احمد الصراف

اليابان.. إيجاباً وسلباً (3 – 3)

نعود لموضوع الأمس، ونقول إن شهر رمضان الماضي كان بالفعل شهر العبادة، فلم تعرف الكويت في تاريخها الحديث هذا العدد الكبير من المتعبدين والمتهجدين والمصلين، وخاصة في العشر الأواخر من الشهر. وكان لافتا للنظر ملاحظة خلو الشوارع قبل صلوات محددة وعودة الازدحام لها بعد تلك الصلوات. كما كان لافتا للنظر العدد الكبير للخيم التي ألحقت بالمساجد لكي تستوعب الزيادة غير المتوقعة في أعداد المصلين! ولكننا رأينا في الجانب الآخر وفي الوقت نفسه، زيادة هائلة في قلة الخلق وانعدام النظام والاستهانة المطلقة بمصالح الآخرين واحتياجاتهم، وبلغت أعداد المتمارضين من موظفي الدولة بالذات الذين تغيبوا عن أعمالهم من دون عذر ارقاما فلكية ساهمت في ضياع ملايين ساعات العمل في الشهر الفضيل، كما تعطلت مصالح كثيرة بحجة الصيام أو الارهاق، او عدم الرغبة في العمل أصلا! وأخبرني صاحب مستشفى خاص أنه لاحظ زيادة غير مسبوقة في أعداد المراجعين بأمراض تتعلق بالتخمة وزيادة معدلات السكر وأعراضه الجانبية. كما أعلنت أكثر من جهة عن زيادات خيالية في استهلاك المواد الغذائية، ومن واقع أرقام لبعض أنشطتي التجارية وجدت زيادة هائلة جدا في كميات المواد التي تستخدم في خدمة بيع وتقديم الحلويات فاقت اي سنة أخرى، وهذه الحلويات لم تذهب حتما لفقراء بورما ومسلمي البوسنة! وبالتالي كيف يمكن قبول تزايد معدلات التدين لدينا بكل هذه النسب الكبيرة جدا ولا تقابلها أي زيادة في حسن التصرف والخلق الجيد والاستقامة والأمانة في أداء الواجب وعدم أكل المال الحرام من خلال قبض راتب من دون مقابل، وهذا يشمل حتى الذين وضعت الأمة ثقتها بهم كمشرعين؟! والجواب هو انعدام التربية الأخلاقية في مدارسنا، فقد تمت برمجتنا أو تدريبنا على أن واجب الإنسان هو القيام بما هو مطلوب منه دينيا، من دون الالتفات للأمور الأخرى التي لا تقل عنها أهمية! كما تبين بوضوح أن الجرعة الدينية الزائدة لا تعني بالضرورة ان كل من يؤدي العبادات هو أكثر صلاحا من غيره، فنحن جميعا بحاجة لأن نصح اخلاقيا لنكون مواطنين صالحين، وهنا على الحكومة (لا أدري إن كنت جادا هنا في طلبي) التفكير في زيادة جرعة الدروس الأخلاقية، وجعلها من المواد الأساسية، ولنا في اليابان وعجائب شعبها اسوة حسنة!
نعود للشعب الياباني ونقول إنه بالرغم من تقدمه التقني والحضاري وأدبه الجم إلا أنه لم يشتهر طوال تاريخه بأي نشاط إنساني بارز، حتى ما حققه أخيراً من إنجاز في عالم الرياضة إلا أنه لا يقارن بحجم اليابان وتاريخها وقوتها المالية والاقتصادية والتقنية! فاليابان لم تعط البشرية لوحة ولا شاعرا ولا أديبا ولا اي نوع من النشاط الفني الغنائي أو السينمائي، أو في التلفزيون والقصة القصيرة أو الرواية ولا حتى تماثيل شهيرة أو رسوماً، ولا شيء تقريبا في هذا المجال! ونتكلم هنا بشكل مطلق، فهناك بعض الابداعات ولكنها حتما ليست بالكثيرة ابدا، وهذا يسري بطبيعة الحال على دول اخرى كالصين مثلا، ولكن ليس بكل تلك الحدة، علما بان الصين كانت تتبع النظام الشيوعي الصارم والقاتل للإبداع حتى وقت قريب، بعكس اليابان الديموقراطية. وسبب فقر اليابان في ميدان الإبداع الإنساني موضوع شيق قد نعود له في مقال آخر!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *