكويت أفضل خدمة، وهو الذي خطط الشامية والشويخ والدسمة وكيفان، ورسم الشوارع الدائري الأول وحتى الرابع وخصص مناطق الشويخ الصناعية والشويخ ومنطقة المستشفيات والدفاع، وكان تخطيطه مثاليا، فقد ابعد الصناعة عن السكن واتاح التوسع سكنيا عند الحاجة بنقل مكاتب الدفاع ومعسكرات الجيش الحالية إلى مكان آخر، ووضع في كل منطقة سكنية مركزا لكل خدمات اهالي المنطقة مما جعلها نموذجية بحق، وهو امر نادر الوجود في الدول الأخرى. (ومع هذا، وهذا كلامي، لم يهتم احد بتسمية «سكة» صغيرة باسم هستد، في الوقت الذي أطلقنا فيه اسماء من هب ودب على شوارع مدننا، ربما لأنهم امتلكوا يوما كراجا أو حظرة صيد سمك أو جاخورا، أو كان نائبا سيئ السمعة!).
نعود ونقول ان أسس بناء الكويت القديمة التي خرجت منها الدولة الحديثة لم تكمن فقط في قدرة اهلها على العمل الشاق والسفر البعيد والمخاطرة في البحر والاغتراب الطويل، بل وأيضا بما تميزوا به من تقاليد أخلاقية صارمة، وكان من النادر سماع قصص تتعلق بالغش والتزوير والسرقة بينهم، بالرغم من أن غالبيتهم كانوا من الفقراء المعدمين. وكان صاحب المركب الشراعي أو البخاري يحمل اموالا طائلة وبضائع ثمينة ويسلمها لأصحابها كما هي من دون ان تسجل حادثة سرقة واحدة طوال مائة عام او أكثر. وبالتالي ما تحتاج له الكويت الحديثة هو العودة للنظام الأخلاقي الذي كان سائدا، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون تضمين المناهج الدراسية مواد تتعلق بتدريس الأخلاق، التي ان هي ذهبت، وهي بالفعل قد ذهبت، فستذهب معها الأمم.

***
ملاحظة:

بناء على إلحاح لطيف من الزميل والكاتب نبيل المعجل، فقد عدنا للمشاركة في أنشطة التويتر ونشر مقالاتنا عبره ويمكن متابعتنا عن طريق العنوان التالي:
https://twitter.com/ahmedalsarrafl

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سامي النصف

ضرورة إنشاء «لجنة للإفتاء الدستوري»

الدستور الكويتي لم يبدأ العمل به منذ قرون كحال كثير من دساتير الدول الاخرى، كما انه دستور محلي فريد تم تفصيله على مقاسنا بالكويت ولم نحضره جاهزا من دولة اخرى كي نستفيد من تفسيراتها وتعديلاتها وتجاربها معه، وعليه فليس مستغربا على الاطلاق استمرار الاشكالات المتكررة مع نصوص الدستور التي تنتهي بأزمات سياسية طاحنة كوضعنا الحالي وهو ما يحوجنا الى مرجعيات فقهية مختصة ومتجردة تفسره وتستنبط الاحكام «الاستشارية» منه قبل اللجوء للمحكمة الدستورية او ادارة الفتوى والتشريع واحكامهما وتفسيراتهما التي يجب ان تأخذ صفة الالزام.

***

وقد استفاد الدستور الكويتي سابقا من وجود الخبراء الدستوريين تحت قبة البرلمان للفصل في التو واللحظة فيما يختلف عليه حتى أخرجهم من القاعة من اعطى لنفسه صفة المرجعية في فهم وتفسير الدستور، وقد اثبتت الايام والتجارب الحية ومنها المعضلة القائمة انه ابعد ما يكون عن تلك الصفة التي نسبها لذاته، وقد قام المرحومان د.عثمان خليل وبعده د.عثمان عبدالملك بدور المرجعية الدستورية المتفق عليها من قبل الجميع والتي يتم الاستماع اليها عند الاختلاف.

***

وقد تلا مرحلة ما بعد د.عثمان عبدالملك حتى يومنا هذا فراغ دستوري كبير لم يملأه احد حيث شهدنا فتاوى دستورية فردية ما انزل الله بها من سلطان كالدعوة للتصويت حسب الاحرف الابجدية او القبول بمقترح الدائرة الواحدة، والمقترحان غير معمول بهما في الديموقراطيات الاخرى مما يدل على خطئهما الفادح، كذلك طغت على بعض الافتاءات الدستورية الاهواء الشخصية والتوجهات السياسية وهو ما افقدها الكثير من المصداقية.

***

والافتاء الدستوري كحال الافتاء الديني الصحيح والمفيد للناس لا يصدر الا من لجان ومجامع فقهية بعد ان تدرس بشكل مسهب ما يعرض عليها بالغرف المغلقة لا من الافراد، وبالمثل نرجو ان تشكل لجنة او تجمع «للافتاء الدستوري» تضم افضل العقول القانونية المختصة، تبدي الرأي الاستشاري المحترف والمتفق عليه ضمن جدرانها تجاه الاشكالات الدستورية المتكررة ويكون بالتالي عونا للقضاء الدستوري وللحكومة وللنواب وللمواطنين وللمهتمين بدلا من التشتت الحالي، وبالطبع تلك اللجنة ليست بديلا عن المحكمة الدستورية وتفسيراتها واحكامها الملزمة بل عون لها.

***

آخر محطة: 1 – طرحت ما سبق في الملتقى الاعلامي يوم الاثنين الماضي ابان الندوة التي حاضر فيها كل من د.محمد الفيلي ود.فواز الجدعي، وقد اثنت المحامية والناشطة السياسية الاخت نجلاء النقي على المقترح وتمنت الا يمر مرور الكرام وان يتم الاخذ به وتفعيله لما فيه من مصلحة للبلاد والعباد وتفكيك لكثير من الالغام السياسية المقبلة.

2 – تعميما للفائدة أنقل بتصرف من مقال الزميل حمد نايف العنزي الذي نشر في جريدة «الجريدة» صباح امس الآتي:

من سذاجات نواب الاغلبية اعتقادهم ان من يقف ضدهم لديه نقص في الولاء ويحتاج الى جرعة «وطنية» يقدمها له المتجمهرون في ساحة الارادة. ويستطرد الكاتب بالقول ان الاغلبية التي دأبت على نعت الحكومة بالفشل هي التي تخسر امامها بالقانون والدستور 10 ـ 0، فلا تجد لها وسيلة سوى الصراخ في ساحة الارادة لانها غير قادرة على مواجهتها قانونيا ودستوريا. ويختم الكاتب مقاله القيم بنقد تعصب الاغلبية الطائفي ومحاربتهم للحريات العامة وحرية النشر والاعلام ووقوفهم ضد الفن وكل اشكال الترفيه البريء.

 

احمد الصراف

أصداء الذاكرة (2/1)

كنت خارج الكويت عندما أصدر رجل الأعمال المعروف عبدالعزيز محمد الشايع كتابه اصداء الذاكرة، وبالتالي لم يتسن لي قراءته والتعليق عليه في حينه. جاء كتاب العم عبدالعزيز، كشخصيته تماما، حذرا في كلماته ودقيقا في اختيار مواضيعه ودبلوماسيا في مخاطبة من اتفق أو اختلف معهم، ولكنه أضاف الكثير للتاريخ الجميل لوطننا وكفاح الآباء المؤسسين، ودورهم الحيوي في تأسيس الكويت الحديثة، والتي لم يكتسب شعبها سمعته العالية بغير أمثال هؤلاء، وليس في الأمر أي مبالغة، فقد كانت الأخلاق العالية هي التي بنت سمعة الكويت أكثر من أي أمر آخر، بصرف النظر عن صفات البعض الشخصية التي قد تجعلهم غير محببين، أو حتى مكروهين من الغير، لسبب أو لآخر! كتاب أصداء الذاكرة فتح بابا نتمنى ألا يوصد، فهذه أول مرة، حسب علمي، يقوم فيها من هو في وضع السيد الشايع وعمره، بكتابة مذكراته، والتي كانت، بالرغم من اقتضابها، غنية ومسلية ايضا، ونحن أحوج ما نكون لمثل هذه الأعمال التوثيقية في مجتمع تعود على إهمال التدوين والاعتماد على الذاكرة.
كتاب الشايع كان يمكن أن يكون من ألف صفحة لو ترك الرجل لذاكرته العنان ولكنه، كما ذكرنا، فضل عدم نكء جراح أحد أو إقلاق راحة الغير من دون سبب، وبالذات أولئك الذين غادروا هذه الدنيا، فمشاركته السياسية والاقتصادية الفعالة في تأسيس الكويت الحديثة، كويت ما بعد ظهور النفط مباشرة، مع خلفيته الثقافية والتعليمية الغنية نسبيا، مقارنة بابناء جيله، التي كونها خلال أسفاره وتعاملاته وسنوات عمله الطويلة في الهند، بكل ما تضمنته تلك التجربة من زخم إنساني وبعد في الرؤية، جعلت منه رجل أعمال نموذجيا، واعتقد أنه لو تم جذبه للسياسة لكسب منه الكثير، وخسرت أسرته خبرته، ولكن اختلافات نظرته للأمور وتباينها مع بعض افراد دائرة القيادة، ابعدته عن السياسة لتكسبه بالتالي أسرته، ماديا ومعنويا. «أصداء الذاكرة» كتاب يستحق القراءة وفيه عبر ودروس لمن يود ان يستفيد، ولكننا شعب لا يقرأ، ولو كنا نقرأ لما واجهت الكويت أي مشكلة اقتصادية أو سياسية في تاريخها، بخلاف الغزو والاحتلال، ومع هذا عانت الكويت الكثير، وواجهت، ولا تزال، أوضاعا كان من السهل تجنبها! ونجد في ثنايا الكتاب تلميحات لمثل هذه الأمور، حيث يقول في الصفحة 165 بأن ما بين 1957 و1975 تضاعف عدد الكويتيين اربع مرات خلال 18 سنة نتيجة «التجنيس العشوائي» بحيث انقلبت البنية الاجتماعية في البلاد وبدت آثار ذلك واضحة حتى الآن! وهنا تكمن قوة الرجل، فهو بالرغم من أنه استفاد على المستوى التجاري من هذه الزيادة السكانية كثيرا، كونه واحدا من كبار تجار الكويت، فانه لم يخف امتعاضه من تلك العشوائية، فقد كان من الممكن أن تكون تلك الزيادة، إن كان لا بد من ذلك، بالنوعية وليس بالكمية! وإلى مقال الغد.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

مبارك الدويلة

حدس والإخوان حصاد السنين

عندما تحكم المحكمة الدستورية ببطلان قانون الدوائر الخمس، فإن البلد سيدخل في أزمة جديدة قد يطول الزمان إلى أن نجد لها مخرجاً. فالبعض يرى ان المخرج بعرض الموضوع على مجلس 2009، الذي رفضه الحاكم والمحكوم في توافق غير مسبوق بعد ان فاحت رائحة السلوك المشين فيه، ولذلك فعرض الموضوع عليه ثانية سيدخلنا في اشكالية جديدة، فماذا يا ترى سيكون شكل الدوائر الانتخابية إذا أصدرها مجلس أغلبية أعضائه إما محالون إلى النيابة، بسبب تلقيهم الرشى، وإما أعلنوا ولاءهم وتعاطفهم مع كل طروحات الحكومة.
البعض الآخر يرى أن المخرج بحل مجلس 2009 واصدار مرسوم ضرورة بتشكيل جديد للدوائر الانتخابية، وتلك أكبر من أختها! فالحكومة الكويتية لا يمكن أن تكون بمنأى عن الأهواء في رسم خارطة الدوائر من جديد، والتجارب خير دليل.
الأغلبية طرحت رأيها منذ البداية.. سحب الطعن الحكومي.. الدعوة لانتخابات جديدة وفقا للقانون الحالي بعد حل 2009، الاتفاق مع القوى السياسية الفاعلة في المجتمع بطرح موضوع الدوائر على أولى جلسات مجلس الأمة الجديد ليصدر قانوناً جديداً لها، ثم حل المجلس وعمل انتخابات جديدة خلال شهرين، وهنا لن يكون بامكان أي محكمة ان تصدر حكماً بحل المجلس الأول لانه سيصدر قراره مبكراً قبل أي إجراء من المحكمة.
هذا هو المخرج القانوني والدستوري الوحيد والمضمون من تداعيات لا يعلم عواقبها إلا الله، وهكذا نكون حافظنا على دستورية إجراءاتنا وحافظنا على مبدأ الفصل بين السلطات ومنعنا تفرد الحكومة بالتحكم في نتائج الانتخابات المقبلة.
• • •

• حدس والإخوان
يبدو أن البعض لم يعجبه حديثي عندما ذكرت ان حدس تشكلت في 1991 وانهت بذلك الارتباط التنظيمي بحركة الاخوان المسلمين العالمية. بمعنى لم يعد في الكويت تنظيم للاخوان مرتبط بالتنظيم الدولي.
ولأن البعض درج على تسميتنا بالاخوان للتمييز عن غيرنا من الجماعات الإسلامية الاخرى، فإننا لم ننزعج من هذه التسمية، خصوصاً أن مناهجنا مستمرة بالمناهج السابقة نفسها واسلوبنا في الدعوة الدينية لم يتغير.
لذلك عندما اطلق فيصل المسلم علينا الاخوان لم يكن مخطئاً، فهو يقصدنا في تنظيم حركة حدس، وهو اصطلاح تعارف عليه اهل الكويت، حتى اننا أحيانا كثيرة نذكر كلمة اخوان للتعريف عن أنفسنا.
هذه هي الحقيقة.. فمن شاء فليصدق.. ومن شاء فلا.. وليعلم أننا لا ننزعج عندما يطلق علينا «اخوان مسلمين» فالجميع اليوم يتقرب من هذه الجماعة التي بدأت تحكم معظم الدول العربية، والجميع – باستثناء دول الخليج – يتقرب الى هذه الجماعة التي جاء إليها الحكم ساعيا ولم تسع إليه، حيث خرجت كوادرها في تونس ومصر من السجون فإذا بالشعب ينقلهم على أكتافه إلى سدة الحكم «يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء» صدق الله العظيم.

محمد الوشيحي

احرص على الليبل..

وأخيراً، هبطت الطائرة متأخرة عن موعدها نحو ثلاث ساعات.. حول ممر الحقائب تجمهر المسافرون، وبين كل دقيقة وأخرى كان يسرق نظرة إلى ساعة يده، ويعضّ شفته السفلى متبرماً من ضياع كل هذا الوقت.

سحب حقيبته خلفه في اتجاه بوابة الخروج، فلمحَ لوحة معلقة على أحد المكاتب “المفقودات”، فتبسم، وتوقف برهة، مثبتاً عينيه على حروف اللوحة، ومن دون أن يشعر أو يفكر وجد نفسه أمام شباك المكتب، متخطياً فوضى الحقائب الملقاة على الأرض لتؤكد لك أنك في الوطن العربي..

أسند مرفقيه على حافة الشباك، وأراحَ حَنكه على أصابعه المتداخلِ بعضُها في بعض، وانطلق السؤال منه على هيئة زفرة كانت مكبوتة لسنوات: “كيف أجدها؟” فجاءه الرد، من الموظف المنهمك في أوراقه، فاتراً بصيغة سؤال: “كم واحدة؟” فأجاب فوراً وكأنه يقسم، وكأنها تسمعه: “واحدة.. واحدة فقط.. فقط”، فرفع الموظف عينيه مستغرباً طريقة حديث المسافر: “معاك (الليبل) والتذكرة؟”، فهز رأسه دلالة عدم وجود الليبل، فجاءه الرد الحاسم: “لن نتمكن من مساعدتك.. في المرات القادمة احرص على الليبل”، فاستدار المسافر معطياً الموظف ظهره، وهو يبتسم ويغمغم ويتنهد: “شكراً.. شكراً.. سأفعل”.

في الطريق إلى بوابة الخروج راح يسترجع الأحداث كالشريط السينمائي، ويتذكر تفاصيل التفاصيل.. ضحكاتها.. حركات يديها.. خطواتها على رؤوس أصابع قدميها وهي حافية.. طريقتها المميزة في رفع، أو قل دفع خصلات شعرها عن عينيها.. رائحتها.. رائحة قهوتها وطريقة تقديمها لها: “إن كنت سأغار فليس إلا من هذه القهوة.. أغار من عشقك الجنوني لها، وأعشقها لعشقك الجنوني لها”..

يغمض عينيه بابتسامة تستجدي الدموع عسى ألا تفضحه أمام مفتشي الجمارك والمسافرين ومستقبليهم.. ويواصل التذكر.. كتابه الذي كان بين يديه، وكيف استطاعت، هي، برشاقة وأنوثة الدخول بين يديه وكتابه!.. طريقتها في التعامل مع انفعالاته ولحظات غضبه وهو يتحدث في الهاتف مع أحدهم.. كانت تنسحب بهدوء، وتدير آلة التسجيل على إحدى أغنياته المفضلة، وتلوذ بالمطبخ.. تعبث بأي شيء حتى تتأكد من ابتعاد غيمة الغضب عنه، فتعود.

كان كل ما فيها ومنها مميزاً، يشهد الله.. صبية لا تُنسى.. ثقتها بنفسها جنونية.. كانت تعلم عن “عينه الزايغة” فأطلقت عليه لقب “مستر هارون”، نسبة إلى أسطورة “هارون الرشيد وجواريه”.. وتمعن في الغنج، وهي تضع قبضة يدها على باطن اليد الأخرى لإغاظته، بطريقة طفولية تصيبه في مقتل: “ستموت قبل أن أقول لك أمرك يا مولاي”.

أمام بوابة الخروج من المطار، كان يبتسم تطبيقاً لمبدأ “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، خشية انهمار دموعه، ليقينه أنها إذا ما انهمرت فلن يوقفها شيء.. وكلما ازداد ألماً وأوشكت دموعه أن تتمرد اتسعت مساحة ابتسامته المخنوقة وابتلع ريقه..

رمى نفسه على الكرسي إلى جانب السائق، مكتفياً بهز رأسه رداً على عبارات الترحيب التي بالغ الأخير بنثرها على مسامعه.. وراح يتذكر محادثته مع موظف “المفقودات”، فقهقه بصوت مسموع هذه المرة وهو يردد جملة الموظف الأخيرة بعد أن غادره “احرص على الليبل”.. ويخاطب نفسه، وهو يكشف جيوب بنطلونه من الداخل، ومحفظة نقوده، مشركاً السائق المرتبك في الحديث: “ضاع الليبل.. و.. ضاعت”.