ابتلي المسلمون، والعرب بذات الذات، بالكثير من المصائب والبلاوي، ولكن أشد بلاويهم سوءاً الفتاوى الدينية، التي أصبح إصدارها هم كل صبي دين وكهل تدين! وكلما كانت الفتوى غريبة كان حظها في الانتشار أكبر وصداها في القنوات الفضائية والصحف والإذاعات أعلى، ليصبح مصدرها نجماً وعلماً دينياً، وليمدد بفعلته من فترة ضحك العالم علينا، وسخريته من طريقة تفكيرنا! وكان آخر تلك الفتاوى الغريبة والمستهجنة، التي لا يزال يدور حولها نقاش واختلاف، وشد وجذب كبيران، على الرغم من كل ما تضمنته من سخف، تلك التي تعلقت بحث شباب وكهول المسلمين، من المقتدرين مادياً، على زيارة مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا والجزائر وغيرها، و«نجدة» من فيها بالزواج من الفتيات السوريات، لستر أعراضهن! وبصرف النظر عن حقيقة نية وهدف رجل الدين الذي أصدر مثل هذه الفتاوى، إلا أنه من الواضح أن النهاية لن تكون في مصلحة أولئك الفتيات، فالمسألة، كما سنبين لاحقاً، لا علاقة لها بستر الأعراض ولا بتقديم العون والمساعدة، بل الهدف جنسي بحت، كما ذكرت الزميلة دلع المفتي، من أن هذه الحملات ذكورية استغلالية قبيحة، غلافها الستر وباطنها النخاسة المقنعة بعناوين فضفاضة، مثل الزواج الشرعي، ورفع المعاناة، وأن هكذا يتراكض «المجاهدون» لنصرة الشعب السوري، بسبي نسائه تحت ستار الزواج من فتيات سوريات، بعضهن قاصرات، بمهور بخسة تدفع للأب المكلوم الذي لا يملك قوت أطفاله، فيزوج ابنته طمعاً بالستر.
حجة هؤلاء المفتين، ومن تصدى لتطبيق فتاواهم، أن هؤلاء من نساء المسلمين ويجب سترهن، وأن المسألة شرعية بحتة ولا إكراه فيها، وتتم على سنة الله ورسوله، وأن ما يحدث الآن في سوريا سبق أن حدث على نطاق أوسع بكثير في كوسوفو وقبلها في البوسنة وبعدها في الشيشان! ولكن الغريب أن الستر والخوف كانا على المرأة أو الفتاة الجميلة، فمن له الخيار لن يختار غيرها، على الرغم من أن الأقل جمالاً أحق بالمساعدة! كما أن التنادي والتكاتف لنصرة الشعب السوري اتجها نحو فتياته ولم يتجها، إن كانا صادقين، لشبابه، فلم نسمع بفتوى تطالب آباء الفتيات العربيات المقتدرات بتزويج بناتهم بشباب مخيمات اللاجئين السوريين! فلمَ يقتصر العون على النساء ويترك الشباب لمصيرهم، علماً بأن نسبة العنوسة في دول «العون» هي الأعلى في العالم؟ كما أن هذه الفتاوى جنسية بحتة ولا علاقة لها بالدين ولا بالتدين ولا بالقربى وكسب الأجر، والدليل على ذلك أن نساء مناطق عديدة من السودان ودارفور والصومال، وجميعهن مسلمات صحيحات الإسلام، تعرضن منذ عشرات السنين لأبشع أنواع الاضطهاد والتشريد والاغتصاب والتعذيب والتشويه والقتل والموت جوعاً، ومع هذا لم يتبرع شيخ ولا صبي دين، من نجوم القنوات الفضائية، بإصدار فتوى بضرورة قيام «شباب وكهول» الدول المقتدرة بزيارة مخيمات لاجئيهم، وما أكثرها، والاقتران بفتياتهم! هل لأنهن لا يمتلكن البشرة الشقراء ولا العيون الزرق، كفتيات سوريا وكوسوفو والشيشان والبوسنة والهرسك؟ اللعنة، كم أنتم منافقون.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com