محمد الوشيحي

الأطمسان… الجعفري والقرني

الله يرحم حامد الأطمس، الشاعر المصري المبدع البائس التعس، الذي غاص حظه في وحل التعاسة حتى جاءت وفاته، وهو في الأربعين من عمره، في يوم وفاة أم كلثوم، فصار نسياً منسياً، ولم يسمع نحيب أهله وصحبه عليه أحد.
الله يرحمك يا الأطمس، يا من طمس سوء الحظ ذكره، في حياته ومماته، ولولا بعض الكتابات المتفرقة الخجولة عنك ما كنا قرأنا أزجالك ولا شعرك الباكي.
صاغ أجمل أزجاله وهو في منجرته في دمنهور، فكتب عنه رجاء النقاش وفتحي سعيد وغيرهما، وأثنى عباس العقاد على “الواد النجار بتاع دمنهور”، ومنحته لجنة الشعر الميدالية الذهبية، فجلبها في السوق ليشتري بثمنها تذكرة تعيده إلى بيته ومنجرته في دمنهور!
يصف الأطمس حظه زجلاً:
“أنا لو شكيت اللي مابي للحديد ليدوب
ولو حكيت للحجر حاتتخلق له قلوب
اللي أسيته وشفته يا عزيز عيني
لو شافه أيوب.. وديني ما صبر أيوب”
وكم من أطمس في أيامنا هذه، يملك من الأدب والإبداع ما يبهر ويسحر، إلا أن نصيبه من الشهرة كنصيب الأطمس… على رأس قافلة الأطامسة شاب كويتي عبقري ثائر اسمه خالد الجعفري، لولا ظهوره في زمن الصخب الإعلامي لتزاحمت على بابه الصحف والمجلات. ومن السعودية يظهر لنا أطمسي ساحر اسمه عبد الله القرني، يسميه مريدوه “سهيل اليماني”، لا أدري ما نصيبه من الشهرة في السعودية، إلا أنه في الكويت كالأطمس في مصر، لا حظ له.
على أن الفوارق بين الأطمسين، الجعفري والقرني، من جهة، والأطمس الأب من الجهة الأخرى، أكثر من أن تحصى، أدناها بحث حامد عن الشهرة، وزهد الاثنين بها، وأعلاها وأسماها (أعلى الفوارق وأسماها) شموخ الجعفري والقرني وتمردهما في مقابل خنوع الأطمس وتودده لذوي الجاه والمال.
وسحقاً للصحف التي تحولت إلى “معاريض” تستجدي المال، عبر تسليط الضوء على “إبداعات” أبناء الأمراء والشيوخ والتجار، وأهملت أمثال هذين الرائعين.
وكما يتحمل الأطمس وحده المسؤولية في اندثار يوم وفاته، يتحمل هذان العبقريان وحدهما المسؤولية في ولادتهما في زمن “الشيوخ المبدعين” وازدحام الفضاء بوسائل الإعلام.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *