سامي النصف

أيها السادة.. السياسة هي فن الممكن!

أيها السادة.. مازالت الكويت تعاني وتقاسي من فهمكم الخاطئ لكثير من أصول وأعراف اللعبة السياسية الصحيحة حتى أصبحت لعبتنا السياسية من الأسوأ في العالم، حيث نتج عن ذلك الفهم العقيم للعمل السياسي أزمات تلد أزمات ومصائب تلد مصائب حتى استفردنا بالكوارث دون دول الجوار ممن يعيشون نفس ظروفنا إلا انهم لا يؤمنون بمفاهيمكم السياسية مما جعلهم يسبقوننا بأربعة عقود بعد أن كانوا لسنوات قليلة متخلفين عنا بنفس الحقبة الزمنية.. ألا تشعرون أيها السادة.. بكونه نوعا من التغيير.. انكم لربما مخطئون؟!

الديموقراطية أيها السادة هي الإيمان العميق بالرأي وهذا الأهم «بالرأي الآخر» فرأيك خطأ يحتمل الصواب ورأيي صواب يحتمل الخطأ، وليس كما ترون رأيكم صوابا لا يحتمل الخطأ أبدا، ورأينا خطأ لا يحتمل الصواب أبدا كذلك، الديموقراطية الصحيحة أيها السادة ان أخالفك الرأي على ان اكون على استعداد لأن ادفع حياتي ثمنا للسماح لك بإبداء رأيك لا كما ترون وتودون من رغبة بأن تدفع حياتك ـ وسمعتك ـ ثمنا لرأيك المخالف لرأيي!

السياسة أيها السادة هي فن الممكن وسياستكم يقوم صلبها على طلب المستحيل، السياسة أيها السادة هي المغفرة والتسامح والنسيان، وسياستكم تقوم للأسف على الكراهية وإساءة الظن وتشويه سمعة الخصوم بالحق أحيانا وبالباطل أحيانا أكثر.

اللعبة السياسية أيها السادة هي أقرب للعبة الرياضية الجميلة التي يسعد بها الجمهور ولعبتنا السياسية التي تديرونها من خارج ملاعبها المقررة أبكت جمهورنا وطفشته وطمشت علينا جماهير الجيران، اللعبة السياسية بمفهومها الصحيح أيها السادة تفخر بقلة أزماتها وأنتم تفخرون بأنكم تخلقون مع تصريح تطلقونه.. أزمة وكارثة سياسية جديدة، فمن علمكم ان السياسة لا تمارس إلا من خلال صنع الأزمات بدلا من حلها؟!

وليس في اللعبة السياسية الصحيحة أيها السادة أعداء أو أصدقاء دائمين، أما أنتم فقد فهمتم السياسة على انهم أعداء دائمون يضاف لهم مع كل إشراقة شمس أعداء جدد كانوا حتى الأمس القريب أصدقاء حميمين، اللعبة السياسية عند الأمم المتقدمة أيها السادة هي استبدال حراك الشارع بحوار البرلمان الهادئ والجميل، وأنتم أيها السادة استبدلتم حوار البرلمان بحراك الشارع وأصبح الميدان لا قبة البرلمان المكان الذي تغير به الدساتير وتخط به القوانين، فمن أي قواميس السياسة في العالم أتيتم بتلك المفاهيم المدمرة، غفر الله لكم؟!

آخر محطة:

أين الحكمة في أن يجدع الرجل أنفه أو يفقأ عينه لإغاظة زوجته؟ في المقابل أين الحكمة في التهديد بالبقاء في الشوارع والميادين ونشر الفوضى إذا لم يتحقق هذا الأمر أو ذاك للإضرار بالبلد، أليس البلد الذي تهددونه بالضرر وإيقاف حاله.. بلدكم كذلك؟!

حسن العيسى

وهمنا الكبير

كتاب غربيون وعرب تساءلوا متعجبين عن المظاهرات العنيفة غير المعقولة التي خرجت للشوارع تحرق وتدمر وتقتل بعد نشر شريط اليوتيوب المسيء للرسول من أحد النكرات في أميركا… لماذا خرجت تلك الجماهير قبل ذلك احتجاجاً على صور كرتونية نشرت بمجلة دنماركية، ثم قتل أحد المهووسين المخرج “فان غوغ” لعمل سينمائي، وقبل ذلك بسنوات أهدر دم الكاتب سلمان رشدي بعد فتوى من الإمام الخميني.
ما حكاية هذه الشعوب العربية والإسلامية (بالتحديد باكستان، موطن الإسلام الجهادي منذ الثمانينيات)؟ ولماذا لا تعرف هذه الجماهير الفرق بين ممارسة الأفراد حرياتهم في التعبير مهما كانت مسيئة لمعتقد أو دين ما، وبين خطاب الكراهية المجرم في عدد من الدول الأوروبية (ليس في الولايات المتحدة) مثل إنكار محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية؟
لماذا لا تفصل تلك الجماهير بين الأمرين وتخلط الحابل بالنابل، و”يتشاطر” بعض أشباه المثقفين والكتاب بأن تلك الدول تكيل بمكيالين في حرية التعبير، فحلال عندهم الإساءة للمسلمين وحرام إنكار المحرقة الكبرى لليهود!
ويسأل هؤلاء الكتاب: لماذا لا تعرف تلك الجماهير معنى التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يقدس ممارسة حرية التعبير، ويمنع كل عمل يحد منها، ولماذا لا تدرك تلك الجماهير الفرق بين عمل الدولة كذات سيادة حين تسيء لمعتقدات البشر، وبين عمل الأفراد مهما كانت عنصريتهم وتغطرسهم ضد المسلمين وغير المسلمين وكل غير المنتمين إلى العرق الأبيض الأوروبي!
هل كسب العرب من قتل السفير الأميركي في بنغازي؟ وهل انتصرنا حين رفع المتظاهرون في مصر والكويت وغيرهما أعلام القاعدة ورددوا شعارات التعظيم لأخطر مجرم عقائدي في العشرين سنة الماضية وهو أسامة بن لادن؟ هل ردود الفعل، مهما كانت أسبابها، تبرر مثل الشعارات! أليس هذا يؤكد نظرية مفكر متعال مثل “غوستاف لوبون” حين وصف سيكولوجية الجماهير بأنها غير عاقلة ومتطرفة؟ ثم لماذا نتهم الغربيين بالكيل بمكيالين بينما نحن نكيل بألف مكيال، فما أكثر الأفلام والأدبيات الكتابية التي أساءت للمسيح ولليهود، ولم تخرج جماهيرهم تقتل وتدمر هناك مثلما حدث في دولنا، هل السبب هو الفقر، فمتظاهرو العرب طالبوا (كما كتب كاتب إنكليزي متهكماً) بأن تصير حالهم مثل حال أهل النرويج في البحبوحة الاقتصادية…! مع أن دول الخليج أكثر بحبوحة من تلك الدولة الإسكندنافية.
أيضاً، لماذا صمت البوذيون وغير البوذيين عن تدمير تمثال بوذا (وهو من الآثار التاريخية التي هي ملك الإنسانية) في أفغانستان من السلفيين الجهاديين قبل سنوات بسيطة، واليوم يدمر رفاقهم مساجد الصوفيين التاريخية في الشمال الإفريقي، وهي كذلك ملك التاريخ الإنساني وليست خاصة بالصوفيين الذين يتعرضون هذه الأيام لحملة اضطهاد رهيبة من الجماعات التي تدعي أنها وحدها صاحبة الإسلام الصحيح! وكيف لنا أن ندين الغربيين وعندنا دعوات فاشية دينية تطالب بهدم كنائس المسيحيين في الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تمارس كل صور الاضطهاد للشيعة في خطاباتها اليومية.
شارلس كرثمور في البوست – مهما اختلفنا على يمينيته – يقرر في مقال له سقوط مبدأ أوباما، الذى دعا إلى حريات وديمقراطية الشعوب العربية عام ٢٠٠٩ في جامعة القاهرة، ودعت إدارته إلى تكريس الديمقراطية في دولنا، ووقفت هذه الإدارة مع ثورة مصر وتونس، وساندت ثوار ليبيا، فردت تلك الجماهير التحية بأجمل منها كما حدث في بنغازي والقاهرة وعدد من العواصم العربية…! ألا يتحسر الأميركان اليوم على الأيام الذهبية للديكتاتوريات الفاسدة قبل الربيع العربي، ألا يوسوسون مع أنفسهم ويقولون: إن هذه الجماهير مازالت غير مستعدة لعصر الحريات ولاسيما مبدآ التسامح، وحرية الضمير.
لا يبدو اليوم أن حلولاً سحرية ستأتي في القريب لحالة “الخراب العربي” أمام التعصب الديني والمذهبي… ويبقى الأمل أن تتحرك القوى الإسلامية المعتدلة (والإخوان المسلمون هم خير من يمثلها بما يملكون من رصيد شعبي كبير في عالمنا المفتت) لنشر الوعي الإنساني في مسألة الحريات والديمقراطية، وأن يبادر العقلاء منهم لتصفية القوى المتطرفة المحسوبة عليهم، فأوروبا قبل الثورة الفرنسية مرت بما نمر به اليوم، وكانت بداية طريق التنوير هي شعلة أنارها جماعات وأفراد الإصلاح الديني، ولا حل بغير هذا… فليتحمل الإخوان عبء المسؤولية التاريخية، فالطريق طويل ونحن مازلنا في البداية… أما الرهان على أنظمتنا كما يتوهم الحالمون فهذا هو الوهم الكبير.

مبارك الدويلة

وزير.. وتعليم.. وليبرال

سيطرة التيار الليبرالي على وزارة التربية في الكويت منذ إنشائها ذكرناها بالأدلة وبالأسماء في مقالات سابقة، وحتى عندما يأتي وزير محافظ أو ذو توجهات محافظة يتدخل هذا التيار في الشأن التربوي للمحافظة على استمرارية الروح الليبرالية في التوجهات التربوية.
الوزير الحالي.. وان كان بالوكالة.. الا انه وزير وسطي.. معتدل.. ومن أسرة محافظة ومتدينة.. ومع هذا بدأ في اصلاحاته بالوزارة بقوة.. وخطا خطوات اثنى عليها الجميع.. ولانها وزارة التربية.. فلم يسلم من النقد والعتب.. فهي وزارة مثل البلدية.. مقبرة للوزراء..! الا ان خطواته حتى اللحظة ثابتة مع انها اليوم «بالوكالة»!
التيار الليبرالي يضع يده على قلبه منذ ان جاء هذا الوزير إلى هذه الوزارة.. ليس لانه وزير محافظ.. فهو معروف عندهم انه وزير منفتح ويتعاطف مع الطرح الليبرالي.. لكن لانه وزير لا يوجه من الخارج! نعم.. حاولوا كثيراً التأثير فيه في مناصب شغرت أخيراً مثل وكيل وزارة التربية ووكيل وزارة التعليم العالي وبعض المناصب في التعليم التطبيقي.. وعندما عجزوا عن ثنيه وتليين رأسه لجأوا للوسيلة الأسهل لهم.. وهي الضغط عليه! فطرحوا اسماءهم الليبرالية لهذه المناصب.. حتى يطمئنوا الى استمرار سيطرتهم على التعليم في الكويت.. وبدأ الضغط على الوزير، لكن هيهات.. فالاسم الذي لا تنطبق عليه المعايير لا يدخل في قائمة المرشحين عند الوزير.
أنا أعلم ان الضغط كبير.. وسيكبر بكل الوسائل لتمرير هذه الاسماء.. فالسيطرة على التربية في الكويت أولوية عندهم.. ولن يقبلوا بالتغيير مهما كلف الأمر، ولو استدعى ذلك تغيير الوزير نفسه! مع ان سيطرتهم طوال العقود السابقة تسببت في فشل العملية التربوية والتعليمية، لكن المشكلة اننا آخر من يتعظ بتجاربه!
* * *
> الأغلبية البرلمانية.. أعلم انكم تناطحون جبلاً.. وان المسؤولية عليكم كبيرة.. وانكم في الميدان تقاتلون من أجل مستقبل أفضل للديموقراطية.. وممارسة أنجع، لكن هذا لا يمنع من ان تعيدوا النظر في الخطاب الإعلامي للشارع، هذا الخطاب ينطبق عليه المثل «محام فاشل لقضية ناجحة»، لذلك حان الوقت للتقليل من أساليب الاستفزاز والتحدي، فالخصم مكشوف ومعروف عند أهل الكويت مهما علا صوته وطال لسانه.. ومؤيدوكم يتمنون عليكم تهدئة الصوت، وليس تهدئة الموقف حتى يستمروا في دعمكم.

احمد الصراف

مخاطر تشغيل المخ

ردا على مقالاتنا الثلاثة عن اليابان، ودور الأخلاق في تربية الفرد، كتب لي الصديق العراقي الكندي ياملوكي، بـأن أخلاق اليابانيين تأثرت بأنظمة وقواعد «البوشيدو» الصارمة، وأنه كان لتعاليم كونفشيوس دور في صقل الشخصية اليابانية وتهذيبها. وقال انه اكتشف، من خلال تجربة طريفة، كيف تعتمد مدارس الشرق على التلقين، ولا تسمح لا للمناهج ولا لهيئة التدريس بتربية الطفل على النقد الحر، ولهذا نربى لنكون مطيعين خانعين في تصرفاتنا، وقال انه كان يقوم يوما بمساعدة اسرة عراقية مهاجرة على التأقلم مع بيئتها الجديدة، وكان مطلوبا منه اصطحاب مريم الصغيرة إلى مدرستها في يومها الأول. وهناك طلب أن يتحدث مع مدرستها، بعد أن وصل متأخرا لبضع دقائق، فطلبت منه المدرّسة إدخال الطفلة والانتظار قليلا، وانها لا تمانع ان أنصت لدرسها! ويقول ياملوكي انه جلس مصغيا كالطفل في فصل به نحو 20 فتى وفتاة، وهناك اعطت المدرّسة كل واحد منهم تفاحة تختلف عن التي عند غيره، شكلا وحجما ولونا ورائحة، وطلبت من كل واحد أن يصف تفاحته بطريقته الخاصة. وأن يقوموا بشقها إلى نصفين، أو إلى قطع صغيرة، ووصف شكلها من الداخل ورائحتها، وبما تذكرهم، ومقارنة لونها باشياء أخرى، ومن ثم تذوقها ووصف طعمها، ومقارنة ذلك مع ما سبق ان تناولوه من تفاح، وهي حلوة أم حامضة الطعم أم من غير طعم. وعندما انشغل الجميع بالكتابة توجهت المدرّسة صوبه، وسألته عن الكيفية التي يمكن ان تساعده بها، فشكرها، وقال انه جاء ليساعد مريم على التأقلم مع بيئتها الجديدة، ويعتقد بأنه سيصعب عليها في يومها الأول الكتابة، أو حتى التحدث عن لون التفاحة وطعمها وشكلها، وان الدرس صعب عليها! وهنا فاجأته المدرسة بابتسامة رقيقة، وقالت له بلباقة: يا سيد ياملوكي، هؤلاء جميعا طلبة وطالبات قدموا إلى كندا من أنحاء مختلفة من العالم، ومن خلفيات دينية وعرقية متعددة، والدراسات التربوية التي أجريناها أثبتت أن الطفل الشرقي بالذات يأتينا مسلوب الإرادة، يردد ما يلقن له، وليس لديه ادنى قدرة على النقد أو التفكير الخلاق، أو ان يكون صاحب مبادرة أو فكرة أو حتى رأي! بل يعتمد على حفظ الدرس وتكراره، وهذا يحرمهم من ملكية الرؤية النقدية ومن القدرة على اتخاذ القرار في الحياة تاليا، وهذا سبب جمود المجتمعات التقليدية، والعربية الشرقية بالذات! وقالت ان من واجبنا كمدرسين فتح أذهان الطلبة للمعرفة، ودفعهم لاستخدام عقولهم إلى أقصى درجة، والتخلي عما ورثوه من اساليب قديمة! ويقول ياملوكي انه بعد اتفاقه على صحة ما ذكرته المدرسة، طلبت هذه منه أن يشرح الوضع لأسرتها، بلغتهم، لكي يستوعبوا أكثر طريقة التدريس الحديثة، والتي تختلف عما اعتادوا عليه سابقا.
ذكرتني قصة الصديق ياملوكي بحادثة جرت لي في منتصف الستينات، عندما كنت أعمل نهارا وأدرس ليلا في ثانوية كيفان، فقد تبين لي وجود تناقض واضح بين مادتين من المقرر، فإحداها تقول ان الفضل في أمور كثيرة يعود إلى الحضارة اليونانية القديمة، والأخرى تقول ان الفضل يعود إلى علماء المسلمين. وقد جادلت مدرسيّ المادتين في هذه النقطة، وكيف ان علينا أن نشغل عقولنا، من خلال ورشة عمل، لمعرفة أي الجهتين لها الفضل، وأن نتوصل إلى الحقيقة من دون إخلال بمادة المقرر، بل لكي نرضي فضولنا فقط! لم تعجب فكرتي أيا من المدرسَين واعتبرا الأمر تدخلا في أسلوب التدريس، وفوجئت في اليوم التالي، باستدعائي إلى مكتب الناظر لمقابلة اثنين من رجال المباحث، أو أمن الدولة، لسؤالي عن الهدف من أسئلتي! فشرحت لهما الأمر، وبينت التناقض بين الكتابين، فهزّا راسيهما وتركاني! وعلمت بعدها أن العميد المرحوم محمد الحمد، الذي كان يعرفني جيدا، تدخل وامر بحفظ القضية! وعرفت يومها أن من يشغل مخه يستدعى لأمن الدولة! حدث ذلك في الكويت في عز انفتاحها، والأبعد ما تكون عن الأنظمة البوليسية، فما بالك بما يحدث فيها اليوم ولا يزال يحدث في الدول «الغلبانة»؟

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

جبهة حماية الدستور القديم

دستورنا قديم قدم الاستقلال، كان يعد إنجازا حضاريا في وقت المؤسسين الأوائل، وكان كل ما استطاعوا أن يحصلوا عليه بالتوافق مع السلطة آنذاك، وكانوا يأملون أن تأتي أجيال تستطيع ان تحصل على المزيد من المكتسبات الشعبية، لذلك وضعوا الآلية التي تحدد كيفية تطوير الدستور وشكل ونوعية التغيير، ولكن ترك الدستور دون تطوير، بل جمد العمل به سنين عديدة، حتى أصبح مع مرور الزمن وتعقد الحياة السياسية عبئا ثقيلا على كاهل الجميع، بل لا أبالغ ان قلت انه عبارة عن كتاب مليء بالرموز التي يصعب فهمها او ادعاء عدم فهمها، وبالتالي كثرت طلبات التفسير لنصوص الدستور.

بنود الدستور تناقض بعضها البعض، والصلاحيات فيه متناثرة بين أكثر من جهة ومتداخلة، تخيل ان الحكومة ومع نواب الأقلية يستطيعون شطب أو تأجيل الاستجواب (اي تعطيل مواد الدستور وعن طريق الدستور نفسه)!

السلطة التشريعية في الدستور هي أضعف السلطات على الرغم من انها تشكل عن طريق الشعب مباشرة، والذي هو مصدر السلطات واقعيا ودستوريا، حتى ان مشاريع القوانين التي يقرها مجلس الأمة تردها الحكومة ووفقا للدستور، وإذا طلب مجلس الأمة عدم التعاون مع رئيس الحكومة فسيحل البرلمان وفق الدستور أيضا، ويعاد رئيس الحكومة مرات عديدة!

دستورنا لا يستحق جبهة لحمايته بل لتطويره، إلى مزيد من الحريات والمكتسبات الشعبية، وإعطاء الكثير من الصلاحيات للسلطة التشريعية الممثلة له.

سامي النصف

الخيارات الأربعة للمحكمة الدستورية

  الكويت أمام مفترق طرق حيث ينتظر الجميع كما ذكرنا سابقا حكم المحكمة الدستورية الذي يعكس ما تمليه ضمائر قضاتها الأفاضل من أبناء الكويت البررة الذين لا يقبل الشعب الكويتي الإساءة اليهم عبر التشكيك في أحكامهم التي هي عنوان الحقيقة، كما لن يؤثر فيهم ـ قطعا ـ أي حشد مهما كبر أو خطاب مهما علا.

***

الخيارات الأربعة على الأرجح لحكم المحكمة الدستورية القادم هي:

الأول: أن تحكم المحكمة بعدم الاختصاص وان هذا عمل تشريعي وتنفيذي لا يرغب القضاء في أن يدخل نفسه فيه وبالتالي ينأى بنفسه عن الأمور السياسية وحكما سيعني حل مجلس 2009 وقيام انتخابات تشريعية بعد شهرين على معطى الدوائر الخمس والأصوات الأربعة تنتهي بنتائج قريبة من نتائج تحالفات مجلس 2012.

الثاني: ألا ترى المحكمة ان هناك نزاعا قائما بين الحكومة والمجلس يوجب الحكم فيه ويرى بعض المختصين في المقابل ان القضية لا تحتاج الى خصومة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل ان المختصم هو النص الدستوري بذاته.

الاحتمال الثالث: ان تصدر المحكمة حكمها بعدم عدالة نظام الدوائر الخمس القائم لعدم تساوي أعداد الناخبين بين الدوائر، ومن ثم ترسم خارطة طريق جديدة للدوائر تصدر بعدها الحكومة مراسيم للدوائر الانتخابية، وقانون الانتخاب يأتي عاكسا لذلك الحكم الذي قد يحتوي أو لا يحتوي على عدد المرشحين الذي يحق للناخب التصويت له (أربعة، اثنان، واحد).

الاحتمال الرابع: ان تتصدى المحكمة للموضوع برمته أمام خلاف وعجز السلطتين الأولى والثانية عن حله فتتصدى لموضوع الدوائر ولعدد من يحق للناخب التصويت لهم وبذلك تطفئ النار المستعرة وتحافظ على أمن الكويت خاصة وقد تصدت المحاكم الدستورية في كثير من البلدان لكثير من القضايا الخلافية المزمنة وحسمتها، وما وضعت المحاكم في الأساس إلا لإنهاء الخلافات لا بقائها عالقة، وحفظ الله الكويت وشعبها مما يخطط لها من أمور.. وما أكثرها!

***

آخر محطة:

(1) ضمن الفهم العقيم والقمعي للأمور ما يقوله بعض المختصين وغير المختصين من ان الحكم يجب ان يتم بهذا الشكل أو ذاك، مستشهدين بنصوص يرون انها تدعم ما يطرحونه دون ان يوضحوا ان نفس النصوص يراها خصومهم انها تدعم منطلقاتهم.

(2) الدساتير والقوانين نصوصها ثابتة، ويقوم الخلاف والتنازع على تفاسير النصوص التي يختص بها القضاة الأجلاء لا ممثلو الأطراف المتنازعة، وعليه فجميع الأحكام الأربعة المحتملة وغيرها هي أحكام صحيحة كون الحكم بذاته هو عنوان الحقيقة، وكل شيء عدا ذلك.. زيف وبهتان.

احمد الصراف

الطائي اليوناني

عندما عدت إلى غرفتي، في ذلك المنتجع اليوناني الجميل الواقع على بحر ايجه، تبين انني نسيت بعضا من أوراق النقد على الطاولة، وأن من تقوم بتنظيف الغرفة قد عثرت عليها ووضعتها على مكتبي. اتصلت بمدير الغرف وأبديت له تقديري لأمانة موظفته، وطلبت منه إرسالها لكي أكافئها، فرد بكلمات مجاملة وقال إن هذا واجب عليها، ومن طبيعة عملها، وهي بالتالي لم تفعل شيئا غير عادي لتكافأ. فقلت له إنني لو كنت مكانه لما ترددت في وضع اسمها وصورتها على لوحة «أفضل موظف»، أو موظفة الشهر، لكي تكون قدوة ونشعرها بالتقدير! فاجأني رده بقدر ما اثار اعجابي، حيث قال إن القيام بكيل المدح لها أو الإعجاب بعملها يعني أن القاعدة هي عدم أمانة بقية موظفي المنتجع، وأن ما قامت به أمر غير عادي، وبالتالي استحقت عليه التقدير والثناء، وهذا غير صحيح. فهم يفترضون أن أمانة الموظف أو الموظفة أمر مفروغ منه، ولا يحتاج الأمر للطبل والزمر، وهو جزء من شخصية كل فرد ونوعية تربيته! حدث هذا في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ومع عاملة متواضعة المكانة والأجر! وقد ذكرني كلام المدير بأخينا حاتم الطائي، فنحن، ومنذ أكثر من ألف عام، لم نتعب يوما من ترداد قصة كرمه وخلقه، إن في احاديثنا أو أدبياتنا، أو حتى في مناهجنا الدراسية، وضرب المثل بكرمه، وكأن ما فعله أمر مثير للعجب، ويعني إصرارنا الحديث عن كرمه وكأننا نعاني من عقدة نقص، وبالتالي بحاجة لسرد قصته لدرء التهمة عنا! كما يعني، وهذا هو المهم، ان ما قام به الطائي لم يكن امرا اعتياديا، فلو كان المجتمع الذي وقع فيه الكرم مجتمعا كريما أو قريبا منه، لما بقيت قصته عالقة في الأذهان كل هذا الوقت، مع كل ملابساتها التي لا شيء يؤكد حقيقة وقوعها بكل تفاصيلها، بل يعني ان الكرم كان، وربما لا يزال، أمرا نادر الحدوث، وهذه حقيقة ألمسها كثيرا في حياتنا اليومية، فنحن، بشكل عام، لسنا بكرماء، وما نجده من كرم يكون غالبا مقرونا بجانب ديني، فمن يكون كريما يتوقع أن يكون لكرمه مردود في صورة ثواب وأجر، وهو بالتالي كرم مشروط، وليس كرما نابعا من نفس لا تبتغي غاية أو رجاء غير خدمة المجتمع، اقول ذلك من واقع تجربتي الشخصية في جمع التبرعات للأغراض النبيلة والخيرة، حيث أعاني الكثير من رفض «أثرياء ومقتدرين» للمساهمة حتى بالقليل من المال في مشاريع عدة، فقط لأنها غير مخصصة لبناء مسجد أو طباعة كتب دينية أو حفر آبار وتدريس دعاة، وهنا أجد صدا! ولا انسى قصتي مع رجل أعمال قصدته للتبرع لمدرسة للمعاقين، حيث رفض طلبي فلم اتردد في أن أقول له إن رفضه نابع من منطلق ديني، وأنه يعتقد بأن ليس للمشروع أجر أو ثواب عند الله، فوافقني على قولي! وهذا عكس ما عايشته في سنوات غربتي، فالكرم هناك، وخاصة للأغراض الجميلة والنبيلة من مساعدة أطفال أو لبناء دار للعجزة أو للأوبرا، أو حتى أي مشروع ثقافي أو إنساني، أو مأوى للحيوانات الضالة أمر عادي ومنتشر كثيرا، وليس غريبا بالتالي ألا نجد بين جميع منظمات الإغاثة العاملة في مهام بالغة الإنسانية في الصومال وأفغانستان والسودان، غير الغربيين، وهي المناطق نفسها التي ساهم «إخوتهم واشقاؤهم في العقيدة واللغة» في تخريبها، وهذا التطوع هو أسمى درجات الكرم ونكران الذات.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

السعدون… البعير العماني

هم هكذا أعداء الجمال، قلوبهم متصحرة، تكره ألوان الورود، وقطرات المطر، والضحكات الصافية، وتحقد أكثر ما تحقد على الناجحين.
تلقائياً يتمايل عشاق الوطن مع كلمات الرئيس الشعبي أحمد السعدون، ويصفقون إعجاباً بصوت رقرقة الماء في نهر عطائه الذي لا ينضب، هذا النهر الذي يسقي زروع البسطاء، بعد أن حاول “باشاوات النفط” حصره على فدادينهم… يقابل هذا التصفيق للرئيس زعيقٌ ونهيق بحجة “لا تقدّسوه”. يقولون ذلك وهم يسبحون بحمد كل لص يشفط خيرات البلد شفطاً مبيناً.
وبعفوية يتحدث أحد الأصدقاء: “أنا اكتفيت بالتصفيق في قلبي للسعدون ولمسلم البراك وغيرهما من الأحرار كي لا يتهمني أحد بتقديسهم”، قلت: “أنت لم تصفق لهم في قلبك، بل تحت الطاولة، وكأنك تسرق، وكأنك ترتكب إثماً، وكأن الثناء على العطاء منقصة”، قلت ذلك وأضفت: “فوقها لا تحتها، صفق فوق الطاولة لا أم لك، صفق بأعلى ما في كفيك من صوت ليسمعك من في أذنه صمم، صفق وارفع يدك ببطاقتك الشخصية أمام الكاميرا كي يقرأ الناس اسمك، كما يفعل عساكر بشار عند انشقاقهم عن جيشه وانضمامهم إلى الجيش الحر، صفق ولا تأبه بالنعيق ولا الفحيح ولا الزعيق، صفق كي يقتدي الجيل الجديد بالأحرار، صفق”.
منذ عرفنا السعدون وهو مستمر في خطه، كالبعير العماني، لا يلتفت لحصاة أصابت سنامه، حذفه بها سارق غاضب، ولا يكترث بصيحة خرجت من حنجرة جفّت بعد أن سال لعابها طويلاً على أموال البلد… هذه طبيعته، يصبر وإن جف ريقه كما يصبر البعير، ويثبت في مسيره، كما يثبت البعير، هذه شخصيته التي أحرجت كارهيه وأبهرت محبيه، فلماذا لا نصفق؟
تقوّلوا عليه، فلم يرد، افتروا واختلقوا القصص والروايات، فلم يلتفت إليهم، كانت كلماتهم كالزجاج الحاد، وكان كالجدار، تكسّر كل الزجاج لحظة ارتطامه به.

وكما تفخر الشعوب بأبطالها ورموزها، نفخر نحن ونفاخر بسعدوننا، فكيف يخجل من يفخر؟ ولو أنه تعنصر ما صفقنا له، ولو كان طائفياً يقتطع الأشجار ليبيعها ورقاً ما أيدناه، ولو كان متعجرفاً ينظر إلى الناس من الشرفة ما أحببناه، ولو كان أو كان أو كان، ما كنا ولا كنا ولا كنا… لكنه كان ومازال، فكنا ومازلنا، كان يحترق لأجلنا ومازال، وكنا نصفق له ومازلنا… فوق الطاولة.

سامي النصف

لقاءات غرب وشرق!

استضافنا قبل مدة الزميل د.عبدالله الشايجي في الحلقة الاولى لبرنامجه الشائق «الطريق الى البيت الأبيض»، ومما ذكرته في تلك الحلقة تذكيره بما قلته قبل أربع سنوات ضمن نفس البرنامج وقبل ظهور نتائج الانتخابات بين أوباما وماكين من ترجيح فوز الأول وما سيحدث في المنطقة العربية كنتيجة لذلك الفوز المرجح.

***

حينها ذكرت أن الرئيس المحتمل أوباما يمثل فكر اليسار الأميركي الذي يعكس آراء مستشار الأمن القومي الأسبق د.زبنغيو بريجينسكي، وان معرفة المستقبل تعني ضرورة النظر للماضي، أي ما حدث ابان حقبة ذلك المستشار الذي عمل بشكل لصيق مع الرئيس كارتر فتساقطت الأنظمة اليمينية الموالية للغرب بفعل ثورات الشعوب كما حدث في إيران وغيرها، وكان للإعلام الليبرالي الأميركي دور مهم في تلك الثورات، كما كتب د.بريجينسكي في منتصف التسعينيات كتابه الشهير «الفوضى على أعتاب القرن 21» الذي تنبأ فيه بأن فوضى عارمة ستسود منطقة الشرق الاوسط التي ستشتعل بها الحروب الدينية والطائفية والعرقية والتي قد تستخدم بها أسلحة الدمار الشامل.

***

والتقيت بشكل مطول قبل أيام بوفد صيني زائر يمثل «المنظمة الصينية للتفاهم الدولي» وهي مستودع عقول صيني فاعل أسس عام 1981 له تأثيره الموجب في رسم سياسة الصين الخارجية، ومما قلته للوفد إن ثقافة «المغفرة والنسيان» غير معمول بها لدى العرب الذين مازالوا يذكرون ويكرهون الانجليز بسبب إصدارهم وعد بلفور عام 1917 رغم جهود الانجليز الفاعلة لوحدة العرب (وحدة مصر والسودان، وحدة امارات الجنوب اليمني، وحدة دول الهلال الخصيب، وحدة دولة الامارات، إنشاء الجامعة العربية… إلخ)، كما يذكرون ويكرهون الأميركان رغم أنهم لم يستعمروا العرب قط، بل هم الداعم الاول للتنمية في الوطن العربي، كونهم كانوا يستخدمون حق الفيتو بوفرة ضد القرارات الدولية التي تدعم القضية الفلسطينية أو تدين بعض الاعمال الاسرائيلية.

***

وذكرت للوفد أن سورية أكبر مساحة من فلسطين بمرات عدة كما أن عدد سكانها يفوق بكثير عدد الفلسطينيين، وعليه فإن تدهور الأوضاع في سورية الى حدود الحرب الاهلية والانشطار والتفتيت، كما نتوقع ويتوقع بعض المحللين، سيجعل الصين تدخل في التاريخ والذاكرة العربية وبسبب حق «الفيتو» الذي تستخدمه هذه الايام تجاه القرارات الدولية المختصة بسورية بشكل سيئ وسالب، كما دخل قبلهم الانجليز والأميركان وان الوضع الامثل للصين كان يقتضي منها إما الوقوف مع الشعب السوري والشعوب العربية المتعاطفة معه، أو على الاقل التزام الحياد بين القاتل والضحية كما تم ابان الثورة الشعبية ضد القذافي، وذكرت أن الصين مؤهلة لقيادة عمل يوحد الجهود في قارة آسيا ويقرب شعوبها ويساعد على إنهاء خلافات دولها كحال الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وبقية الاتحادات القارية الاخرى.

***

آخر محطة: سيفوز الرئيس أوباما في الانتخابات المقبلة، وستزداد الاوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية سوءا في دول الشرق الأوسط، وستشهد بعض دولنا «ربيعا خليجيا» كحال الربيع العربي الذي أحال الانظمة المستقرة (ديكتاتورية أو حتى ديموقراطية) الى دول فوضى وحروب ودمار سينتج عنها في النهاية بلقنة دائمة وإعادة رسم خرائط وانشغال كل دولة بداخلها لأجل غير مسمى.. العرب بحق هم.. آخر الهنود الحمر!

 

 

احمد الصراف

«الشيخان الأميركيان: عائلتان وأربعة أجيال»

هذا هو عنوان كتاب وضعه مؤخراً الباحث والخبير في البحرية الأميركية براين فان ديمارك Brian VanDeMark، ويتعلق بتاريخ تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت عام 1866، التي تطورت من مؤسسة متواضعة تسمى «الكلية السورية البروتستانتية»، لتصبح بعد 90 عاماً الـ «الجامعة الأميركية في بيروت»، الصرح التعليمي الأكثر وقاراً وشهرة وأهمية في الشرق الأوسط. ظروف تأسيس الجامعة ذكرتني بقصة تأسيس مستشفى الإرسالية الأميركية في الكويت قبل 100عام، فالخلفية الدينية وهدف المؤسستين واحد، وقد نجحتا في دورهما التعليمي والطبي، ولكنهما فشلتا في إقناع أحد تقريباً بفكرتهما الدينية، ومع هذا لا نزال نخاف من أن «ينزكم» الدين من الهواء البارد، إن سمحنا لمثل هذه المؤسسات بالتواجد في دولنا، وهو الرفض الذي تسبب في خسارتنا علمياً وأخلاقياً للكثير. كما بيّن وجود هذه الجامعة مدى النفاق الذي تعيشه قطاعات واسعة من مجتمعاتنا، ففي الوقت الذي أطلقت مختلف الأوصاف البذيئة، والنعوت القذرة على هذه المؤسسة ودورها الاستعماري، وما سعت إليه من تغيير لعادات مجتمعاتنا والتأثير في تقاليدنا، فإن أصحاب هذه الدعوات بالذات، المحسوبين على الليبرالية، كانوا الأكثر حرصاً على إرسال أبنائهم لتلقي التعليم فيها، وتناقض هؤلاء لا يختلف عن تناقضات المتأسلمين وتصرفاتهم، فهم يظهرون أشد العداء لأميركا، ولكنهم يستميتون في إرسال أبنائهم إلى دول الكفر لتلقي التعليم وسوء الخلق فيها! وأتذكر مقابلة لأحد كبار جمعية الإصلاح، الفرع المحلي للإخوان، التابع للتنظيم العالمي، مع قناة تلفزيون أميركية وصف فيها المجتمع الأميركي بأقذر النعوت، وتحدث عن انحلاله وانتشار الفساد فيه! وعندما سأله المذيع عن الدولة التي تلقى فيها تعليمه قال أميركا «علامة تعجب واحدة»، وعن الدولة التي أرسل أبناءه إليها للتعليم أجاب: أميركا « علامتا تعجب».
أسست عائلتا الشيخين، وهو لقب ديني بروتستنتي، «دودج Dodge وبلس Bliss»، الأول ثري وممول، والثاني مبشر، وأطلق اسمه على الشارع المحاذي لمدخل الجامعة الرئيسي، أسستا وأدارتا، لأربعة أجيال متعاقبة، الجامعة الأميركية في بيروت، التي ارتبط تاريخها بشكل وثيق بالأحداث الكبرى التي شهدها المشرق العربي، من اتفاقية سايكس بيكو إلى تقسيم سوريا وفلسطين وتأسيس إمارة «مملكة» شرق الأردن وغيرها! كما كان لها دور مهم في حركة تحرر المرأة العربية، وكانت إحسان أحمد، المصرية، أولى طالباتها في عام 1940.
كتاب الشيخين ليس مجرد سرد تاريخي لمؤسسة كان لها الدور الأكبر على مدى 150عاماً في خلق شخصيات تاريخية أثرت في اقتصادات وسياسات دول المنطقة والعالم، وأثرت في الصراع العربي – اليهودي، والحرب الباردة بين القوتين الأعظم، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل ويتطرق لصراع الأسرتين على إدارة الجامعة ودورهما الثقافي والتعليمي، والدور الرمزي الكبير الذي قامتا به لخدمة سياسات الولايات المتحدة. كما كان للجامعة الدور الحيوي في حركات «التحرر» في المنطقة، والانقلابات العربية، والحركة الصهيونية ودورها الخطر في أحداث منتصف القرن الماضي، وما تبع ذلك من نشوء الحركات الإسلامية المتشددة، ومعارك الأمن والطاقة في المنطقة. كتاب جدير بالقراءة نتمنى أن تلتفت إليه دور الترجمة، فما يزخر به من معلومات يجب أن يتاح للكثيرين ولا يهمل.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com