سعيد محمد سعيد

طوفان غضب «محمدي»

 

«براءة المسلمين»… كان ذلك هو الاسم المقترح للفيلم المسيء الى خاتم الأنبياء والرسل نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الكرام المنتجبين، والى الدين الإسلامي! والذي تسببت مقاطعه الفجة الساقطة الى غليان غضب في الأمة الإسلامية بدأ بانتقام، غير مبرر ووحشي، بقتل السفير الأميركي في ليبيا كريس ستيفنز وثلاثة موظفين اميركيين مساء الثلثاء (11 سبتمبر/ أيلول 2012)، وتحول ايضاً الى طوفان استنكار وغضب، مبرر ومشروع، في كل الدول الإسلامية تفاوت من حيث الشدة والحدة.

مسلسل الإساءة للدين الإسلامي ولرموزه لم يعد شكلاً مستغرباً من أشكال إظهار العداء للدين ولأتباعه! ولا يمكن اعتبار هذه الحملات المسعورة محدودة في أهداف كيانات ومجموعات معادية للدين الإسلامي، بل تدعمها دول وتمولها ثم تدعي بعد ذلك احترامها لهذا الدين كما هو حال الولايات المتحدة الأميركية ذاتها… لكن جملةً صريحةً أراها بارزة: «نعم هناك حملات ممنهجة للإساءة الى الإسلام من قبل الغرب… السؤال: هل لدى الدول الإسلامية اعلام يحمل خطاباً معتدلاً يواجه كل تلك الحملات؟ أبداً! بل يوجد مقابل ذلك نمو مذهل لظاهرة (إعلام الفتنة) لزرع الشقاق والخلاف والتناحر بين أبناء الأمة الإسلامية، حتى أن هناك قائمة من مشايخ الطائفية أصبحت معروفة لدى ملايين المسلمين… مهمتها إكمال الجزء الرئيس من حملات العداء الغربية، من خلال تدميرها المجتمع الإسلامي من الداخل واثارة العداوات وخصوصاً بين المسلمين سنة وشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين، بل وبين أبناء طائفة بعينها».

هناك الكثير من خبايا الفيلم المسيء الذي أشعل الأمة الإسلامية غضباً… وحسناً فعل أبناء الأمة بحشودهم المليونية السلمية التي أوصلت رسالة، ليفهمها من يفهمها وليتجاهلها من يتجاهلها، مفادها أن رمز الإسلام العظيم «محمد» عليه أفضل الصلاة والسلام، لم يترك خلفه أمة ستبقى الى آخر عهدها خانعة… ميتة… يائسة! هي تحيا من جديد لتواجه الظلم والاستبداد والجور ومخططات النيل من دينها.

من بين تلك الخبايا، ما كشفته مجلة «هوليوود ريبوتر» الأميركية المتخصصة في السينما الأسبوع الماضي، حينما تحدثت عن الفيلم شديد الرداءة مضموناً واسلوباً وتصويراً وخدعاً سينمائية ساذجة، ووصفته بأنه من المستحيل أن يكلف 5 ملايين دولار! والملفت للنظر، أن المجلة استطاعت الوصول الى ممثلة مغمورة تدعى (ساندي لي غارسيا) من مواليد كاليفورنيا وتبلغ من العمر 46 عاماً، شاركت بدور ثانوي في (حفلة الزار الأميركية ضد الإسلام)، بعد أن قرأت اعلاناً في مجلة (باسكيتيدج) عن طلب ممثلين لفيلم «محاربي الصحراء» وهو فيلم يتحدث عن مغامرات في الصحراء العربية، وأعلن عن أنه سيحتوي على بعض المشاهد العارية.

وبحسب المجلة: «ظهرت ساندي غارسيا مرة أخرى على القناة العاشرة الإسرائيلية، لتؤكد أن «العبارات التي نطقها الممثلون أثناء أداء أدوراهم كانت مختلفة وتم دبلجتها وتغييرها، بحيث أصبح الفيلم عن الإسلام والرسول»، فمثلاً ورد لفظ الله على لسانها في لقطة من الفيلم، ثم سمعتها على لسانها نفسه «محمد» بعد الدبلجة، وأضافت أن المخرج «باسيلي» (ويعتقد أنه اسم مستعار)، اتصل بها قبل 6 أشهر، وطلب منها إعادة بعض العبارات من جديد، لسماعها في الفيلم بطريقة أفضل، ويبدو أنها نطقت كلمة «محمد» في الإعادة دون أن تعي ما يقصد بها، فتم إدخال كلمة «محمد» بكل عبارة ورد فيها الاسم على لسانها، وهذا ما حدث مع بقية الممثلين. (انتهى الاقتباس).

مثل تلك التبريرات لا تصمد! حتى ادعاء وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأنها لا تعلم شيئاً عن الفيلم (السخيف) لا تصمد أيضاً! بيد أننا كمسلمين أمام مأزق كبير، فالغرب والشرق، عاكفان على نشر الصور المغلوطة عن الدين الإسلامي… الغرب افتقد الرغبة في التعرف على حقيقة الدين الاسلامي، واستسلم للصورة التقليدية عنه والتي قامت وسائل الاعلام التي يسيطر عليها اللوبي اليهودي بتكريسها، ولم يسع لمعرفة الصورة الصحيحة عن الاسلام من مصادره الأصلية، مكتفياً بكتب مغرضة ومحرفة وتفتقد الموضوعية تقف وراءها جهات معادية للدين الاسلامي، وبعضها الآخر (معتمد)، لكنه احتوى من الإساءات للدين الإسلامي ولخاتم الرسل (ص) ما جعلها مؤلفيها بمثابة (نصوص صحيحة وأسانيدها من الثقاة)! فيما فشل الإعلام الإسلامي في الوصول للغرب وفي إيجاد آليات للتعريف بحقيقة الاسلام وتعاليمه هناك، ولم يتبن أية خطط جادة لتوضيح مبادئ وتعاليم الاسلام التي تحترم الآخر ولا تقر الاعتداء عليه.

بيانات الشجب والاستنكار والمظاهرات التي اجتاحت الأمة الإسلامية صورة محمودة قطعاً، لكن الخطر على الهوية الإسلامية – من وجهة نظري المتواضعة – هي من الداخل الإسلامي! فهناك اقطاب طائفية لاتزال تنفخ بقوة في نار الطائفية والصدام بين المسلمين وسائر أتباع الديانات السماوية بصمت رهيب من الأنظمة، كما أنها تحظى بالدعم من خلال مدد مالي وإعلامي متعدد الاتجاهات… حتى أن بعض أولئك انتهز الغضب العارم ليترك الفيلم وما سبقه من حملات عدائية، ويتفرغ لإثارة سمومه في المجتمعات الإسلامية بين السنة والشيعة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *