مات النجم السينمائي أحمد رمزي، أحد كبار فتيان الشاشة العربية، من أنور وجدي إلى عماد حمدي ورشدي أباظة وكمال الشناوي وغيرهم، رحلوا من المكان وليس الزمان، وتركوا للناس أفلاماً تسحب ذكريات الخلق إلى زمن الأمس، وحفروا لمن هم في منتصف العمر، أو أكثر قليلاً، صور الجمال “بأيامنا الحلوة”، هي أيام الشباب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. شباب الأمس ويسميهم الغربيون “بيبي بومرز”، وهم الذين ولدوا بعد الحرب الثانية، عاشوا (بصفة عامة) حياة جميلة، في بحبوحة اقتصادية كانت تنمو وتجري لبناء أوروبا بعد خراب الحرب، صاحبتها حركة فكر وفن تتوهج وترفض مسلمات القديم التي قادت إلى كارثة الحربين الكونيتين، وكانت حركة “بيتس” في الخمسينيات، ومن أشهر رموزها الشاعر الأميركي غينزبيرغ، بشذوذه الجنسي، وغزارة شعره مع ثقافة عميقة في البوذية، التي تصور الحياة على أنها شقاء دائم ونهر جارف لا يثبت على حال، ولا حل للإنسان الشقي بعبثية الوجود بغير “التأمل الوجداني” (meditation) حين تجلس القرفصاء مستقيم الظهر، وتخلي ذاتك من كل ما يجري حولك، لتغوص في أعماق نفسك البشرية لتصل إلى مرحلة “النرفانا”؛ أي البهجة السامية الخالية من الرغبات والطموحات المادية الزائلة… ثم كان تمرد “الهيبيز”، و”ثورة الشباب” أو الثورة الجنسية كما سماها البعض، وتجلت في الدول الأوروبية، وفي باريس تحديداً (موطن المثقفين الكبير) أطاحت في ما بعد ببطل الدولة الجنرال ديغول، وفي الولايات المتحدة تمثلت صورتها الفنية، بصخب حفلات “وود ستوك” في نيويورك، وصوت فنان البيتلز السابق جون لينون يصدح بأغنية مثل “تخيل” (imagine)، أما صورتها السياسية فقد تمثلت بمظاهرات عنيفة ضد حرب فيتنام في الخارج، وحركة رفض التمييز العنصري في الداخل الأميركي… في الكويت وصلت إلينا “ثورة الشباب” متأخرة زمنياً سنة كاملة، حين خرجت المظاهرات الطلابية من مبنى الجامعة في الخالدية باتجاه مجلس الأمة تطالب بحرية الاختلاط في الجامعة الوليدة، لم تخرج مظاهرات على ما أتذكر ترفض مجلس الأمة المزور!
انتهت تلك الأيام، مات “مكانها” وليس زمانها، ومات كبار كثيرون، ومن بقي منهم اليوم ينتظر لحظة فراق الدنيا، وهي دنيا كرب وسأم من عالم الشيخوخة، تضرب بمثلها أربع أو ألف مرة بشكلها الكويتي بسماجة البلد وسخف الحياة الثقافية والاجتماعية.
مات أحمد رمزي مرتاحاً بعد أن تهاوى وسقط في شقته، ولم يتجرع عذاب مرض الموت من سرطان أو أمراض كبد أو قلب، تجعلك تموت مئات المرات في أسرة المستشفيات والعلاج الكيماوي أو عمليات غسل الكلى أو نقل الأعضاء… منتظراً زيارة عزرائيل الأولى والأخيرة، فهذا يزورك مرة واحدة، مثلما تولد مرة واحدة، وبين اللحظتين الولادة والموت تحيا “المكان” الذي يتغير دائماً، أما الزمن فيظل مطلقاً بلا بداية ولا نهاية، وبينهما يبقى شريط سينما تدور بكرته بلا توقف في سجل الزمن، يعرض فيلماً بعنوان “الذكريات” ونجومه أنت وغيرك من الفانين، وتدور بكرة الشريط 24 ساعة باليوم، في دار سينما الوجود، سينما لا تخضع لرقابة وزارة الإعلام، ولا لحرس عاداتنا وتقاليدنا. وفي “النهاية”، آسف، لا توجد نهاية للشريط، بل هي نهاية دورك فقط بالفيلم، سواء كنت “كومبارساً” ثانوياً أو نجماً عظيماً.