سعيد محمد سعيد

إي نعم… «حبربش»!

 

عادة ما تنتشر كلمة «حبربش» بين أهل الخليج وأهل العراق كذلك لوصف «التافه» من الناس! فالحبربش، وفق المعنى الشعبي، هم أراذل الناس وأخسهم وأوضعهم أخلاقاً ممن تنال المجتمعات منهم الشر ولا شيء غير الشر.

الكثير من الناس يستخدمون هذه الكلمة بالطبع لكثرة انتشارها دون معرفة أصلها في اللغة… حالها حال الكثير من المفردات الشعبية شائعة الانتشار غريبة اللفظ، غير أن اللافت للنظر أن تصبح كلمة «حبربش» واحدة من مفردات الربيع العربي لتطلق على مثيري الفتنة والعداوة بين الناس.. البلطجية.. عصابات الحرامية.. العصابات المسلحة.. فيُصيب من يطلقها حقاً على «الحبربش» المنتشرين في الدول العربية، وخصوصاً دول الثورات، الذين تستخدمهم (فلول) الأنظمة المتهاوية، والشخصيات الرئيسية في الأنظمة (الساقطة) حيث يمدونهم بالمال والسلاح لإثارة الفوضى والجريمة في المجتمع نكايةً وانتقاماً… فيما هناك (جماعات) تربيها وتدربها وترعاها دول معادية للديمقراطية والاستقرار، وهي في الغالب تعمل لصالح استقرار «الصهانية» دون شك لتمزيق الدول العربية والإسلامية من الداخل عبر التناحر الدموي بعد عدم (شباع) تلك الدول من مجرد إثارة الفتن الطائفية والمذهبية… فلابد من (حبربش مسلح).

هذه الجماعات «الحبربشية»، كان متوقع لها -منذ انطلاق أولى الثورات العربية في تونس العام الماضي 2011 – أن تتكاثر وتزداد ضراوتها في الدول التي شهدت أو مهيئة لأن تشهد ثورات وحركات مطلبية، وليسمح لي القاريء الكريم أن أعود إلى مقال كتبته يوم 6 مارس/ آذار 2011 وردت فيه هذه الفقرة نصاً: «كل الدول العربية والإسلامية بل ودول العالم الثالث، مهيئة لثورات غضب شعبية مقبلة للمطالبة بالحقوق والإصلاحات، نظراً لتراكم الممارسات الديكتاتورية، وتعنت الحكومات وظلمها واستبدادها، وستكرر الأنظمة ذات الأساليب في التعامل مع شعوبها، وستضعها تحت عدة عناوين مكررة: فوضى وتخريب وفتنة – تآمر من الخارج كإيران تارة، وتل أبيب تارة أخرى تدار من أميركا – مخطط إسرائيلي لتقويض الأمة الإسلامية- القاعدة و»طالبان»، وربما عناوين أخرى لست أفقهها! ثم ستنحو تلك الأنظمة إلى: استخدام أقصى أنواع العنف والقوة ضد مواطنيها، وستقتل من تقتل بدم بارد – ستحذر وتهدد وتنذر وتزبد – ستستخدم البلطجية والمرتزقة الذين على ما يبدو أعدتهم تلك الأنظمة منذ زمن في أقفاص خاصة تطعمهم وتسمنهم وتربيهم للنيل من شعوبها – ستتراجع وتدعو للتهدئة والحوار، وستتباكى على سلامة الوطن واستقراره وأمنه واقتصاده – ستلفّ وتدور حول الحوار- ستسقط الأنظمة المتعنتة المكابرة- ستنجو الأنظمة التي ستظهر بشجاعة وتعترف بأخطائها، وتؤمن بأن مطالب الشعوب مشروعة ودستورية فتصل إلى بر الأمان»…انتهى الاقتباس.

لكن، ما هي اسقاطات ذلك التقديم على الوضع اليوم في الوطن العربي؟ المشهد واضح بلا ريب.. ودعوني أرسم صورة متخيلة للصهاينة وهم يضعون رِجلاً على رجل، ويراقبون ما يجري في الوطن العربي من صراعات دامية بين أبناء البلد أنفسهم، ويشربون نخب الانتصار والتشفي، وهم يشاهدون بوادر صراعات داخلية متنقلة من بلد إلى بلد، ويرفعون الشكر والتقدير لراعيتهم «أميركا»، وإلى الأنظمة والجماعات الحليفة معها ولها.

هذه المرحلة على ما يبدو هي مرحلة «الحبربش»، ولا يمكن قبول كلام المنظرين بأن ما يحدث من صراعات وتوترات دامية هي جزء من (حراك سياسي) طبيعي بعد أية ثورة أو حركة مطلبية… وتبدو الصورة الأكثر دمويةً في سورية… نعم الشعب السوري له كل الحق في المطالبة بحقوقه المشروعة وإن طالب بإسقاط نظام بشار الأسد، لكن أن تنتشر جماعات مسلحة مدعومة من أطراف متعددة الغايات فيصبح الشعب السوري (الضحية) بين نيران النظام ونيران المسلحين، فذلك وضع يريح الصهاينة بالتأكيد.

نعم، من حق الشعب المصري المعترض على حكم الرئيس محمد مرسي أن ينتقده، وينتقد حركة الإخوان المسلمين، ويطالب بدولة مدنية، لكن أن تشتعل القاهرة، كما حدث يوم أمس الأول الجمعة (24 أغسطس/ آب 2012) من اشتباكات بالأيدي والأسلحة البيضاء وتراشق لفظي بعد صلاة الجمعة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس، ودخول «الحبربش» المدسوسين والممولين من فلول النظام السابق، فتلك (جمعة إسعاد العدو الصهيوني).

في تونس… مهد «انتفاضات الربيع العربي»، وحكومتها الإسلامية المعتدلة، فيها ما يثير القلق بسبب «الحبربش» أيضاً الذين يتحولون من معترضين على «معرض فني» إلى لصوص وبلطجية يهاجمون الناس، وينهبون المتاجر، ويحطمون واجهاتها، ويعتدون على الناس… في «ليبيا» لم تتوقف أعمال العنف المسلحة، حيث يستمر تفجير السيارات، واغتيال كبار المسئولين الحكوميين والعسكريين، والهجوم على موظفي السلك الدبلوماسي الأجنبي والمنظمات غير الحكومية، وتتجه جماعات من الشبان المسلحين لاستخدام لغة السلاح… في الوقت الذي يعلن فيه اتباع «القذافي»عزمهم على تصعيد قتالهم.

لنتجه إلى اليمن، فقد بدأت الجماعات المسلحة الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح الانتقام من الشعب اليمني بتنفيذ الهجمات والعمليات المسلحة.. هي أيضاً أخبار سارة للكيان الصهيوني.. في طرابلس.. شمال لبنان.. اشتباكات مسلحة بين مجموعات سنية وعلوية من أبناء البلد في منطقتي جبل محسن والتبانة، ولن ينكر أحد بأنها بشارة مفرحة لنتنياهو وبارك وأفيغيدور…

يا إلهي، كم هي مرعبة تلك الأوضاع التي تعيشها الأمة، فتسيل دماء أبنائها بفعل مؤامرات الصهاينة المتفرجين بسعادة الشاربين كؤوس الانتصار الدموي بينهم.

ختاماً، الحبَربَش… لفظة عربية قديمة تعني الجماعة من الناس، وكان العراقيون قديماً يقولون: «جان فلان مع حبربشيته»… واللفظ الصحيح في اللغة العربية كما يرى النسابة العراقي الشهير الشيخ عبدالأمير البديري، صاحب موسوعة العشائر العراقية العربية، هو :«الأحبوش» و»الأحبوشة».. وللأسف الشديد، بوسعنا أن نقول اليوم: «جاءت حبربشية الكيان الصهيوني».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *