كشرب الماء، تعاملت شرطة نيويورك مع حادثة إطلاق النار أمس، وكشرب العصير أجاب مسؤولو الولاية عن أسئلة الصحافيين قبل أن يجف عرق الجريمة، وشرحوا للناس تفاصيل الجريمة وقدموا ما لديهم من معلومات. ليش؟ لأنهم يحترمون الشعب ويخشون غضبته إذا ما أخفوا المعلومة عنه.
هنا، في الكويت، هذا البلد المنكود، ثمة عداء بين قيادات الحكومة والمايكروفون، كره متبادل “الله لا يبلانا”، طبعاً إذا استثنينا “مؤتمر ديوان الحربش” العجيب. فوزارة الداخلية عندنا أكبر من مستوى الشعب، ووزارة الخارجية من طبقة النبلاء، لذلك لا تلقي للشعب بالاً ولا حبالاً، فتسكت وتصهين في قضية اختطاف المواطن الكويتي في لبنان، كما سكتت وصهينت في قضية اختطاف المواطن الكويتي في إيران.
تحدث الجريمة عندنا، أقصد تحدث الجرائم عندنا، فتدور عجلات الصحف بحثاً عن أصل الخبر وفصله، وتضع كل ذات حبر حبرها، وتتبارى الصحف والخدمات الإخبارية في ما بينها في قوة “المصادر الأمنية” أو “المصادر الموثوقة”، وتنهمر علينا الحروف الأولى من اسم المجرم (ط. ش. ف)، وتعال فك الحروف وركبها بما يمليه عليك تخمينك المبارك، ووو، وتتركنا قيادات الداخلية نغرق في بحور الصحافة وحروفها إلى أن نموت، الله يرحمنا.
وكما يرتفع برج كل يوم في دبي، يرتفع دخان حرائق أمغرة كل يوم في الكويت، والبادئ أظلم… ويلطم الناس، وتصمت الحكومة، وتستمر الحياة… وهنٌ ما بعده وهن.
اليوم: 26 أغسطس، 2012
أيها الشباب.. هل ستستفيدون حقاً من حرق الكويت؟!
حالنا في الكويت هذه الأيام كحال قرية ضرب الله بها مثلا (قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) صدق الله العظيم. هل تستحق الكويت ما يفعله بعض ساستها اصحاب الاجندات الخارجية ومن يتبعهم من الشباب المغرر بهم من رغبة في تحويلها من بلد آمن مطمئن إلى ساحة فوضى وتناحر وتقاتل على امور لا تتناطح عليها عنزتان في «جميع» بلدان العالم الأخرى؟!
***
فتغيير الدوائر وتعديلها في جميع الديموقراطيات الأخرى ومنها بالطبع الكويت هما من صلاحيات السلطة التنفيذية بدلالة ما حدث في عمليات تغيير الدوائر السابقة فما يعترض عليه ويدعى لحرق البلد لأجله ونشر الفوضى بسببه هو اقرب لبديهة وحقيقة «ان الشمس تشرق من الشرق»، ومن البديهيات كذلك عملية توقير وتبجيل احكام المحكمة الدستورية التي ذكرت ضمن حكمها الأخير ان النظام الحالي للدوائر غير دستوري ومن ثم يصبح من البله والغباء الشديدين ان تقام الانتخابات القادمة على نفس النظام المطعون فيه والذي قرر كثيرون رغبتهم في الطعن في نتائجه لدى المحكمة الدستورية التي أفتت بشكل مسبق بعدم دستوريته.
***
ومن البديهيات الأخرى المغيبة لأجل اهداف شريرة تهدف لنشر الفوضى والخوف والدمار في ربوع الوطن ان من يصر على ان السلطة التشريعية ـ لا التنفيذية أو القضائية ـ هي المختصة الوحيدة بتعديل الدوائر ان يكون اول المتواجدين في قاعة مجلس الأمة لإكمال النصاب لمناقشة تعديل الدوائر بدلا من مقاطعة الجلسات دون تقديم الاستقالة من المجلس وما في ذلك من تعد على المال العام المتباكى عليه حاله حال الدستور الذي تحول من كان يكفر المطالبين بتعديل بعض مواده الى المطالب الأكبر بـ ..نسفه!
***
آخر محطة: (1) في وقت تتردد في العراق الأغاني والأشعار والأعمال الدرامية المستجدة المطالبة بالكويت، وفي وقت اتت فيه تصريحات من مسؤولين ايرانيين لا تسر، نجد ان هناك من يخلق الفوضى في الداخل ويرفض مشروع الوحدة الخليجية الذي نحن المستفيد الأول منه بسبب الأوضاع الخطرة المحيطة، نجد ان هناك من يفتعل المعارك مع السعودية والامارات وهم اقرب الاقرباء وأصدق الحلفاء فما القصد مما يجري؟ وهل بقي هناك ادنى شك في النوايا المبيتة لتدمير الكويت؟!
(2) لا نعتب على من يريدون حرق الكويت لأجل الأوامر والأموال الخارجية، من نعتب عليه هم بعض الشباب المغرر بهم الذين غيبوا عقولهم وفهمهم وأصبحوا يكذبون ما يرونه من خير ونعمة وأمن ويصدقون ما يسمعونه من كلمات تحريض وتأجيج تستعملهم كأحجار صماء لا عقل لها ضمن مخططات التدمير التي تستهدف المنطقة.
مروا علي عصرية العيد
انتهيت هذه المرة مبكراً من ممارسة طقوس الواجب بالمباركة بالعيد لشقيقتي الكبرى وأرملة شقيقي الأكبر، فلم يعد هناك من يفترض أن أعايده وأستكمل أداء الأصول الواجبة، فالبيوت التي كنت أعايد أهلها تتقلص عاماً بعد عام، قبل سنوات طويلة رحلت أمي، وبعدها خالتي الكبرى ثم بقية الخالات والإخوان، وكل مرة يطرق الموت بيت أحدهم تنقص بالتبعية مشاوير الزيارات للمباركة بالأعياد، تلك ميزة وفرها لنا الزمن عبر جسر الموت ليخفف من أعباء الواجبات.
أعيد في كل زيارة مباركة بالعيد بعبارة، “لم يبق إلا أنت وأم عمر”، أقولها مداعباً شقيقتي، وبعدها لا زيارات أعياد، لكن من يدري فقد أسبقكما إلى الفناء، وهنا أيضاً أصل إلى ذات النتيجة، فلا زيارات مباركة وراحة أبدية، الموت مهما كانت أسبابه لن يحملك أي خسارة، ففي النهاية لا فرق كبيراً بين الخواء الروحي والاجتماعي في الكويت والموت، فهما يستويان في ميزان العدم، حقيقة لا تخسر شيئاً حين تموت كويتياً أو ساكناً في هذا البلد.
الطباخ البنغالي محمد سيد القوم في المنزل يأخذ إجازة العيد، إذن لا غداء في المنزل، عندها لابد من العودة الراسخة إلى عاداتي وتقاليدي وممارسة واجب البحث عن مطعم لنعلف به ثم نتجشأ هواء رطباً ساخناً يتلاشى سريعاً في طبقات الغبار الرمادية، والتنقل بين مطاعم “الجينكي” الكثيرة في كل زاوية متربة بالدولة أو مجرد التفكير كيف ستقضي ساعة البلع والزلط في مولات الدولة يعد نوعاً من البهجة، هي حتماً آخر ملامح للبهجة، في بلد الحرام والحرمان.
دخلت مع ابني محمد إلى مطعم علفي عادي، لم يكن معي بقية أبنائى وبناتي، فابنتي الكبرى مرهونة عند ابنها الصغير، وحامد سافر إلى دبي، فهو يقول إن العيد لا يطاق في الكويت، بينما أقول إن الحياة كلها لا تطاق في الكويت، أما الابن علي فقد أغلق على نفسه باب الغرفة، ولا أعرف ولا يهمني ماذا يفعل… آسف نسيت أول الموضوع، بعد أن ولجنا المطعم، فقد حدث… أنه لم يحدث شيء… قرأنا المينيو وطلبنا من الجرسون الفلبيني الأكل المقرر، هو مقرر كأيام الروتين المقررة في بلد اللاقرار، وكالحكومة الموقرة وكالمعارضة المقررة وكالموالين من الأوفياء التابعين، كل أمر هنا مقرر سلفاً، أكلنا، شربنا، نومنا، صحونا، تفكيرنا مقرر علينا، أليس هذا ما “يقرره” المفكر الإيراني داريوش شايغان فقد كتب: “هكذا يظل الفرد ترجيعاً للصدى في سلسلة العلاقات الكلية حيث تعد كل حركة شاذة وكل انحراف عن المجموعة وكل إبداع فردي فساداً للانسجام المسبق، بل وخروجاً على الجماعة…”، لنترك كتاب داريوش “ما الثورة الدينية” ونعد إلى مطعم علفان ستيك هاوس.
كما قلت لكم لم يحدث شيء، والذي حدث حقيقة هو أنني أخذت أعد كم ذكراً وكم أنثى يجلسون في المطعم، الطاولة التي بقربي يجلس عليها ذكران شابان لا يتحدثان، يتأملان ساحة المطعم، يتأملان اللاشيء… مساكين، ومسكين من يكون شاباً يقرر مصيره العجائز، ثم هناك طاولة بعدها جلس عليها مواطنان في منتصف عمريهما، أحدهما له بطن كبير يكاد يسقط للامام ويعلن الثورة والعصيان على “الدشداشة” التي تغطيه… هو أيضا مسكين من مساكين الكويت، فالبلع ونفخ الكرش عندنا هو وسيلة لتمضية أوقات الفراغ، لم يكن الأكل أبدا بدافع الجوع، فنحن نعوض الجوع الروحي بالأكل وتفاهات القيل والقال و”شنو قالوا وما سمعتوا… وما دريتوا…”، بقية الطاولات كلها تحيط بها كتل من الذكور عدا طاولة واحدة جلس عليها ثلاثة أجانب غربيين ذكور ومعهم أنثى واحدة هي فلبينية، كانت تلك الطاولة اليتيمة التي انخرط أصحابها في الكلام مع بعضهم ووجوههم تتفاعل مع الحياة بالابتسامات والضحك… لماذا هم مبتهجون؟ لأن معهم “أنثى” والأنثى هي الفن والجمال، أم تراهم فرحين لأنهم يعلمون أنهم في النهاية سيغادرون قلعة الغبار الكويتية المملة.
مضى الوقت سريعاً أو بطيئاً لا أدري، أعلم أنه في كل ثانية تمر تخصم من العمر وتقربك من النهاية ولا توجد لحظة حاضر، فهذه يقذفها النور إلى الماضى وتلج إلى المستقبل حالاً، ويصبح الحاضر “الآن” ماضياً، وكلما امتد بك العمر تراكمت في خزينتك الروحية أرصدة من لحظات عمر الذكريات، وهي لمن كان في أعمارنا أجمل كثيراً من اليوم، قد يكون السبب أن الشباب دائما أجمل أو أن الكويت كانت أجمل في لحظة الليبرالية التي مرت سريعاً في السبعينيات أم أن كآبة اليوم هي كآبة العمر، فالذين عشت أجمل سنيني معهم والذين ضحكت وفرفشت بمجالسهم، رجب أمين وعبدالله سعود والفنان راشد الخضر ونصر الله النصر الله… وفايز المطوع والقائمة ممتدة، كلهم رحلوا بعد أن اشترى لهم عزرائيل تذاكر سفر سريعة “ون واي”. تذكرت أحد الأحياء من الأصدقاء اقترح بصيغة تساؤل، وبعد أن عزينا بوفاة قريب: ما رأيك أن نسهر الليلة في الصليبيخات (المقبرة) فهناك “اونس” كل الربع موجودون! موجودون كجثث، رمم، كانوا وكانوا مثلنا موجودين، الآن ليس لهم وجود، وسنصير يوماً ما مثلهم.
خرجنا من المطعم، ذهبت للمنزل، جلست وحدي كالعادة، مرت على خاطري عبارة للروائي الياباني “مشيما” من رواية “معبد الفجر” (أعتقد ذلك) بأن الشيخوخة هي الموت بل هي أسوأ منه، لم ينتظر مشيما الشيخوخة ولا مفاجأة الموت، شق بطنه منتحراً على الطريقة اليابانية.
مضى العيد، ومرت عصريته، ويمضي بنا العمر، ولا يبقى لك غير الذكريات، ولوعتها، ولن تجد العزاء مع بروست ولا منازل سوان وستظل تبحث عن “الزمن المفقود”.
يا سكري يا عسلي
تقوم جهات عدة، تجارية بالذات، بالترويج لمزايا العسل ووصفه بالمعجزة، وفي هذا مبالغة كبيرة، حتى ولو وجد من استفاد من العسل في علاج مرض ما، فقد يكون السبب ما أضيف له من مواد مسكنة او كورتيزون، فعلميا لا يختلف العسل كثيرا، في دوره كمادة محلية، عن سكر القصب الطبيعي غير المعالج. فمادتا العسل، وهما الكولوكوز والفروكتوس، أو سكر الفواكه، glucose and fructose منفصلتان فيه، بعكس السكر، والفروكتوس أكثر حلاوة، ولكنه لا يتحول الى طاقة بسرعة كالكولوكوز، وبالتالي فإن الأغذية المعلبة مثلا التي تحتوي على سكر عالي الفروكتوس تتحول الى دهون بطريقة أسرع من العسل. كما أن ملعقة من السكر العادي تحتوي على %50 أقل من السعرات الحرارية، من ملعقة مماثلة من العسل، وهذا يدفع البعض الى استخدام العسل بكميات أقل لحلاوته العالية وكثافته. كما يعتقد بعض خبراء التغذية أن العسل يحتوي على كمية قليلة من الفيتامينات والمعادن المفيدة، وفائدته في الهضم مؤكدة، مقارنة بالسكر الأبيض، الذي يخضع لإضافات عدة، وهذا ينزع عنه مواده النافعة، كالألياف، التي لا توجد بالعسل، بحيث لا يتبقى في السكر غير الحلاوة والضرر. واستخدام العسل في التحلية على المدى البعيد قد يكون أرخص، وهذا الكلام موجه للعقلاء، علىالرغم من سعره العالي مقارنة بالسكر، لأن الكمية المطلوبة منه أقل في التحلية. كما أثبتت التجارب أن العسل يتحلل بالدم بطريقة أكثر بطئاً من السكر، وهذا يساعد في عملية الهضم، وبالتالي من الأفضل استبدال السكر بالعسل، وخاصة في ظل صعوبة الحصول على سكر غير معالج في الأسواق. والخلاصة أن كل ما يدعيه البعض من احتواء العسل على العجائب أمر لا يدعمه أي بحث علمي، ولكنه بشكل عام أفضل من السكر، وعلينا في جميع الأحوال تجنب او التقليل من استهلاكنا من السكر الأبيض القاتل، هذا إضافة إلى أن العسل معرض للغش، حيث يضاف السكر لبعض أنواعه، ويمكن معرفة الأصلي منه برفع بعض منه في ملعقة وجعله ينسكب ببطء، فإن تقطع وهو ينحدر فهذا يعني أن مواد كالسكر قد اضيفت له، خاصة في الرخيص من أنواعه! وفي غياب السكر الطبيعي والعسل الصافي يمكن استخدام سكر الفواكه المستخرج من التين والزبيب، فهو لا يختلف في تركيبته عن العسل.
ويقول د. بانتنك Banting Dr، مكتشف الإنسولين، الذي يدعو البعض عليه في المساجد لأن ينقطع نسله ويحرق زرعه، إن الإصابات بمرض السكر في أميركا والعالم الثري، ارتفعت بطريقة موازية ومتساوية مع ارتفاع استهلاكه لسكر القصب الأبيض المعالج، وان عملية التسخين التي يتعرض لها السكر تحوله الى مادة خطرة. وهنا ننصح بقوة بالتوقف كليا، إن أمكن عن استخدام السكر الأبيض، وإن صعب على البعض ذلك، فعلى الأقل التقليل منه، وتربية أولادنا، والصغار بالذات، على عدم تناوله، أو تعويدهم عليه وهم صغار، لكي لا يدمنوا عليه، فالإنسان ابن بيئته! ولو كنت مكان وزير الصحة، وهذا ما لا اتمناه، لفرضت ضريبة عالية على السكر المستورد، ووجهت المبلغ المحصل لمعالجة أمراضه المنتشرة بيننا، بدلا من التفرغ لطرد الكفاءات الطبية! كما نعيب على الحكومة الرشيدة، ووزير صحة شعبها، الإعلان عن توفر مضخات إنسولين للأطفال المصابين بالسكر، ثم يتبين لاحقا ان الموجود لا يزيد على 160 مضخة، والمصابون من الأطفال أكثر من 3500، كما أن «أمناء»الجمعيات الخيرية لا يزالون على اعتقادهم بأن الصرف على وجبات طعام لمسلمي تمبكتو، التي يصعب مراقبتها ومعرفة حقيقتها، أكثر أهمية من الصرف على أطفالنا المرضى!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
انتكاسة جديدة للعلمانيين
وهكذا تتوالى الانتكاسات الواحدة تلو الأخرى للتيار العلماني في عالمنا العربي! فبعد نتائج الانتخابات التونسية تلتها المصرية تفاءلوا بنتائج الانتخابات الليبية التي تم الإعلان خلالها عن تقدم التيار الليبرالي، ثم تبين لنا أن أشد الليبراليين تشدداً عندهم لا يقل التزاماً بثوابت الدين عن كثير من الإسلاميين عندنا! وهذا انعكس على انتخابات رئاسة البرلمان عندما تنافس مرشح الليبراليين مع مرشح الإسلاميين وفوز الأخير، ولعل فوز الرئيس محمد مرسي لم يكن آخر هذه الانتكاسات، بل ما حدث بالأمس في القاهرة كان استمراراً لهذا المسلسل من الإخفاقات، حيث راهن التيار الليبرالي مدعوماً من فلول الحزب الوطني والأقباط بعمل مليونية ضد الرئيس والإخوان المسلمين! وكتب عدد غير قليل من علمانيي العرب مؤيداً لهذا التجمع الذي عقدت عليه آخر الآمال بإسقاط الإخوان المسلمين، بعد أن عجزت صناديق الاقتراع عن ذلك، وتحمس من تحمس من زملائنا وجيراننا، لكن خيبة الأمل كانت رفيقة دربهم منذ فترة ليست بالقصيرة، فأعلن الشعب المصري مرة أخرى أنه اختار التيار الإسلامي لقيادته في هذه المرحلة والمراحل المقبلة! وندرك جيداً أن فلول هذه التيارات البائسة لن يهدأ لها بال إلا بزعزعة الاستقرار وتعطيل التنمية في البلاد إلى أن يرجع عهد الرئيس البائد ومن لف لفهم! حفظ الله المحروسة من شرورهم.
* * *
ساحة الإرادة
دعت «نهج» والقوى الشبابية وتكتل الأغلبية من نواب مجلس 2012 وقوى سياسية أخرى إلى تجمع غداً الاثنين في ساحة الإرادة، لمعالجة تداعيات طعن الحكومة بقانون الدوائر الانتخابية أمام المحكمة الدستورية، وساءني حقيقة طريقة تعامل المعارضين لهذا التجمع مع هذه الدعوة، فالبعض طعن في نوايا الداعين وتجاوزوا الخطوط الحمراء في ذلك، حيث اتهموهم بالنية في قلب نظام الحكم! والبعض الآخر شكك في قدرة المعارضة السياسية في حشد أعداد كافية غداً، واتهمهم بالكذب واستخدام أساليب غير مشروعه في دعوتهم! إلى آخره من تطرف في النقد وصل إلى التجريح في كرامات الناس!
أنا أعتقد أن هذا الطرح يؤكد أن البعض منا ما زال بعيداً عن الروح الرياضية في تقبل الرأي الآخر، بل إن بعضنا لا يستحق الأجواء الديموقراطية التي تعيشها الكويت، وكان الأولى أن ننتظر حتى نرى ما ستسفر عنه هذه الفعالية ثم نعلق سلباً أو إيجاباً، حسب ما يراه كل واحد منا، وقراءة سريعة لما يصرح به المدعو نبيل نوري عبدالحليم خضير يومياً، وما تتضمنه تصريحاته من ألفاظ يترفع عنها كرام الناس، تبين لنا الوضع المزري الذي يعيشه هذا البعض الذي ضاقت به لبلأرض بما رحبت
* * *
مجدي.. ولاريجاني
كم كنت أتمنى لو أن السفير المميز مجدي الظفيري لم يتبرع بالدفاع عن لاريجاني وينوب عنه في نفي تصريح قناة المنار المدعومة من حزب الله! وكان أولى به عندما أخبرته الخارجية الإيرانية بالنفي أن يطلب منهم أن يعلنوا هذا للملأ ولا يكتفوا بالحديث «الخشاشي»!
* * *
نواب الأولى وسوريا
أما وقد رجع مجلس القبيضة (كما يطلق عليه) قسراً وقهراً، وأصبح السادة الأفاضل القلاف والدويسان ومعصومة وزلزلة وعبدالصمد وجوهر وعاشور والمطوع وعلي الراشد أصبحوا أعضاء بالبرلمان المتبرأ منه، فإننا نستغرب سبب صمتهم المطبق عما يجري في سوريا من قتل وتدمير لبلد وشعب بشكل غير مسبوق! كلمة واحدة تبرئ ذمتهم عند الله، وعند الناس، لم نسمعها منهم! ويتحدثون عن الوحدة الوطنية؟! عجيب أمركم.
إي نعم… «حبربش»!
عادة ما تنتشر كلمة «حبربش» بين أهل الخليج وأهل العراق كذلك لوصف «التافه» من الناس! فالحبربش، وفق المعنى الشعبي، هم أراذل الناس وأخسهم وأوضعهم أخلاقاً ممن تنال المجتمعات منهم الشر ولا شيء غير الشر.
الكثير من الناس يستخدمون هذه الكلمة بالطبع لكثرة انتشارها دون معرفة أصلها في اللغة… حالها حال الكثير من المفردات الشعبية شائعة الانتشار غريبة اللفظ، غير أن اللافت للنظر أن تصبح كلمة «حبربش» واحدة من مفردات الربيع العربي لتطلق على مثيري الفتنة والعداوة بين الناس.. البلطجية.. عصابات الحرامية.. العصابات المسلحة.. فيُصيب من يطلقها حقاً على «الحبربش» المنتشرين في الدول العربية، وخصوصاً دول الثورات، الذين تستخدمهم (فلول) الأنظمة المتهاوية، والشخصيات الرئيسية في الأنظمة (الساقطة) حيث يمدونهم بالمال والسلاح لإثارة الفوضى والجريمة في المجتمع نكايةً وانتقاماً… فيما هناك (جماعات) تربيها وتدربها وترعاها دول معادية للديمقراطية والاستقرار، وهي في الغالب تعمل لصالح استقرار «الصهانية» دون شك لتمزيق الدول العربية والإسلامية من الداخل عبر التناحر الدموي بعد عدم (شباع) تلك الدول من مجرد إثارة الفتن الطائفية والمذهبية… فلابد من (حبربش مسلح).
هذه الجماعات «الحبربشية»، كان متوقع لها -منذ انطلاق أولى الثورات العربية في تونس العام الماضي 2011 – أن تتكاثر وتزداد ضراوتها في الدول التي شهدت أو مهيئة لأن تشهد ثورات وحركات مطلبية، وليسمح لي القاريء الكريم أن أعود إلى مقال كتبته يوم 6 مارس/ آذار 2011 وردت فيه هذه الفقرة نصاً: «كل الدول العربية والإسلامية بل ودول العالم الثالث، مهيئة لثورات غضب شعبية مقبلة للمطالبة بالحقوق والإصلاحات، نظراً لتراكم الممارسات الديكتاتورية، وتعنت الحكومات وظلمها واستبدادها، وستكرر الأنظمة ذات الأساليب في التعامل مع شعوبها، وستضعها تحت عدة عناوين مكررة: فوضى وتخريب وفتنة – تآمر من الخارج كإيران تارة، وتل أبيب تارة أخرى تدار من أميركا – مخطط إسرائيلي لتقويض الأمة الإسلامية- القاعدة و»طالبان»، وربما عناوين أخرى لست أفقهها! ثم ستنحو تلك الأنظمة إلى: استخدام أقصى أنواع العنف والقوة ضد مواطنيها، وستقتل من تقتل بدم بارد – ستحذر وتهدد وتنذر وتزبد – ستستخدم البلطجية والمرتزقة الذين على ما يبدو أعدتهم تلك الأنظمة منذ زمن في أقفاص خاصة تطعمهم وتسمنهم وتربيهم للنيل من شعوبها – ستتراجع وتدعو للتهدئة والحوار، وستتباكى على سلامة الوطن واستقراره وأمنه واقتصاده – ستلفّ وتدور حول الحوار- ستسقط الأنظمة المتعنتة المكابرة- ستنجو الأنظمة التي ستظهر بشجاعة وتعترف بأخطائها، وتؤمن بأن مطالب الشعوب مشروعة ودستورية فتصل إلى بر الأمان»…انتهى الاقتباس.
لكن، ما هي اسقاطات ذلك التقديم على الوضع اليوم في الوطن العربي؟ المشهد واضح بلا ريب.. ودعوني أرسم صورة متخيلة للصهاينة وهم يضعون رِجلاً على رجل، ويراقبون ما يجري في الوطن العربي من صراعات دامية بين أبناء البلد أنفسهم، ويشربون نخب الانتصار والتشفي، وهم يشاهدون بوادر صراعات داخلية متنقلة من بلد إلى بلد، ويرفعون الشكر والتقدير لراعيتهم «أميركا»، وإلى الأنظمة والجماعات الحليفة معها ولها.
هذه المرحلة على ما يبدو هي مرحلة «الحبربش»، ولا يمكن قبول كلام المنظرين بأن ما يحدث من صراعات وتوترات دامية هي جزء من (حراك سياسي) طبيعي بعد أية ثورة أو حركة مطلبية… وتبدو الصورة الأكثر دمويةً في سورية… نعم الشعب السوري له كل الحق في المطالبة بحقوقه المشروعة وإن طالب بإسقاط نظام بشار الأسد، لكن أن تنتشر جماعات مسلحة مدعومة من أطراف متعددة الغايات فيصبح الشعب السوري (الضحية) بين نيران النظام ونيران المسلحين، فذلك وضع يريح الصهاينة بالتأكيد.
نعم، من حق الشعب المصري المعترض على حكم الرئيس محمد مرسي أن ينتقده، وينتقد حركة الإخوان المسلمين، ويطالب بدولة مدنية، لكن أن تشتعل القاهرة، كما حدث يوم أمس الأول الجمعة (24 أغسطس/ آب 2012) من اشتباكات بالأيدي والأسلحة البيضاء وتراشق لفظي بعد صلاة الجمعة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس، ودخول «الحبربش» المدسوسين والممولين من فلول النظام السابق، فتلك (جمعة إسعاد العدو الصهيوني).
في تونس… مهد «انتفاضات الربيع العربي»، وحكومتها الإسلامية المعتدلة، فيها ما يثير القلق بسبب «الحبربش» أيضاً الذين يتحولون من معترضين على «معرض فني» إلى لصوص وبلطجية يهاجمون الناس، وينهبون المتاجر، ويحطمون واجهاتها، ويعتدون على الناس… في «ليبيا» لم تتوقف أعمال العنف المسلحة، حيث يستمر تفجير السيارات، واغتيال كبار المسئولين الحكوميين والعسكريين، والهجوم على موظفي السلك الدبلوماسي الأجنبي والمنظمات غير الحكومية، وتتجه جماعات من الشبان المسلحين لاستخدام لغة السلاح… في الوقت الذي يعلن فيه اتباع «القذافي»عزمهم على تصعيد قتالهم.
لنتجه إلى اليمن، فقد بدأت الجماعات المسلحة الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح الانتقام من الشعب اليمني بتنفيذ الهجمات والعمليات المسلحة.. هي أيضاً أخبار سارة للكيان الصهيوني.. في طرابلس.. شمال لبنان.. اشتباكات مسلحة بين مجموعات سنية وعلوية من أبناء البلد في منطقتي جبل محسن والتبانة، ولن ينكر أحد بأنها بشارة مفرحة لنتنياهو وبارك وأفيغيدور…
يا إلهي، كم هي مرعبة تلك الأوضاع التي تعيشها الأمة، فتسيل دماء أبنائها بفعل مؤامرات الصهاينة المتفرجين بسعادة الشاربين كؤوس الانتصار الدموي بينهم.
ختاماً، الحبَربَش… لفظة عربية قديمة تعني الجماعة من الناس، وكان العراقيون قديماً يقولون: «جان فلان مع حبربشيته»… واللفظ الصحيح في اللغة العربية كما يرى النسابة العراقي الشهير الشيخ عبدالأمير البديري، صاحب موسوعة العشائر العراقية العربية، هو :«الأحبوش» و»الأحبوشة».. وللأسف الشديد، بوسعنا أن نقول اليوم: «جاءت حبربشية الكيان الصهيوني».